44/04/05
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /المقام الأول؛ النقطة الثانیة
النقطة الثانیة
من جهة قوله: «فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ» فإنّه أیضاً موجب لاختصاص دلالتها بالشبهات الموضوعیة و هذه العبارة موجودة في جمیع الروایات إلّا موثقة مسعدة بن صدقة.
إنّ الشيخ الأنصاري و بعض المحقّقین مثل المحقّق الخوئي قالوا: بأنّ فقرة «فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ» تدلّ على اختصاص الروایة بالشبهة الموضوعیة و في قبالهم بعض الأعلام مثل المحقّق النائیني و المحقّق العراقي و المحقّق النراقي ([1] ) و السیّد الصدر صاحب شرح الوافیة([2] ) قالوا بعدم دلالتها على الاختصاص بالشبهات الموضوعیة.
بیان الشيخ الأنصاري و من تبعه لهذه المناقشة
إنّ الظاهر من قوله: «فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ» هو الانقسام الفعلي بمعنی وجود القسمین (أي الحلال و الحرام) فیه بالفعل لا تردّده بین كونه حلالاً أو حراماً، و هذا لایمكن تصویره في الشبهات الحكمیة، لأنّ وجود القسمین في الشبهات الحكمیة فرضیة و إمكانیة و احتمالیة. و بعبارة أُخری أنّ وجود القسمین أي الحلال و الحرام في الشبهات الحكمیة لیس فعلیاً بل هو شأني بمعنی التردّد بین كونه حلالاً أو حراماً.[3]
طریقان للجواب عن هذه المناقشة
الطریق الأوّل: من المحقّق النائیني [4]
إنّ الشیئیة حیث إنّها تساوق الوجود فظاهر لفظ «الشيء» هو الموجود الخارجي، فیدور الأمر بین إرادة احتمال الحلّیة و الحرمة من قوله: «فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ» و بین الالتزام بالاستخدام و حمله على الانقسام الفعلي، و الأوّل و إن كان في نفسه خلاف الظاهر، إلّا أنّ الالتزام به أهون من الالتزام بالاستخدام، و على ذلك فلا مانع من شمول الروایة للشبهة الحكمیة.
و هذا البیان یحتاج إلى زیادة توضیح:
إنّ قوله: «كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ» ظاهر في فعلیة انقسام الشيء إلى القسمین و نحن نذعن بهذا الظهور إلّا أنّ الكلام یقع في أنّه هل یؤخذ بظهور المقسم و الانقسام أو لابدّ من الالتزام بخلاف الظاهر في أحدهما فإنّ بعض الأعلام مثل الشيخ
و المحقّق الخوئي التزموا بخلاف الظاهر في ناحیة المقسم فقالوا: إنّ المقسم لقسمي الحلال و الحرام لیس نفس ذلك الشيء بل نوعه و بعبارة أُخری لیس الحلال و الحرام – بعنوانهما - وصفين لذلك الشيء بل هما وصفان لغیر من هو له و لكن المحقّق النائیني یتحفّظ على ظهور المقسم و ظهور الكلام في فعلیة الانقسام و یلتزم بخلاف الظاهر في ناحیة الانقسام فیقول: إنّ الشيء ینقسم إلى كونه محتمل الحلّیة و الحرمة و بعبارة أُخری إنّ معنی قوله: «كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ» هو كلّ شيء فیه احتمال الحلّیة و الحرمة و هذا القید هو لإخراج ما لایتطرّق فیه الحلّیة و الحرمة، فإنّ الالتزام بخلاف الظاهر في ناحیة الأقسام بحمل فعلیتهما على الشأنیة و الاحتمال أهون من الالتزام بأنّ عنوان الحلال و الحرام وصفان لغیر من هو له.
إیرادان من المحقّق الخوئي على الطریق الاول
الإیراد الأوّل [5]
إنّ لفظ «الشيء» موضوع للمفهوم المبهم العامّ لا للموجود الخارجي و لذا یستعمل في المعدومات بل في المستحیلات.
یلاحظ علیه
أوّلاً: أنّ ذلك لایضرّ بنظریة المحقّق النائیني، فإنّ كلّ طبیعة من الطبائع مع قطع النظر من وجوده الخارجي إذا تطرّق فیه احتمال الحلّیة و الحرمة فهو حلال.
ثانیاً: أنّ المحقّق الخوئي هو بنفسه ملتزم بأنّ المراد من «الشيء» هو الموجود الخارجي كما اعترف بذلك في عبارته فقال:[6]
إنّ الشكّ في حلّیة مائع موجود في الخارج ناشئ من انقسام المائع إلى الحلال و الحرام إذ لو كان المائع بجمیع أقسامه حلالاً أو بجمیع أقسامه حراماً لما شككنا في هذا المائع الموجود في الخارج من حیث الحلّیة و الحرمة، فحیث كان المائع منقسماً إلى قسمین: قسم منه حلال كالخلّ و قسم منه حرام كالخمر، فشككنا في حلّیة هذا المائع الموجود في الخارج.
الإیراد الثاني [7]
إنّه على تقدیر التنزّل و تسلیم أنّ المراد منه الموجود الخارجي نلتزم بالاستخدام في الضمیر في قوله: «فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ»، فیكون المراد أنّ كلّ موجود خارجي في نوعه حلال و حرام فهو لك حلال حتّی تعرف الحرام منه بعینه، و القرینة على هذا الاستخدام هو نفس التقسیم، باعتبار أنّ الموجود الخارجي غیر قابل للتقسیم، فلامحالة یكون المراد انقسام نوعه، فتكون الروایة مختصّة بالشبهات الموضوعیة.
یلاحظ علیه
إنّه قد تقدّم أنّ الالتزام بخلاف الظاهر في ناحیة الأقسام بحمل فعلیة الحلّیة و الحرمة على القوّة و الاحتمال أهون من الالتزام بالاستخدام المذكور بأن كان عنوان الحلال و الحرام وصفین لغیر من هو له.