44/03/22
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /المقام الأول؛ الطریق الثاني
الطريق الثاني
رواه الصدوق في الفقيه مرسلاً: «وَ قَالَ النَّبِي: وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعَةُ أَشْيَاءَ: السَّهْوُ وَ الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ وَ مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لَايَعْلَمُونَ وَ مَا لَايُطِيقُونَ وَ الطِّيَرَةُ وَ الْحَسَدُ وَ التَّفَكُّرُ فِي الْوَسْوَسَةِ فِي الْخَلْقِ مَا لَمْيَنْطِقِ الْإِنْسَانُ بِشَفَةٍ.»[1] .
الإشكال عليه
لعلّ نظره إلى السند الذي يذكره في الخصال، و لكن يشكل عليه من جهة الإرسال فهو ضعيف.[2]
یلاحظ علیه
نحن نعتقد بصحّة مرسلات الصدوق في ما رواه بعبارة «قال»، كما علیه بعض أعلام المحققین و منهم بعض الأساطين من أساتذتنا، و كذلك بصحّة ما رواه بلفظ «روي».
الطريق الثالث
ما رواه فِي النوادِرِ أَحْمَدُ بْنِ عِيسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَ عَنْهُ [أي فَضَالَةَ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيِ كما في البحار] عَنْ أَبِي عَبْدِ الله قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: وُضِعَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ سِتٌ: «الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ وَ مَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لَايَعْلَمُونَ وَ مَا لَايُطِيقُونَ وَ مَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ».[3] [4]
الإشكال على السند
يشكل عليه من جهة إسماعيل بن جابر الجعفي المردّد بين ثلاثة:
1- إسماعيل بن جابر الجعفي الذي لم يذكر النجاشي له توثيقاً غير أنّه ذكر له كتاباً و ذكر طريقه إليه صحيحاً ينقل عنه صفوان بن يحيى.
2- إسماعيل بن جابر الذي ذكره الشيخ في الفهرست من دون لقب و قال: إنّ له كتاباً، و لم يوثّقه.
3 – جابر بن إسماعيل الخثعمي الكوفي الذي شهد الشيخ بوثاقته في رجاله.
و حينئذ يقال باحتمال التعدّد، و الرواية لم يقع في سندها عنوان الخثعمي الموثق في رجال الشيخ.
الجواب الاوّل
توثيق الآخرَين على إجمالهما لنقل صفوان عنهما كما ذكر النجاشي في عنوان الجعفي و ذكر الشيخ أيضاً في فهرسته في عنوان إسماعيل بن جابر نقل صفوان عنه و الطريق صحيح فيثبت وثاقتهما حتّى على تقدير تعدّدهما بنقل صفوان بناء على المختار في مشايخ الثلاثة.[5]
الجواب الثاني: عن المحقّق الصدر
و قرر جوابه بتقریرین:
التقریر الأول: اتحاد الثلاثة بمجموع قرائن
محاولة التوحيد بين الثلاثة (یعني وحدة إسماعیل بن جابر الجعفي و الخثعمي و الذي لم يذكر له لقب) بمجموع قرائن، من قبيل:
1- لو فرض التعدّد لزم ما هو بعيد جدّاً من افتراض وجود ثلاثة أشخاص و مع ذلك يقتصر كلّ من الشيخ و النجاشي على ذكر أحدهم خصوصاً.
2- إنّ الفهرست للشيخ مخصّص لذكر أصحاب الكتب و الأصول و قد ذكر الشيخ في الرجال أنّ الخثعمي الثقة له كتب و روايات و له طريق إليه فلو كان هو غير المذكور في الفهرست بعنوان إسماعيل بن جابر كيف يكون قد أغفله.
3 - سكوت الشيخ عن إسماعيل بن جابر الجعفي مع أنّ النجاشي يذكره و يذكر أنّه له كتاباً ينقله عنه بطريق صفوان غريب لولا الاتحاد.
وحدة الوصف و الطريق إلى كتاب إسماعيل بن جابر المذكور في الفهرست و الجعفي المذكور في رجال النجاشي، فكلّ الحلقات في سلسلة السند في الفهرست هي عينها في الرجال.
وقوع إسماعيل الجعفي في سند رواية الأذان[6] المعروفة المعتمد عليها في الفقه و قد اعتمد الشيخ نفسه عليها في كتبه الفقهية و كتب الحديث و قد ذكر النجاشي أنّ إسماعيل بن جابر الجعفي هو إسماعيل الجعفي الراوي لفقرات الأذان.
فهذه كلّها قرائن تؤكد وحدة العناوين و إن كان هناك ظاهرة حينئذ غريبة يلزم من الوحدة و هي أنّ هذا العنوان يكون قد روى عنه أشخاص متفاوتون من حيث الطبقة من أصحاب الصادق إلى أصحاب الجواد. [7]
التقریر الثاني: اتّحاد الإثنين في فهرست الشيخ و رجاله
و الواقع أنّ استبعاد احتمال التعدّد في المقام في محلّه، فإسماعيل بن جابر الخثعمي مع إسماعيل بن جابر الجعفي منطبقان على شخص واحد و ليسا شخصين، لأنّنا لو بنينا على تعدّدهما فلا يخلو الأمر من أحد فرضين:
الأوّل: أن يفترض أنّ مراد الشيخ من إسماعيل بن جابر الخثعمي الذي ذكره في رجاله و إسماعيل بن جابر الذي ذكره في فهرسته واحد، و أنّ إسماعيل بن جابر الجعفي الذي ذكره النجاشي شخص آخر.
و الثاني: أن يفترض أنّ إسماعيل بن جابر الخثعمي الوارد في رجال الشيخ مغاير لإسماعيل بن جابر الوارد في فهرسته، و لإسماعيل بن جابر الجعفي الوارد في فهرست النجاشي، و لكلّ من هذين الفرضين مبعّدات إلى حدّ يحصل الظنّ الاطمئناني بعدمه.
أمّا الفرض الأوّل: و هو اتّحاد إسماعيل بن جابر و إسماعيل بن جابر الخثعمي الواردين في كلام الشيخ مع مغايرته لإسماعيل بن جابر الجعفي الوارد في كلام النجاشي، فيبعّده أمور:
الأوّل: أنّه- بناء على التعدّد يلزم افتراض أنّ النجاشي لم يذكر في المقام إسماعيل بن جابر الخثعمي الذي شهد الطوسي بوثاقته و ممدوحيته، و له أصول، و يروي عنه المشايخ من قبيل صفوان. و عدم ذكر النجاشي لشخص من هذا القبيل مع تمام تتبّعه و اهتمامه بعيد خصوصاً -على ما يقال- من أنّ النجاشي أوسع و أدقّ من الشيخ باعتبار اختصاصه بهذا الفن.
و الثاني: أنّه يلزم- على التعدّد- أنّ الشيخ أهمل في كلا كتابيه الفهرست و الرجال مثل إسماعيل بن جابر الجعفي الذي ذكره النجاشي، و هو كثير الرواية جداً، و كان الشيخ معاصراً للنجاشي، و على علاقة به، فكيف لم يطّلع على إسماعيل بن جابر الجعفي، و قد تعهّد في مقدمة كلّ من كتابيه ببذل قصارى جهده و طاقته في الاستقصاء، خصوصاً أنّ إسماعيل بن جابر الجعفي مذكور في رجال الكشي الذي لخّصه الشيخ الطوسي و ذكر عنه بعض الروايات- و لايوجد في رجال الكشي إسماعيل بن جابر الخثعمي-. و حينما نلاحظ التهذيب و الاستبصار للشيخ الطوسي نرى أنّه يروي فيهما عن إسماعيل الجعفي تارة، و عن إسماعيل بن جابر أخرى، و لايذكر و لا مرّة واحدة عن إسماعيل الخثعمي- في حدود فحصي لهذين الكتابين-، و كيف نحتمل أنّ الشيخ ذكر في كتابيه في الرجال الخثعمي الذي لم يرو عنه و لا مرة واحدة، و لا يذكر الجعفي الذي روى عنه روايات كثيرة؟!
و الثالث: أنّ طريق النجاشي إلى إسماعيل بن جابر الجعفي، و طريق الشيخ إلى إسماعيل بن جابر متّحد في جميع رجاله، فمن البعيد جدّاً تعدّدهما، و اتّحاد الطريقين في جميع رجاله صدفة.
و هنا وقع سقط في كتاب الشيخ المامقاني حيث نقل سند النجاشي إلى إسماعيل بن جابر الجعفي هكذا: أخبرنا أبو الحسين علي بن أحمد قال: حدّثنا محمّد بن الحسن، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى عنه. و نقل سند الشيخ إليه هكذا:
أخبرنا به ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن صفوان عنه. فيتراءى أنّ السندين يختلفان في وجود الصفّار و عدمه، لكن الواقع أن المذكور في رجال النجاشي هكذا: (محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن) و الأول هو ابن الوليد، و الثاني هو الصفار، و في كلام الشيخ حيث لم يذكر بالإسم فلم يقع تكرار في اللّفظ لم تبتلِ عبارة كتاب الشيخ المامقاني بالسقط، و لكن ابتلت بالسقط عند نقل كلام النجاشي.
و أمّا الفرض الثاني: و هو فرض كون الخثعمي غير الجعفي و غير إسماعيل بن جابر الذي جاء في كلام الشيخ مطلقاً- أي من دون توصيف- فهذا أيضاً يبعّده أمور:
الأوّل: نفس المبعّد الأوّل في الفرض الأوّل.
و الثاني: أنّ الشيخ لماذا لم يذكر الخثعمي في فهرسته مع كونه صاحب أصل مع اطلاعه عليه، و تعهّده في مقدّمة الكتاب بالاستيعاب بقدر الإمكان.
و الثالث: وحدة الراوي المباشر عن جابر بعناوينه الثلاثة المذكورة في كتاب النجاشي و كتابي الشيخ، و هو صفوان.
و قد نقل الشيخ المامقاني في رجاله عن جملة من المدقّقين أيضاً الجزم بالوحدة.[8]
المناقشة الأولى على الجواب الثاني
إنّ الوارد في سند حديث الرفع إسماعيل الجعفي لا إسماعيل بن جابر الجعفي و حينئذ يحتمل أن يكون المراد به إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي الذي لم يوثّق و هو من حيث الطبقة مناسب أيضاً و كون إسماعيل الجعفي في رواية الأذان قد شهد النجاشي بأنّه إسماعيل بن جابر لايعني أنّه دائماً عند ما يرد عنوان إسماعيل الجعفي يراد به ابن جابر. و إسماعيل بن عبد الرحمن و إن نقل عنه الصدوق في مشيخته بواسطة صفوان إلا أنّ الطريق إلى صفوان فيه محمد بن سنان الذي لم يثبت توثيقه.[9]
نلاحظ على المناقشة الأولى
أولاً: ما قلنا في مباحثنا الرجالیة من وثاقة محمد بن سنان، كما علیه السید الأستاذ الشبیري الزنجاني.
ثانیاً: الإنصاف انصراف عنوان إسماعيل الجعفي إلى ابن جابر لكثرة روايات ابن جابر و ندرة روايات ابن عبد الرحمن و لهذا شهد بذلك النجاشي في ترجمته على أنّ كلام النجاشي في ترجمة إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي لايخلو من دلالة على وثاقة الرجل، فإنّه ذكر أنّه كان وجهاً من أصحابنا.([10] )