44/03/25
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /المقام الأول؛ المناقشة الثانیة
المناقشة الثانية
لو سلّمنا أنّ المراد هو إسماعيل بن جابر المحسوب من أصحاب الباقر تارة و الصادقأخرى فكيف يعقل أن يكون قد نقل عنه أحمد بن محمد بن عيسى بلا واسطة، فإنّه لاينقل و لم ينقل في الفقه عن أحد من أصحاب الصادقين إلّا مع واسطة أو واسطتين و الفاصل الزمني بين أحمد بن محمد و الإمام الصادقأكثر من مئة عام. فإمّا أن يكون هناك واسطة محذوفة أو أنّ إسماعيل الجعفي ليس هو ابن جابر الذي هو من أصحاب الباقر و الصادق. و ممّا يؤيّد سقوط الواسطة أنّ الرواية منقولة عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى مردفة بروايته الأخرى عن الحلبي عن الصادقو الحلبي من أصحاب الباقر و الصادق الكبار الذي توفي في أيّام الصادق فكيف يعقل أن ينقل عنه أحمد بن محمد بن عيسى بلا واسطة، فالظاهر أنّ هناك واسطة ساقطة.[1]
الجواب عن المناقشة الثانية
نقول: إنّ العلّامة المجلسي نقل هذه الرواية بهذا النحو:
عن كتاب حسين بن سعيد و النوادر فَضَالَةُ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِقَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «وُضِعَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ سِتَّةٌ: الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ وَ مَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لَايَعْلَمُونَ وَ مَا لَايُطِيقُونَ وَ مَا اضْطُرُّوا عَلَيْهِ.» [2]
و بهذا تحلّ المشكلة.
الطريق الرابع
رواه في فقه الرضا: «وَ أَرْوِي أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَسْقَطَ عَنِ الْمُؤْمِنِ مَا لَايَعْلَمُ وَ مَا لَايَتَعَمَّدُ وَ النِّسْيَانَ وَ السَّهْوَ وَ الْغَلَطَ وَ مَا اسْتُكْرِهَ عَلَيْهِ وَ مَا اتَّقَى فِيهِ وَ مَا لَايُطِيقُ.»[3]
و قد اخترنا في مباحثنا الرجالیة اعتبار فقه الرضا فلا نعید.
الطريق الخامس
في الكافي: «الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ النَّهْدِيِّ رَفَعَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَهقَالَ: قَالَ رَسُولُ الله: وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعُ خِصَالٍ: الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانِ وَ مَا لَايَعْلَمُونَ وَ مَا لَايُطِيقُونَ وَ مَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ وَ مَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ الطِّيَرَةُ وَ الْوَسْوَسَةُ فِي التَّفَكُّرِ فِي الْخَلْقِ وَ الْحَسَدُ مَا لَمْيُظْهِرْ بِلِسَانٍ أَوْ يَدٍ».[4]
الإشكال عليه
و الطريق ضعيف بالرفع.
یلاحظ علیه
قد تقدّم في مباحثنا الرجالیة اعتماد بعض الأعلام، مثل المحقّق النائیني و بعض أساتذتنا مثل الشيخ البهجت على ما نقله الشيخ الكلیني، فلا نعید.([5] )
الطريق السادس
ما رواه في تحف العقول: «قَالَ: رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي [تِسْعٌ]: الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ وَ مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لَايَعْلَمُونَ وَ مَا لَايُطِيقُونَ وَ مَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ وَ الْحَسَدُ وَ الطِّيَرَةُ وَ التَّفَكُّرُ فِي الْوَسْوَسَةِ فِي الْخَلْقِ مَا لَمْيَنْطِقْ بِشَفَةٍ وَ لَا لِسَان.»[6]
الطريق السابع
ما رواه في الاختصاص: «قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقُ: رُفِعَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ سِتٌ: الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ وَ مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لَايَعْلَمُونَ وَ مَا لَايُطِيقُونَ وَ مَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ»[7] .
الطريق الثامن
ما رواه في الدعائم: «قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: رَفَعَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَرْبَعاً: مَا لَايَسْتَطِيعُونَ وَ مَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا نَسُوا وَ مَا جَهِلُوا حَتَّى يَعْلَمُوا»[8] .
الأمر الثاني: البحث الدلالي
إنّ الرفع تعلّق بأُمور تسعة منها: «ما لایعلمون»، و مصداق «ما لایعلمون» هو الحكم الإلزامي فينطبق حدیث الرفع مع الشكّ في التكلیف الإلزامي الوجوبي أو التحریمي.
و المراد من الرفع هو رفع الحكم ظاهراً لا واقعاً و إلّا یلزم التصویب. و بعبارة أُخری إنّ الحكم الواقعي الإنشائي بعد تحقّق موضوعه و هو المكلّف قد بلغ إلى درجة الفعلیة و لكن لمیصل إلى المكلّف، فمع الشكّ في التكلیف و عدم العلم به نحتمل تنجّز الحكم الواقعي، و حینئذٍ حدیث الرفع ینطبق عليه و مفاده رفع الحكم الواقعي ظاهراً لا رفع الحكم الواقعي واقعاً.
و معنی رفع الحكم الواقعي ظاهراً هو أنّ الحكم الواقعي باقٍ على الفعلیة واقعاً فلمیُرفع بحقیقته بل الرفع تعلّق به ظاهراً بمعنی أنّه غیر منجّز، فیستفاد منه أنّ الحكم ما لمیصل إلى المكلّف فهو غیر منجّز علیه.
بقاء الأحكام الواقعیة على الفعلیة
و الأدلّة علیه ثلاثة:
الدلیل الأوّل: قاعدة الاشتراك
إنّ الآیات و الروایات دالّة على اشتراك الأحكام الواقعیة بین العالم و الجاهل.
الدلیل الثاني: الروایات الواردة في حسن الاحتیاط
الروایات الواردة في حسن الاحتیاط تدلّ على بقاء الحكم الواقعي على الفعلیة و إلّا لمیبقَ مورد للاحتیاط.
الدلیل الثالث: مناسبة الحكم و الموضوع
إنّ المحقّق الخوئي استدلّ على ذلك مضافاً إلى هذین الدلیلین بالقرینة الداخلیة التي هي مناسبة الحكم و الموضوع؛ فإنّ التعبیر ﺑ«ما لایعلمون» دلیل على أنّ في الواقع حكماً لانعلمه و الجهل بالشيء فرع وجوده، و لو كان المرفوع وجوده الواقعي بمجرد الجهل به لكان الجهل به مساوقاً للعلم بعدمه.[9]
یلاحظ علیه
إنّ الاستدلال بذلك مصادرة للمطلوب، لأنّ القائل بالتصویب یقول: إنّ الرفع في مرتبة الحكم و عدم العلم في مرتبة الموضوع، فإنّ الجهل بالشيء فرع وجوده في مرتبة الجهل. و بعبارة أُخری إنّ الجهل كاشف عن وجود الحكم الواقعي في مرحلة الموضوع و الرفع یتحقّق بعد مرحلة الموضوع -أي في مرحلة المحمول- فعلى هذا وجود الحكم الواقعي في مرحلة موضوع حدیث الرفع لاینافي رفعه الواقعي في مرحلة المحمول.
هنا أمران:
الأمر الأوّل: هل یعمّ حدیث الرفع الشبهات الحكمیة؟
إنّ البحث عن تعمیم حدیث الرفع للشبهات الحكمیة أو اختصاصها بالشبهات الموضوعیة یرتبط بمسألة أُخری، هي أنّه ما المرفوع بحدیث الرفع؟
ما المرفوع بحدیث الرفع؟
هنا احتمالات أربعة لابدّ من أن نبحث حولها:
الأوّل: أن یكون المرفوع أثر الحكم و هو وجوب الاحتیاط و هذا مختار الشيخ الأنصاري.[10]
الثاني: أن یكون المرفوع نفس الحكم لا أثره.
الثالث: أن یكون المرفوع ما هو المجهول الأعمّ من أن یكون حكماً أو موضوعاً.
الرابع: أن یكون المرفوع الموضوع المجهول.