44/03/18
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /المقام الأول؛ الدلیل الثاني: آیة لایکلف الله
الدلیل الثاني: آية لا یكلف الله
و هي قوله تعالى: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها﴾.[1]
إنّ الموصول في قوله تعالى: ﴿ما آتاها﴾ إمّا بمعنی المال و إمّا بمعنی الفعل و إمّا بمعنی الحكم و إمّا أعمّ منها.
أمّا الموصول إذا كان بمعنی المال فالمعنی هو: لایكلّف الله نفساً بمال إلّا بما ملّكه.
أمّا الموصول إذا كان بمعنی الفعل فالمعنی هو: لایكلّف الله نفساً بفعل إلّا بما أقدرها علیه.
أمّا الموصول إذا كان بمعنی الحكم فالمعنی هو: لایكلّف الله نفساً إلّا تكلیفاً واصلاً إلى المكلّف.
و حیث إنّ الموصول لمیقید بشيء من الاحتمالات الثلاثة نلتزم بتعمیمه بحیث یشمل الجمیع.
المناقشة في هذا الاستدلال
إنّ الموصول إن أُرید منه معنی المال أو الفعل فهو مفعول به لفعل ﴿لا يُكَلِّفُ﴾ و إن أُرید منه التكلیف و الحكم فهو مفعول مطلق لقوله: ﴿لا يُكَلِّفُ﴾ و لایمكن الجمع بینهما في كلام واحد للزوم استعمال لفظ واحد في أكثر من معنی واحد.
أجوبة ثلاثة عن هذه المناقشة
الجواب الأول: من المحقّق العراقي [2]
إنّ الهیأة استعملت في المعنی الجامع بین النسبتین.
و فیه: أنّ هذا خلاف مبنی التحقیق من أنّ تباین النسب و المعاني الحرفیة ذاتي([3] ) و عدم وجود الجامع الماهوي بینها.
الجواب الثاني
إنّ استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنی واحد جائز على المبنی المختار كما ارتضاه بعض المحقّقین مثل صاحب وقایة الأذهان و صاحب تهذیب الأُصول.([4] )
الجواب الثالث: من السید المحقّق الصدر [5]
إنّ هذه المشكلة نشأت من وهم لغوي وقع فیه علم الأُصول حیث اعتاد على أن یعبّر عن الحكم بالتكلیف و قد ورد في الآیة: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ﴾ [6] فتوهّم أنّه لایمكن أن یشمله إلّا كمفعول مطلق مع أنّ مادّة الكلفة في الآیة مباینة مع الحكم و الجعل مفهوماً فیصحّ وقوعه مفعولاً به لفعل ﴿لا يُكَلِّفُ﴾ على حدّ المال و الفعل.
و المتحصّل أنّ الاستدلال بالآیة تامّ و لا نقاش فیه.
الدلیل الثالث: حدیث الرفع
و نحن نبحث عن هذا الحديث الشريف من ضمن أمرين:
الأمر الأوّل: البحث السندي
إنّ لحديث الرفع طرقاً كثيرة في كتب الفريقين و لكن المهمّ منها و هي التي فيها فقرة «مَا لَايَعْلَمُون» و نحوها من كتب الخاصّة و هي ثمانية. قد اعتمدنا علی خمسة منها سنداً و أردفناها طرقاً ثلاثة غیر موثوقة الصدور تأييداً لها:
الطريق الأوّل
رواه في الخصال: الصَّدُوقُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَطَّارِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حَمَّادٍ عِيسَى عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (السِّجِسْتَانِيِ) عَنْ أَبِي عَبْدِ الله، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعَةٌ: الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ وَ مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَ مَا لَايَعْلَمُونَ وَ مَا لَايُطِيقُونَ([7] ) وَ مَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ وَ الْحَسَدُ وَ الطِّيَرَةُ وَ التَّفَكُّرُ فِي الْوَسْوَسَةِ فِي الْخَلْقِ مَا لَمْيَنْطِقْ بِشَفَةٍ.»[8] [9] .
الإشكال السندي
قال صاحب المدارك: «... و هي ضعيفة السند بأحمد بن محمد بن يحيى فإنّه مجهول».[10]
و قال المحقّق الخوئي في رجاله: «فالمتحصّل مما ذكرناه أنّ الرجل مجهول كما صرّح به جمع منهم صاحب المدارك». [11]
الإيراد عليه
عدم توثيق أحمد بن محمد بن يحيى العطّار يوجب أن يكون الراوي مهملاً لا مجهولاً.([12] )