بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/06/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة78؛ المطلب الثاني: حكم الربح الحاصل بعد المصالحة مع الحاكم

 

المطلب الثاني: حكم الربح الحاصل بعد المصالحة مع الحاكم

إذا تصرف المكلّف في المال غیر المخمّس و اتجر به بعد نقل الخمس إلى الذمة بإذن الحاكم و ربح فهل تكون لأرباب الخمس حصة من الربح أم لا؟

لا خلاف ظاهراً في أنّه بعد المصالحة و إجازة الحاكم في التصرف، لا تكون حصة لأرباب الخمس في هذه الأرباح و أنّ الأرباح كلّها للمالك لاتّجاره بالعين بعد نقل الخمس إلى ذمته بمصالحته مع الحاكم.

قال صاحب الجواهر: لو نقله الى ذمّته بصلح مثلاً مع الحاكم جاز له التصرّف فيه حينئذٍ و لا حصّة له من الرّبح.[1]

و صرّح بذلك المحقق البروجردي[2] و بعض الأكابر[3] و المحقق لخوئي[4] و المحقق التبریزي[5] الأستاذ المحقق البهجت[6] و بعض الأساطین[7] و السید السیستاني[8] و السید الشبیري[9] و غیرهم.

الدليل على عدم استحقاق أرباب الخمس من الربح

و قال السید عبد الأعلی السبزواري في وجهه: لا حصة للخمس من الربح لفرض انتقاله إلى الذمة و عدم وقوعه مورد المعاملة و قد قلنا أنه لا يكون الربح لأرباب الخمس مطلقاً إلا مع الشركة الحقيقية و الإشاعة الخارجية لا على سائر المباني سواء نقل الخمس إلى الذمة أو لا.[10]

و قال صاحب مباني المنهاج: و أمّا عدم حصة الربح لأرباب الخمس فلأنّ المفروض أنّ اشتراكهم زال بالصلح فلا مقتضي لاحتساب حصّته لأربابه.[11]

تنبيه: فرض تجدد مُؤَن في أثناء الحول

إنّ صاحب العروة قال في ذیل هذه المسألة بعد الحكم بالمصالحة مع الحاكم: و لو فرض تجدد مؤن له في أثناء الحول على وجه لا يقوم بها الربح انكشف فساد الصلح.

و هذا الكلام منه وقع مورد اعتراض الأعلام و إیرادهم.

الإیراد علیه:

إنّ الأعلام من المحشّین و المعلّقین علی العروة اعترضوا علی صاحب العروة، بأنّ هنا صورتین:

الصورة الأولی: التصرّف أثناء السنة، كما عبارته حول «تجدّد مُؤنٍ» یناسب البحث في التصرف أثناء السنة. فهنا لا معنی للمصالحة و لذلك قال الأعلام بعدم صحة المصالحة قبل تمام الحول

قال المحقق النائیني و السید جمال الدین الگلبایگاني: مشروعيّة هذا الصلح من أصله قبل تمام الحول في غاية الإشكال.[12] [13]

و مثله المحقق البروجردي[14] و السید الشاهرودي[15] و بعض الأكابر[16] و المحقق زین الدین[17] و السید اللنكراني[18] و صاحب فقه الصادق[19] .

الصورة الثانیة: بعد انتهاء السنة و لابد من المصالحة مع الحاكم و انتقال الخمس إلی الذمّة و المصالحة تناسب البحث في التصرّف بعد انتهاء السنة. و هنا لا معنی لتجدد المؤن.

قال المحقق الخوئي: لم يتّضح المراد من هذا الكلام و نظنّ‌ أنّه سهو من قلمه الشريف، لأنّ‌ محلّ‌ البحث إن كان هو التصرّف أثناء الحول [أي الصورة الأولی] فقد مرّ أنّه لا مانع منه من غير حاجة إلى النقل إلى الذمّة، إذ لا خمس إلّا بعد المؤونة و له التأخير إلى نهاية السنة و التصرّف كيفما شاء من غير توقّف على المصالحة مع الحاكم الشرعي، و قد صرّح في المسألة السابقة بالجواز في هذا الفرض.

و إن كان بعد تمام الحول و استقرار الخمس [أي الصورة الثانیة] فالمنع عن التصرّف و إن كان في محلّه حينئذٍ لتحقّق الشركة فلا يجوز إلّا مع المصالحة المزبورة في فرض وجود المصلحة كما عرفت، إلّا أنّه لا معنى حينئذٍ لما ذكره من فرض تجدّد مؤن أثناء الحول، إذ المفروض انقضاء الحول و انتهاؤه، فأيّ‌ معنى بعد ذلك للتجدّد في الأثناء؟! و أمّا حمل العبارة على الكشف و مقام الإثبات بأن يتّضح له بعد الحول وجود مؤن أثناء الحول لم يكن يعلم بها فهو خلاف ظاهرها جدّاً، فإنّها صريحة في تجدّد المئونة لا الكشف عن مئونة سابقة على المصالحة كما لا يخفى.[20]

و قال بمثل ذلك في التعلیقة علی العروة.[21]

قال المحقق زین الدین: فرض تجدّد المُؤَن في الحول قرينة علىٰ‌ أنّ‌ المصالحة وقعت في أثناء الحول أيضاً، وقد مرّ في المسألة السابقة أنّه لا مانع في هذه الصورة من التصرّف في الربح و الاتّجار به، وأنّ‌ الربح كلّه للمالك و عليه فلا وجه للمصالحة.[22]

و به قال بعض آخر مثل المحقق البجنوردي[23] و السید عبدالله الشیرازي[24] و السید الفاني[25] و السید المرعشي[26] و السید عبد الأعلی السبزواري[27] و السید حسن القمي[28] و الشیخ اللنكراني[29] و الشیخ السبحاني[30] .

الجواب الأول: حمل تجدّد المؤن علی الانكشاف

قال السید عبدالأعلی السبزواري: المراد بتجدد المؤن في المقام، العلم بها بعد وقوع الصلح و انكشاف انها كانت و لم يعلم بها المالك حين الصلح و حينئذ يبطل، لعدم المعوَّض له [أي لعدم وجود المعوّض للصلح].[31]

المناقشة فيه:

قال المحقق الخوئي: و أمّا حمل العبارة على الكشف و مقام الإثبات بأن يتّضح له بعد الحول وجود مؤن أثناء الحول لم يكن يعلم بها فهو خلاف ظاهرها جدّاً، فإنّها صريحة في تجدّد المئونة لا الكشف عن مئونة سابقة على المصالحة كما لا يخفى.[32]

الجواب الثاني: لزوم المصالحة أثناء السنة إذا علم زیادة الربح علی المؤن

إنّه قد تلزم المصالحة مع الحاكم أثناء السنة و هو في فرض العلم بزیادة الربح علی المؤونة فیجب أداء الخمس عند بعض الأعلام فوراً قبل انتهاء السنة إلا إذا صالح مع الحاكم.

قال صاحب مباني المنهاج: يختلج بالبال أن يقال: إنّ‌ المكلف إذا علم أثناء السنة تعلق الخمس بالعين و عدم صرف المقدار الكذائي في المؤونة و صالح مع الحاكم ثمّ‌ تجدد له شيء من المؤن، ينكشف فساد الصلح إذ ينكشف عنده أنّ‌ قطعه بعدم المؤونة كان جهلاً مركباً، و بهذا النحو يمكن تصحيح ما أفاده فلاحظ.[33]

یلاحظ علیه:

الظاهر عدم اختصاص البحث بما إذا علمنا بزیادة الربح فالحمل علی هذه الصورة خلاف الظاهر.

الجواب الثالث: ارتباط كلامه بأثناء السنة

قال السید محمود الهاشمي الشاهرودي: و الظاهر أنّ الماتن ينظر إلى المسألة السابقة و إلى كلام صاحب الجواهر فيها، و أنّه لو أراد المكلف تخليص الأرباح لنفسه حتى في أثناء الحول و لو من باب الاحتياط على أساس فتوى صاحب الجواهر أمكنه نقل الخمس من العين إلى الذمة بمراجعة الحاكم الشرعي، و هذا لا ينافي ما تقدم منه في المسألة السابقة من جواز التصرف في أثناء الحول و أن الأرباح تكون له.[34]

یلاحظ علیه:

إنّ ما أفاده هنا بناءً علی مسلك صاحب الجواهر ینافي المسألة السابقة، حیث إنّ صاحب العروة لا یلتزم بمسلك صاحب الجواهر فلا معنی لحمل كلامه علی هذا المسلك.

 


[1] نجاة العباد، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج1، ص88.
[2] موسوعة الإمام الخميني 30 (رساله توضيح المسائل آية الله العظمى بروجردى با حواشى امام خمينى( س) )، بروجردى، حسين، ج1، ص360.
[3] توضيح المسائل، خمینی، روح الله، ج1، ص237.
[4] توضيح المسائل (فارسي)، خوئی، سيد ابوالقاسم، ج1، ص229.
[5] رساله توضيح المسائل، التبريزي، الميرزا جواد، ج1، ص282.
[6] توضيح المسائل، بهجت، محمد تقي، ج1، ص276.
[7] توضيح المسائل، وحيد خراسانى، حسين، ج1، ص524.
[8] توضيح المسائل، السيستاني، السيد علي، ج1، ص369.
[9] توضیح المسائل (السید الشبیري.)، ص370، م1801
[10] مهذب الاحکام فی بیان حلال و الحرام، السبزواري، السيد عبد الأعلى، ج11، ص462.
[11] غایة القصوی، ص234.
[12] العروة الوثقی و التعلیقات علیها، ج12، ص177.
[13] العروة الوثقى - جماعة المدرسین، الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، ج4، ص301.
[14] . العروة الوثقى - جماعة المدرسین، الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، ج4، ص301.
[15] قال: صحّة المصالحة هذه قبل تمام الحول محلّ‌ إشكال مطلقاً. (العروة الوثقی و التعلیقات علیها، ج12، ص177).
[16] .العروة الوثقى - جماعة المدرسین، الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، ج4، ص300.
[17] قال: و عليه فلا وجه للمصالحة، بل في مشروعيّتها قبل الحول إشكال وإن لم تتجدّد له مُؤَن. (العروة الوثقی و التعلیقات علیها، ج12، ص177).
[18] قال: لا يحتاج جواز التصرّف قبله إلىٰ‌ نقل الخمس إلىٰ‌ الذمّة، ولا المصالحة مع الحاكم، مضافاً إلىٰ‌ أنّ‌ صحّة المصالحة قبله لا وجه لها. (العروة الوثقی و التعلیقات علیها، ج12، ص175).
[19] قال: لم تثبت مشروعيّة هذه المصالحة مطلقاً؛ لعدم ثبوت ولايةٍ‌ للحاكم علىٰ‌ أرباب الخمس في هذه التصرّفات. (العروة الوثقی و التعلیقات علیها، ج12، ص177).
[20] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج25، ص297.
[21] .العروة الوثقى - جماعة المدرسین، الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، ج4، ص300.
[22] . العروة الوثقی و التعلیقات علیها، ج12، ص177.
[23] إذا كان قبل حلول الحول، كما هو ظاهر هذا الفرع، فيجوز التصرّف من دون حاجة إلىٰ‌ المصالحة مع الحاكم، وإن كان بعد حلول الحول فلا معنىٰ‌ لانكشاف فساد الصلح وتجدّد مُؤَن له في أثناء الحول علىٰ‌ وجهٍ‌ لا يقوم الربح بها. (العروة الوثقی و التعلیقات علیها، ج12، ص176).
[24] موضوع المسألة غير واضح؛ لأنّه لو كان قبل تمام الحول لا حاجة إلىٰ‌ المصالحة، وإن كان بعده لا مانع منه علىٰ‌ مبناه، لكن لا يلائم مع قوله: «لو فرض التجدّد...» إلىٰ‌ آخره، مع أنّ‌ صحّة التصرّف في أثناء الحول لا إشكال فيه. (العروة الوثقی و التعلیقات علیها، ج12، ص176).
[25] لا حاجة إلىٰ‌ المصالحة مع الحاكم، بل لا معنىٰ‌ لها في أثناء السنة، وأمّا بعدها فتدور مدار نظر الحاكم. (العروة الوثقی و التعلیقات علیها، ج12، ص176).
[26] لو كان محلّ‌ الكلام في الحول، كما يفصح عنه قوله: «في أثناء...» إلىٰ‌ آخره فلا مورد لِما أفاده في صدر العبارة من عدم جواز النقل إلىٰ‌ الذمّة، ولا حاجة إلىٰ‌ الصلح كما مرّ في الحاشية السابقة؛ فإنّ‌ جواز انحاء التصرّفات في الحول من الواضحات المسلّمات حتّىٰ‌ عنده.، كما صرّح بذلك سابقاً، وإن كان الكلام بعد الحول فلا وجه لقوله: «ولو فرض...» إلىٰ‌ آخره. (العروة الوثقی و التعلیقات علیها، ج12، ص178)
[27] قال: يعني لو علم بوجود مُؤَن لم يعلم بها في أثناء الحول و لو كان المراد بتجدّد المُؤَن حدوثها لكان بين هذه المسألة وسابقتها تهافت كما لا يخفى. (العروة الوثقی و التعلیقات علیها، ج12، ص175).
[28] بعد تمام الحول، أمّا قبله فيجوز بلا نقل إلى الذمّة و لا مصالحة مع الحاكم، وما ذكره لا يخلو من تشويش. (العروة الوثقی و التعلیقات علیها، ج12، ص175).
[29] ظاهر العبارة باعتبار فرض تجدّد مُؤَن له في الأثناء كون مفروض المسألة قبل تمام الحول، مع أنّه لا يحتاج جواز التصرّف قبله إلىٰ‌ نقل الخمس إلىٰ‌ الذمّة، ولا المصالحة مع الحاكم، مضافاً إلىٰ‌ أنّ‌ صحّة المصالحة قبله لا وجه لها، وإن كان المراد هو بعد مضيّ‌ الحول، فعدم جواز النقل وصحّة المصالحة وإن كان ظاهراً إلّا أنّه لا يلائم فرض تجدّد المُؤَن في الأثناء. (العروة الوثقی و التعلیقات علیها، ج12، ص175).
[30] قال و بما أنّ‌ مورد المسألة هو التصرّف بعد تمام السنة يظهر عدم صلة ذيل المسألة بموضوعها، أعني قوله: «و لو فرض تجدّد مؤن له في أثناء الحول على وجه لا يقوم بها الربح انكشف فساد الصلح» و ذلك لأنّ‌ البحث في الصلح بعد السنة و بعد الفراغ عن المؤنة، و عندئذ فلا معنى لتجدّد المؤن. و إن كان البحث عن التصالح في أثناء السنة فهو أمر غير محتاج إليه، لجواز التأخير إلى آخر السنة، و جواز التصرّف في الأصل و الربح، و عدم تعلّق الخمس على خمس الربح، إلى غير ذلك من الأحكام التي قدّمها في الفرع السابق. الخمس في الشريعة الإسلامية الغرّاء، السبحاني، الشيخ جعفر، ج1، ص375.
[31] مهذب الاحکام فی بیان حلال و الحرام، السبزواري، السيد عبد الأعلى، ج11، ص462.
[32] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج25، ص298.
[33] الغایة القصوی، ص234.
[34] كتاب الخمس، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج2، ص348.