44/04/17
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /المقام الأول؛ إیراد بعض الأساطین علی ما أفاده المحقق الإصفهاني
إيراد بعض الأساطين على ما أفاده المحقّق الإصفهاني ([1] )
ما أفاده غیر سالم عن الإيراد من وجوه:
الأوّل: أنّ ما أفاده من البرهان من عدم إمكان كون الورود بمعنى الصدور على احتمال كون المراد من الإطلاق في الحديث هو الإباحة الظاهرية و إن كان تامّاً بعدم تعقّل كون الغاية للإباحة الظاهرية هو صدور النهي، إذ غايتها هو العلم بالحكم الواقعي و لايكون صدور النهي موجباً للعلم به.
لكن ما ادّعاه من عدم إمكانه أيضاً على كون المراد من الإطلاق هو الإباحة الواقعية فغير صحيح، و ذلك لابتناء عدم إمكانه على أمرين من كون منشأ الإباحة الواقعية هو خصوصية لا اقتضائية متعلّقها بالنسبة إلى الفعل و الترك لخلوّ المتعلّق عن المصلحة و المفسدة و كون منشأ النهي هو كون متعلّقه ذا مفسدة.
و كلا الأمرين مورد للإشكال و ذلك لعدم انحصار كون منشأ الإباحة هو لا اقتضائية المتعلق و إمكان كون منشأها هو تزاحم المفسدة القائمة بالمتعلّق مع مصلحة مانعة عن تأثيرها و حينئذ تكون المفسدة بعد ارتفاع المصلحة منشأً لعروض النهي على ما كان مباحاً واقعاً من دون استلزام الانقلاب المحال كما كان ذلك ثابتاً بالنسبة إلى المحرّمات في أوّل البعثة، مثلاً كان الخمر ذا مفسدة مطلقاً و لكن مصلحة التسهيل بالنسبة إلى من كان حديث العهد بالإسلام اقتضت تحريمه تدریجاً كما أنّ منشأ النهي أيضاً غير منحصر في كون المتعلّق ذا مفسدة بل يمكن كون المنشأ له هو قيام المصلحة بنفس النهي من كونه لمحض التعبّد كما هو كذلك في كثير من الواجبات و المحرّمات الشرعية.
و عليه فلا مانع من كون الورود بمعنى الصدور و المراد من الإطلاق هو الإباحة الواقعية من دون أن يستلزم منه ما أفاده من المحذور.
الثاني: أنّ ما أفاده من عدم احتمال كون المراد من الإطلاق هو اللاحرجية العقلية مردود لعدم تمامية ما ذكره من الوجوه المانعة: أمّا ما ذكره من عدم المعنى لبيان الإمام الصادق أمراً مربوطاً إلى زمان قبل البعثة و صدر الإسلام، فإنّه إنّما يتمّ فيما إذا كان المراد من بحث كون الأشياء قبل الشرع على الحظر أو الإباحة هو القبلية الزمانية، و أمّا بناء على كون المراد من القبلية هو قبل صدور الحكم من الشارع و بلوغه إلى المكلّف فهو لايختصّ بزمان دون زمان و الحقّ هو الثاني، إذ همّ العقل إنّما هو درك ما هو وظيفة العبد بمقتضى عبوديته بالنسبة إلى ما لم يكن من الشارع فيه أمر و نهي من دون أن يكون البحث بالنسبة إلى زمان خاصّ.
و كذا ما ذكره من كون المسألة من الواضحات العقلية غير محتاجة إلى البيان ممنوع بعد ملاحظة كون المسألة ذات أقوال أربعة؛ من القول بالحظر و القول بالإباحة و القول بالتوقّف و القول بسكوت العقل فيه، ضرورة أنّها لو كانت من الواضحات لما كان فيها مجال للاختلاف بين أهل التحقيق و أصحاب العقول.
و أمّا ما ذكره ثالثاً من كون شأن الإمام بيان الأحكام الشرعية دون الإرشاد إلى الإدراكات العقلية.
ففيه: أوّلاً: أنّ دعوى عدم كون شأن الإمام هو الإرشاد إلى الأحكام العقلية لايمكن المساعدة عليه بنحو السالبة الكلّية ضرورة أنّ الإمام هوالخليفة من الله بين الناس فيكون شأنه بیان ما هو من شأن الله تبارك و تعالى بيانه للناس، و من المعلوم اشتمال الآيات القرآن المجيد على كثير من الإرشادات العقلية مثل ﴿أَطيعُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ﴾[2] و لا ريب في كون ما هو من شأنه تبارك و تعالى بیانه، يكون من شأن الإمام أيضاً بیانه. نعم الأصل في كلامهم هو كونهم في مقام بيان الأحكام الشرعية لا الإرشاد فيحمل ما صدر عنهم على المولوية و تشريع الأحكام أو تبليغها، لكنّه حيث كان أصلاً مقامياً یكون اعتبارها منوطاً بعدم ظهور لفظي في الكلام على خلافه فلا مجال لجريانه مع ما ادّعاه صاحب الكفاية في ظهور كلمة الورود في الصدور.
و ثانياً: كون المرشد إليه حكم العقل تعبیر مسامحي إذ الحكم شأن المولى و لا مولوية للعقل، بل شأن العقل هو الإدراك و هو حجة باطنية على الإنسان كما أنّ الرسول حجّة ظاهرية، و كما أنّ ما بيّنه هو حكم الله كذلك ما يدركه العقل هو حكم الله قام عليه الحجّة من الله على عبده، و عليه ففي موارد الاختلاف فيما يدركه العقل كما في المسألة المبحوث عنها من كونها ذات أقوال أربعة لايكون ما يبيّنه الإمام و يعبّر عنه بالإرشاد إلى حكم العقل خارجاً عن بیان حكم الله حتّى يقال بعدم كون بيانه من شأن الإمام، بل يكون حكماً إلهياً يدركه العقل السليم و بيّنه الإمام لرفع الأوهام عن العقول المبتلية بها، فظهر عدم المانع عن احتمال كون المراد من الإطلاق هو اللاحرجية العقلية و عدم تمامية الوجوه التي ذكرت للمانعية.
الثالث: أنّ ما أفاده في تقريب كون المراد من الورود هو الوصول بحسب المتفاهم العرفي في مقام الإثبات من ثبوت التضايف في مفهوم الورود من حيث استلزامه الوارد و المورود عليه و فيهما يكون الوارد هو التكليف من الأمر و النهي و المورود عليه هو المكلّف لكونه هو الذي يتوجّه إليه التكليف لا غيره و من المعلوم عدم صدق الورود على المكلّف إلّا بوصول التكليف إليه لا بمجرّد الصدور.
يرد عليه: أنّ مفهوم الورود و إن كان من المفاهيم الإضافية المتقوّمة بالوارد و المورود لكنّه يختلف مفهومه بحسب تعديته بنفسه أو بـ «علی»، ففي مثل: «وردني كتاب فلان» أو «ورد عليّ كتابه» يكون مفهومه الوصول كما أفاده، و أمّا في صورة تعديته بكلمة «في» مثل: «ورد النهي في الخمر» أو «في لحم الأرنب» مثلاً يصدق الورود بمجرّد صدور النهي من دون دلالته على كون المورود عليه هو المكلّف إلّا ببيان زائد، و الموجود في الرواية هو مجرّد ورود النهي في الشيء من دون دلالة فيها على كون المورود هو المكلّف ففي مثله یصدق الورود بمجرّد صدور النهي و إن لم يصل إلى المكلّف.
فظهر عدم تمامية ما أفاده لكون الورود بمعنى الوصول تثبيتاً لما اختاره الشيخ.
ملاحظاتنا على إیرادات بعض الأساطين
الملاحظة الأولى
لانسلّم أن یكون المراد من «المطلق» الإباحة الواقعیة، فإنّ الظاهر من الحدیث أنّه لیس في مقام تغییر مناطات الأحكام و حدوث المصلحة أو المفسدة الملزمتین في متعلّقاتها أو ارتفاعهما، فلابدّ من أن یكون في مقام بیان حكم الأشیاء ظاهراً.
مضافاً إلى أنّ ما أفاده من إنكار لا إقتضائیة المتعلّق في بعض موارد الإباحة و إمكان كون منشأ الإباحة هو تزاحم المفسدة القائمة بالمتعلّق مع مصلحة مانعة عن تأثيرها، فحینئذٍ یكون المتعلّق في الإباحة الواقعیة إقتضائیاً للمصلحة و المفسدة، لایمكن المساعدة علیه، لأنّه في ما إذا فرضنا وجود المصلحة و المفسدة الملزمتین في المتعلّق فهما متعارضتان فلیس المتعلّق إقتضائیاً بل هو لا إقتضائي، كما أفاده المحقّق الإصفهاني.
و حينئذ تكون المفسدة بعد ارتفاع المصلحة منشأً لعروض النهي على ما كان مباحاً واقعاً من دون استلزام الانقلاب المحال كما كان ذلك ثابتاً بالنسبة إلى المحرّمات في أوّل البعثة، مثلاً كان الخمر ذا مفسدة مطلقاً و لكن مصلحة التسهيل بالنسبة إلى من كان حديث العهد بالإسلام اقتضت تحريمه تدریجاً كما أنّ منشأ النهي أيضاً غير منحصر في كون المتعلّق ذا مفسدة بل يمكن كون المنشأ له هو قيام المصلحة بنفس النهي من كونه لمحض التعبّد كما هو كذلك في كثير من الواجبات و المحرّمات الشرعية.
الملاحظة الثانیة
إنّ المحقّق الإصفهاني لم یدّع أنّ شأن الإمام لیس بیان الإدراكات العقلیة، بل ما أفاده المحقّق الإصفهاني بقوله: «أنّ حمل الإباحة على الإباحة المالكية قبل الشرع التي يحكم بها عقل كلّ عاقل بعيد غير مناسب للإمام المعدّ لتبليغ الأحكام» هو أنّ بیان ما یحكم به عقل كلّ عاقل غیر مناسب للإمام بل إنّه في مقام بیان الأحكام و هذا الكلام صحیح لا غبار علیه، كما اعترف به بعض الأساطين بعد الإیراد علیه قائلاً: «نعم الأصل في كلامهم هو كونهم في مقام بيان الأحكام الشرعية لا الإرشاد فيحمل ما صدر عنهم على المولوية و تشريع الأحكام أو تبليغها»
الملاحظة الثالثة
إنّ التضایف بین الوارد و المورود علیه، ممّا لا سبیل لإنكاره و لو في ما إذا تعدّی الورود بحرف «في»، فإنّ الوارد في ما إذا تعدّی بحرف في أیضاً یحتاج إلى المورود علیه و هو المكلّف، فمعنی «یرد فیه نهي» هو الورود على المكلّف و ذلك مستلزم لمعنی الوصول إلیه.
فعلى هذا نحن نعتقد بتمامیة دلالة الحدیث على البراءة الشرعیة، و بتمامیة استدلال المحقّق الإصفهاني.
فتحصّل من ذلك تمامیة الاستدلال بحدیث «كُلُّ شَيْءٍ مُطْلَقٌ حَتَّى يَرِدَ فِيهِ نَهْيٌ».([3] )