44/05/24
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /البحث الأول؛ تنبیهات البرائة؛ التنبیه الثاني: في حسن الاحتیاط و إمکان جریانه في العبادات و التوصلیات
التنبیه الثاني:
في حسن الاحتیاط و إمكان جریانه في العبادات و التوصلیات
فیه مطلبان:
المطلب الأوّل:هل یمكن الاحتیاط في العبادات؟
إنّ حسن الاحتیاط و إمكان جریانه في التوصلیات في غایة الوضوح، كما أنّ حسنه و جریانه في العبادات في ما إذا علم المحبوبیة المطلقة و دار الأمر بین الوجوب و الاستحباب أیضاً لا مانع منه.
نعم قد یتوهّم عدم إمكان الاحتیاط في العبادات لعدم التمكّن من قصد الوجه.
و المحقّق النائیني أجاب عنه: ([1] )
أوّلاً: بأنّ قصد الوجه غیر معتبر في العبادة.
و ثانیاً: بأنّ قصد الوجه على تقدیر اعتباره، إنّما یعتبر عند التمكّن منه، و أمّا عند تعذّره لعدم العلم بالوجوب أو الاستحباب فلایعتبر قطعاً.
الإشكال من جهة قصد القربة
و أمّا حسن الاحتیاط و إمكان جریانه في ما لمتحرز المحبوبیة المطلقة:
فإنّ جریان الاحتیاط في ما لمیحرز أصل المحبوبیة و دار الأمر بین الوجوب و الإباحة مشكل من جهة أنّ قصد القربة ممّا لابدّ منه في وقوع العمل عبادةً، و حیث إنّه لایمكن مع الشكّ في المحبوبیة فلایمكن الاحتیاط في العبادة، فإنّ نیة التقرّب متوقّفة على العلم بأمر الشارع تفصیلاً أو إجمالاً.
و قد ذكر الشيخ الأنصاري هذا الإشكال في التنبیه الثاني من مسألة دوران الحكم بین الوجوب و غیر الحرمة من جهة فقدان النصّ.([2] )
و سائر الأعلام مثل صاحب الكفایة ([3] )و المحقّق النائیني([4] ) و أمثالهم تعرّضوا لهذا الإشكال، فإنّ المكلف حینئذٍ إن أتی بالعمل بداعي الأمر كان تشریعاً محرّماً و إن أتی به بغیر داعي الأمر فلمیأت بالعبادة.
أجوبة ثلاثة عن هذا الإشكال
الجواب الأوّل
إنّه یستكشف وجود الأمر الشرعي بهذا الفعل من حكم العقل و استقلاله بحسن الاحتیاط لقاعدة الملازمة (كلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع).
إیرادان على الجواب الأوّل
الإیراد الأوّل: من الشيخ الأنصاري
إنّ الأمر الشرعي بهذا النحو من الانقیاد - كأمره بالانقیاد الحقیقي و الإطاعة الواقعیة في معلوم التكليف - إرشادي محض، لایترتّب على موافقته و مخالفته أزید ممّا یترتّب على نفس وجود المأمور به أو عدمه كما هو شأن الأوامر الإرشادية فلا إطاعة لهذا الأمر الإرشادي و لاینفع في جعل الشيء عبادة.([5] )
الإیراد الثاني: من صاحب الكفایة
إنّ حكم العقل بحسن الاحتیاط أو تعلّق الأمر الشرعي بالاحتیاط لایثبت موضوعه الذي هو إمكان الاحتیاط، فإنّ حكم العقل بحسن الاحتیاط أو تعلّق الأمر الشرعي به متوقّف على إمكان الاحتیاط و لا تعرّض للعقل أو الشرع لبیان تحقّق الموضوع خارجاً. ([6] [7] )
الجواب الثاني
إنّ ما دلّ على ترتّب الثواب على العمل بالاحتیاط دلیل إنّي على تعلّق الأمر به و علیه یصیر الاحتیاط مستحبّاً شرعیاً.
إیرادان على الجواب الثاني
الإیراد الأوّل ([8] )
أورد علیه صاحب الكفایة أوّلاً بأنّ تعلّق الأمر بالاحتیاط فرع إمكانه فكیف یكون من مبادي ثبوت الاحتیاط؟
الإیراد الثاني ([9] )
إنّ ترتّب الثواب لایكون كاشفاً عن تعلّق الأمر بالاحتیاط بنحو الكشف الإنّي بل یكون حاله في ذلك حال الإطاعة، فإنّ الاحتیاط نحو من الانقیاد و الإطاعة.
الجواب الثالث
إنّ الإشكال المذكور مبني على أنّ عبادیة الواجب متوقّفة على الإتیان به بقصد الأمر الجزمي و لیس الأمر كذلك، إذ یكفي في عبادیة الشيء مجرد إضافته إلى المولى.
و من الواضح أنّ الإتیان بالعمل برجاء المحبوبیة و احتمال أمر المولى من أحسن أنحاء الإضافة، و الحاكم بذلك هو العقل و العرف.([10] [11] )
المطلب الثاني:
في استكشاف الاستحباب الشرعي للاحتیاط
هل یمكن أن نستكشف الاستحباب الشرعي من الأوامر الشرعیة المتعلّقة بالاحتیاط فتكون تلك الأوامر مولویة أو لابدّ من حملها على الأوامر الإرشادیة؟
نظریة المحقّق النائیني:([12] ) إنّ الأمر بالاحتیاط أمر إرشادي
و ذلك لأنّ الأحكام العقلیة إن كانت واقعة في مرتبة العلّة للحكم الشرعي، بأن كان الحكم الشرعي متأخّراً عنها في الرتبة، فقاعدة الملازمة بین الحكمین تثبت الحكم الشرعي لامحالة.
أمّا إذا كان الحكم العقلي واقعاً في مرتبة الامتثال التي هي متأخرة عن جعل الحكم الشرعي و مترتبة علیه فلایمكن الاستكشاف و ذلك كحكم العقل بحسن الامتثال المترتّب على جعل الحكم الشرعي و تحقّقه.
فحكم العقل بحسن الاحتیاط في المقام لایمكن أن یستكشف به الحكم الشرعي بملاكه، فإنّ حكم العقل في هذه المرتبة حكم مترتّب على جعل الأحكام، ضرورة أنّه مترتّب على احتمال الحكم المتأخّر عن جعله بالرتبة.
نعم، لا مضایقة في استحباب الاحتیاط شرعاً بملاك آخر غیر ما هو الملاك في حكم العقل بالحسن، مثل كون الاحتیاط موجباً لقوّة ملكة النفس على التحرّز عن المعصیة، كما هو المستفاد من قوله: «فَمَنْ تَرَكَ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ فَهُوَ لِمَا اسْتَبَانَ لَهُ أَتْرَكُ»([13] ).
و لأجل ذلك استظهرنا في ما مرّ استحباب الاحتیاط شرعاً، زائداً على ما هو علیه من حسنه العقلي.