46/06/19
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة79؛ النظریة الثانیة
أما استدلالهم علی جواز الرجوع عند تلف العین و علم المستحقّ بالحال:
قال السید عبد الأعلی السبزواري: [بالنسبة إلی ضمان المستحق في فرض تلف العین و علمه بالحال]: لقاعدة اليد بعد عدم تحقق الغرور مع العلم بالحال كما هو واضح، و تشهد للضمان أصالة احترام مال الغير.
أما في فرض تلف العین و عدم علم المستحقّ بالحال فاختار عدم الضمان و قال: و أما عدم الرجوع مع التلف، فلأصالة البراءة عن الضمان مع تحقق الغرور. [1]
و قال المحقق اللنكراني: فلعلمه بكونه مراعى [بمعنی أنّ تعلّق الخمس بالعین مراعی و معلّق علی صورة عدم وجود المؤونة فتعلّق الخمس بنحو الشرط المتأخر، و من الممكن عدم الوجوب عليه، فهو بمنزلة الأمانة، فعند الإتلاف ينطبق عليه إتلاف مال الغير، فاللازم الضمان، نظير ما إذا أتلف مالاً مردّداً بين كونه مال نفسه أو مال غيره، و بعد الإتلاف انكشف كونه مال الغير، فإنّه لا مجال لتوهّم عدم ثبوت الضمان في مثله، بل لو تخيّل و اعتقد كونه مال نفسه ثمّ أتلفه و انكشف كونه مال غيره يثبت الضمان هنا؛ لعدم مدخليّة العلم في ذلك كما قد حقّق في محلّه.[2]
ملاحظتنا علیه:
أولاً: ما أعطاه من الخمس إلی المستحقّ لیس ملكاً للمكلّف بناءً علی ما سلكناه من القول بالإشاعة و تعلّق الخمس من حین ظهور الربح فلا یعدّ أمانةً في ید المستحقّ بل هو ملك لأرباب الخمس من حین ظهور الربح.
ثانیاً: إنّ المكلّف إذا أدّی الخمس أثناء السنة و تلفت العین عند المستحقّ فلا یجوز له الرجوع إلیه، لأنّه أسقط حقّه باختیاره فيما أرفق إلیه الشارع من جواز صرف الربح قبل التخمیس في المؤونة إلی قبل وصول السنة الخمسیة.
النظریة الثالثة: جواز الرجوع مع صرف مال في المؤن المتجدّدة و إلّا فلا.
إنّ هذه النظریة مبتنیةٌ علی أنّ تعلّق الخمس بالربح متوقف علی عدم صرفه في المؤونة بنحو الشرط المتأخر، فلابدّ حینئذٍ من التفصیل في المقام، كما نقله المحقق الخوئي و سیأتي عبارته.
أما إذا قلنا بأنّ تعلّق الخمس عند ظهور الربح مطلقٌ، و لا یتوقف علی عدم صرفه في المؤونة بنحو الشرط المتأخّر، فلابدّ من القول بعدم جواز الرجوع إلی المستحق.
توضیح ذلك:
إنّ من يقول بأنّ تعلّق الخمس بالربح من حين ظهور الربح لكن بالشرط المتأخّر لابدّ أن يفصّل بين المؤن المتجدّدة التي يصرف لتحصيلها من رأس ماله أو سائر أمواله التي لم يتعلّق بها الخمس كالأرث و نحوه و بين المؤن التي لا يصرف لتحصيلها شيء.
ففي الأوّل أنّ الصرف يكشف عن عدم تعلّق الخمس بالربح من الأوّل، فله الرجوع إلی المستحقّ مع البقاء أو التلف مع علم الآخذ بالحال و لا يرجع مع التلف و جهل الآخذ،
و في الثاني (أي عدم الصرف ) فیجوز له الرجوع إلیه أثناء السنة و لایجوز له الرجوع إلیه بعد انتهاء السنة و لأنّه مع عدم صرفه يتعلّق به الخمس.
قال المحقق الخوئي في تعلیقته علی العروة: لا مقتضى للكشف المزبور بعد ما فرض أنّ الخمس يتعلّق بالربح من الأوّل، غاية الأمر أنّه لا يجب أداؤه أثناء السنة، ويجوز له التأخير، ولكنّه إذا لم يؤخّره وأدّاه إلى مستحقّه باختياره فقد ملكه المستحقّ، ولا يجوز حينئذٍ استرداده حتّىٰ مع بقاء العين فضلاً عن تلفها.
وعلى تقدير التنزّل والقول بأنّ تعلّق الخمس يتوقّف على عدم الصرف في المؤونة فلابدّ من التفصيل: بين ما إذا صرف شيئاً من ماله أثناء سنته في المؤونة المتجدّدة وما إذا لم يصرفه، فيصحّ ما ذكره في الأوّل دون الثاني؛ فإنّ العبرة في عدم وجوب الخمس، إنّما هو بصرف الربح في المؤونة، لا بوجود المؤونة من دون صرف، والمفروض في المقام أنّه لم يصرف في المؤونة، فكيف يكشف عن عدم تعلّق الخمس به؟!.[3]
قال المحقق الخوئي في الشرح بعد تصحيح النظرية الأولى: لو تنازلنا عن ذلك [أي أنّ تعلّق الخمس من الأوّل على سبيل الإطلاق و إن جاز التأخير من باب الإرفاق] و بنينا على أنّ التعلّق و إن كان من الأوّل و لكنّه مشروط بعدم الصرف في المؤونة بنحو الشرط المتأخّر بحيث يكشف الصرف اللّاحق عن عدم التعلّق من الأوّل و يكون من صرف ملكه في مئونته لا من صرف الخمس بإجازة الولي، فلا محيص حينئذٍ من التفصيل.
و ملخّصه: أنّ المؤونة المتجدّدة بعد إخراج الخمس خلال السنة قد لا يصرف في سبيلها أيّ شيء، إمّا لعدم المال أو لأمرٍ آخر، كما لو احتاج إلى الزواج أو العلاج و لكنّه لم يتصدّ لذلك إلى نهاية السنة، و الصحيح حينئذٍ ما ذكره الشيخ و صاحب الجواهر من عدم جواز الاسترجاع حتى مع بقاء العين.و وجهه ظاهر. ضرورة أنّ وجوب الخمس كان مشروطاً بعدم الصرف في المئونة لا بعدم الحاجة، و المفروض تحقّق الشرط، لفرض عدم الصرف الخارجي الذي هو المُعدِم للموضوع ليس إلّا، و لأجله ذكرنا أنّه لو قتّر على نفسه فلم يصرف وجب عليه الخم
و بالجملة: عدم الصرف يكشف عن فعليّة الوجوب و قد أدّى الخمس إلى أربابه فليس له استرداده بوجه.
و أُخرى يصرف إمّا من رأس المال أو من مال آخر و لو كان ديناً.
و الظاهر أنّ هذا يكشف عن عدم تعلّق الخمس من الأوّل، إذ هو بعد المئونة، و من المعلوم أنّ المئونة المستثناة ليست خصوص المصروف من شخص الربح، لعدم تحقّقه إلّا نادراً، و الغالب المتعارف في التجار و غيرهم هو الصرف من مال آخر معادل له بدلاً عنه ممّا خمّسه أو ورثه و نحو ذلك.
و عليه، فلو صرف بمقدار الخمس أو أكثر كشف عن عدم ربح فاضل على المئونة، فلا موضوع للخمس، فله استرداد العين مع بقائها، كما أنّ الآخذ يضمن مع علمه بالحال دون الجهل كما هو ظاهر.[4]
ملاحظتنا علیه:
إنّ هذه النظریة مبتنیةٌ علی القول بأنّ الخمس یتعلّق بنحو الشرط المتأخّر و قد بحثنا عن ذلك و أجبنا عنه في مسألة 72 فلا نعید.
النظرية الرابعة: نفس النظریة الثانیة مع تقیید الضمان بعدم الغرور
قال بها المحقق الحكیم و المحقق زین الدین و المحقق المرعشي النجفي.
إنّ القائلین بهذه النظریة یعتقدون بالنظریة الثانیة مع إضافة تقیید و هو أنّه قد قیّدوا ضمان المستحقّ مع تلف المال و علمه بالحال، بعدم الغرور.
قال السید المحقق الحكیم: [فله الرجوع به على المستحق مع بقاء عينه لا مع تلفها في يده إلا إذا كان عالما بالحال فإن الظاهر ضمانه حينئذ] إذا لم یكن مغروراً من قبل المالك.
و قال المحقق زین الدین بمثله.
و قال المحقق المرعشي النجفي: لو لم يكن تغرير من المالك بالنسبة إليه.[5] [6]
أما المراد من الغرور:
قال المحقق السید محمد سعید الحكیم في تفسیر ذلك: إن كان مراده العلم بأن المدفوع له خمس، وأن الخمس لا يجب مع تجدّد المؤونة، وأن المؤونة تتجدّد، فهو في غير محله، لعلم الآخذ حينئذٍ بعدم استحقاقه لما أخذ، فيكون ضامناً له بضمان اليد أو الإتلاف، نظير المقبوض بالعقد الفاسد مع عدم التغرير من قبل المالك.[7]
ملاحظتنا علیه:
قد تقدّم النقاش في النظریة الثانیة من جهة عدم جواز الرجوع بعد إیصال الخمس إلی المستحقّ بناءً علی ما سلكناه من تعلّق الخمس بالعین بنحو الملكیة و أنّ المالك قد أسقط حقّه بإعطاء الخمس للمستحقّ.