44/04/14
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /المقام الأول؛ نظریة المحقق الإصفهاني؛ أما تفصیل بیانه
أمّا تفصیل بیانه: قال: تحقيق المقام: أنّ المراد بقوله «حَتَّى يَرِدَ فِيهِ نَهْيٌ»، تارة: هو الورود في نفسه المساوق للصدور واقعاً.
و أخرى: هو الورود على المكلف المساوق للوصول إليه.
و النافع في المقام هي إباحة ما لم تصل حرمته إلى المكلّف، لا إباحة ما لم يصدر فيه نهي واقعاً، فإنّه دليل إباحة الأشياء قبل الشرع، لا الإباحة فيما لم يصل، و إن صدر فيه نهي واقعاً.
توضيحه أنّ الإباحة على قسمين:
إحداهما: بمعنى اللاحرج من قبل المولى في قبال الحظر العقلي، لكونه عبداً مملوكاً ينبغي أن يكون وروده و صدوره عن رأي مالكه.
ثانيتهما: الإباحة الشرعية في قبال الحرمة الشرعية الناشئة عن المفسدة الباعثة للمولى على زجره عمّا فيه المفسدة.
و هي تارة: إباحة واقعية ثابتة لذات الموضوع، ناشئة عن لا اقتضائية الموضوع لخلوّه عن المصلحة و المفسدة.
و أخرى: إباحة ظاهرية ثابتة للموضوع بما هو محتمل الحرمة و الحلّية ناشئة عمّا يقتضي التسهيل على المكلّف بجعله مرخّصاً فيه.
و الإباحة القابلة لأن يغيّا بعدم صدور النهي واقعاً هي الإباحة بمعنى اللاحرج، لا الإباحة الشرعية سواء كانت واقعية أو ظاهرية.
أمّا الإباحة الواقعية: فالمفروض أنّها ناشئة عن لا اقتضائية الموضوع فلايعقل ورود حرمة في موضوعها للزوم الخلف من فرض اقتضائية الموضوع المفروض أنّه لا اقتضاء.
لايقال: لا اقتضائيته من حيث ذاته لاتنافي عروض عنوان عليه يقتضي الحرمة.
لأنّا نقول: نعم إلّا أنّ الذي يرد فيه نهي ذلك العنوان الذي له اقتضاء الحرمة، لا أنّ النهي يرد في مورد الإباحة.
و فرق بين ورود نهي في مورد الإباحة كما هو ظاهر الخبر، و بين انطباق عنوان ورد فيه النهي على مورد الإباحة، فالماء مثلاً مباح و الغصب حرام، و انطباق عنوان الغصب على الماء لايقتضي صدق ورود النهي في الماء المغصوب، بل من انطباق العنوان الوارد فيه النهي على مورد الإباحة.
هذا إذا أريد ما هو ظاهر الخبر من كون الإباحة مغياة بورود النهي في موردها.
و أمّا إذا أريد بورود النهي تحديد الموضوع و تقييده،- بأن يكون المراد أنّ ما لم يرد فيه نهي مباح، و أنّ ما ورد فيه نهي ليس بمباح،- فهو: إن كان بنحو المعرفية فلا محالة يكون حمل الخبر عليه حملاً على ما هو كالبديهي الذي لايناسب شأن الإمام.
و إن كان بمعنى تقييد موضوع أحد الضدّين بعدم الضدّ حدوثاً أو بقاء، فهو غير معقول: لأنّ عدم الضدّ ليس شرطاً لوجود ضدّه، لا حدوثاً و لا بقاء، و لا معنى لتقييد موضوع الإباحة بعدم ورود النهي حقيقة إلّا شرطيته.
و أمّا الإباحة الظاهرية: فجعلها مغياة أو محدّدة و مقيّدة بعدم صدور النهي في موضوعها واقعاً غير صحيح من وجوه([1] ) ... و حيث علم من جميع ما ذكرنا عدم إمكان إرادة الإباحة الشرعية واقعية كانت أو ظاهرية، بناء على إرادة الصدور من الورود، فلا مناص من حمل الإباحة على إباحة الأشياء قبل الشرع بمعنى اللاحرج العقلي، فإنّها محدودة و مغيّاة بعدم صدور الحرمة الشرعية، فيكون الخبر دليلاً على هذه الإباحة، لا الإباحة الشرعية الظاهرية المبحوث عنها هنا.
إلا أنّ حمل الإباحة على الإباحة المالكية قبل الشرع التي يحكم بها عقل كلّ عاقل بعيد غير مناسب للإمام المعدّ لتبليغ الأحكام، خصوصاً بملاحظة أنّ الخبر مروي عن الصادق بعد ثبوت الشرع، و إكمال الشريعة، خصوصاً في المسائل العامّة البلوى التي يقطع بصدور حكمها عن الشارع، فلا فائدة في الإباحة مع قطع النظر عن الشرع.
و عليه، فالمراد من الورود هو الورود على المكلّف المساوق لوصوله إليه.
و المراد بالإطلاق هو الترخيص الشرعي الظاهري، و عدم تقيّد المكلّف ظاهراً بطرف الترك، أو بطرف الفعل، فيكون دليلاً على المسألة.
و التعبير عن الوصول بالورود تعبير شائع لاينسبق إلى أذهان أهل العرف غيره.
بل الظاهر كما يساعده تتبّع موارد الاستعمالات أنّ الورود ليس بمعنى الصدور أو ما يساوقه، بل هو معنى متعدّ بنفسه، فهناك بلحاظه وارد و مورود، فيقال: ورد الماء و ورد البلد و وردني كتاب من فلان، و إن كان بلحاظ إشراف الوارد على المورود ربما يتعدّى بحرف الاستعلاء.
نعم ربما يكون الوارد أمراً له محلّ في نفسه كالحكم، فيقال: ورد فيه نهي مثلاً، فالموضوع محلّ الوارد، لا مضايف الوارد، بل مضايفه من ورده هذا التكليف الخاصّ، و لذا لايصحّ أن يقال: بالإضافة إلى الموضوع: ورده نهي، بل ورد فيه.
بخلاف المكلّف، فإنّه الذي ورده التكليف أو ورد عليه بلحاظ إشرافه عليه.
و بالجملة: نفس معنى الورود متعدّ بنفسه إلى المورود، و لمكان التضايف لايعقل الوارد إلّا بلحاظ المورود، و ليس المورود هنا إلّا المكلّف دون محلّ الوارد، و لذا لو لم يكن الوارد محتاجاً إلى المحلّ لايتعدّى إلّا بنفسه، أو بحرف الاستعلاء بلحاظ الإشراف.
فتحقّق أنّ الورود ليس بمعنى الصدور و ما يساوقه مفهوماً حتّى لايحتاج في ذاته إلى مكلّف يتعلّق به، بل بمعنى يساوق الوصول إليه، لتضايف الوارد و المورود، فتدبّر جيّداً. [2]