بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/05/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة77؛ فروع في المسائل الفقهیة التطبیقیة

 

دليل النظریة الأولی: تلف متعلّق الخمس في التولّد و بقاؤه في النموّ

قال المحقق الفياض: التحوّل إذا كان من قبيل التولّد وجب خمس الأول، على أساس أن ما هو موجودٌ فعلاً لم يكن متعلّقاً للخمس، و ما كان متعلقاً للخمس - و هو الموجود الأول - قد تلف، فضمن خمسَه، و إذا كان من قبيل النمو وجب خمس الثاني؛ باعتبار أن متعلق الخمس باقٍ بعينه و الاختلاف إنما هو في الصفات.[1]

الإیراد الأول: التولّد أعمّ من التلف

إنّ الاستدلال و إن كان صحیحاً إلا أنّه لا یشمل جمیع مصادیق التولّد، لأنّ موارد التولّد أعمّ من مورد التلف، فإنّ التولد إما یكون بالتلف كما في موارد التحول من الحب إلی الزرع و من البیض إلی الدجاج، و إما لا یكون بالتلف كما في استیلاد الغنم بغنم آخر.

الإیراد الثاني: عدم كون التحوّل مصداقاً للتلف

قال صاحب الجواهر: بخلاف مفروض البحث الباقي على أصالة الملكية التي لا دليل على الخروج عنها بلباس الصور المتعددة التي من المعلوم عدم صيرورة الشيء بها تالفاً، إذ التلف العدم، لا تغيير الصورة التي لا وجه لملك الغاصب بها، مع أنها ليست من فعله، إذ لم يصدر منه إلا الإحضان و وضع البذر في الأرض و نحو ذلك من فعل المعدّات لصيرورة الحب زرعاً مما هي غير صالحة لنقل الملك عن مالكه، ضرورة كون ذلك من النماء التابع للملك و إن اختلف مع نماء النخلة مثلا بالحصول مع بقاء الأصل، بخلافه فإن الأجزاء الأصلية باقية معه.[2]

قال السيد محمد سعيد الحكيم: [أما القسم الأوّل و هو أن يكون التحوّل من قبيل التولّد] فيكون [ما تحوّل إليه كالدجاج في المثال] من أرباح السنة الثانية، ويجب إخراج خمسه بعد استثناء ما أنفقه عليه، و منه الأمر المتحوَّل منه، واستثناء مؤونة السنة.

وهذا ظاهر بناءً على مختاره [أي المحقق الحكيم] من تعلّق الخمس بالعين تعلق الحق بموضوعه، لأنّ الخمس المستحق في الأصل لما كان هو خمسه مع كون تمام أجزاء الأصل للمالك، فلا وجه لتحوله إلى خمس ما تحول إليه[لأنّ المتحوَّل إلیه و هو الدجاج لا خمس فیه علی النظریة الأولی]، بل مقتضى تبعية المتحول للأصل كونه بتمام أجزائه للمالك مع ثبوت خمس الأصل، إما في ذمة المالك - لضمانه له بضمان اليد بعد تلف موضوعه عرفاً، أو بضمان الإتلاف لو كان التحول بفعله – وإما في المتحوَّل إليه كما لعله الأظهر، لقيامه مقام الأصل في تعلق الحق، إذ ليس التحول كالتلف عرفاً، كما هو المناسب لما في الشرايع من بقاء حق الرهن في النماء في نظير الفرضين، و في الجواهر نفي الإشكال في ذلك، بل والخلاف فيه.

لكن لا على أن تفرغ منه ذمة المالك، بل يبقى ضامناً له بضمان اليد السابق، و إن كان الحق متعلقاً بعين الأمر المتحوَّل إليه. نظير ما إذا بقيت العين بحالها، فإن الخمس وإن بقي متعلقاً بها إلا أن المالك أيضاً تنشغل ذمته به بضمان اليد. وعلى ذلك لو لم يف المتحوَّل إليه بأداء الحق يتعين قيام المالك بذلك.[3]

ملاحظتنا علی الإیراد الثاني:

أولاً: إنّ الحَبّ و هكذا البیض عند التحوّل في مرحلة التطوّر صار فاسداً فیصدق علیه التلف قبل تحوّله كاملاً إلی الزرع أو الدجاج، فما أفاده صاحب الجواهر من أنّ التلف هو العدم، لا تغيير الصورة، لا یمكن المساعدة علیه، لأنّ التلف یصدق علی فساد الشيء.

ثانیاً: ما أفاده صاحب الجواهر من «أنّ التلف ليس من فعل الغاصب، إذ لم يصدر منه إلا الإحضان و وضع البذر في الأرض و نحو ذلك من فعل المعدّات لصيرورة الحب زرعاً مما هي غير صالحة لنقل الملك عن مالكه»، مخدوشٌ لأنّه بعد التدقیق و التحلیل حول فعل الغاصب نجد له ثلاث مراحل:

المرحلة الأولی هي أخذ البذر و البیض و هذا یعدّ غصباً لهما.

المرحلة الثانیة هي وضع البذر في الأرض و هذا فعل المتصرّف الغاصب و بعض الفقهاء یعدّون ذلك إتلافاً للبذر علی الأحوط[4] ، ثمّ بعد مدةٍ یصیر البذر فاسداً و حینئذٍ یصدق التلف و هكذا بعد إحضان البیض في ما إذا صار البیض فاسداً، یصیر تالفاً.

المرحلة الثالثة هي ما بعد فساد البذر و البیض حیث یشتغل بعمل زراعة البذر و سقي الأرض و القیام بلوازمهما الذي قد یطول لمدةٍ أشهر و هكذا إحضان البیض الذي یمتدّ مدّة تقرب من عشرین یوماً فهذه الأفعال من المعدّات لصيرورة الحب زرعاً و البیض فرخاً كلّها تقع بعد اتلاف البذر و البیض.

النظرية الثانية: يجب الخمس في الزائد نمواً كان أو تولداً

قال بها المحقق السيستاني و صاحب المباني و السيد محمد سعيد الحكيم.

قال المحقق السيستاني: إذا كان ربحه حباً فبذره فصار زرعاً وجب خمس الزرع لا خمس الحب، و إذا كان بيضاً فصار دجاجاً وجب عليه خمس الدجاج لا خمس البيض، و إذا كان ربحه أغصاناً فغرسها فصارت شجراً وجب عليه خمس الشجر، لا خمس الغصن و هكذا.[5]

قال السيد محمد سعيد الحكيم: الأموال الّتي تعلق بها الخمس ولم يؤدّ خمسها إذا زادت زيادة متصلة أو منفصلة يجب الخمس في الزيادة تبعاً لها. وكذا إذا ارتفعت قيمتها السوقية فإذا أريد دفع الخمس لزم إخراج خمس المجموع - من الأصل والزيادة - من العين، أو بقيمته حين إخراج الخمس.[6]

الدليل على هذه النظرية: مقتضى القاعدة في القول بالإشاعة

قال صاحب المباني: لم يظهر لي وجه التفصيل و الذي يختلج بالبال عاجلاً عدم الفرق و على جميع التقادير يتعلق الخمس بالصورة المتحققة ثانياً، إذ المفروض أنّ الخمس في العين فمقتضى القاعدة ثبوته في المتحوَّل إليه فلاحظ.[7]

قال السيد محمد سعيد الحكيم: أما بناءً‌ على ما سبق منّا من ثبوت الخمس بنحو الإشاعة فيشكل الأمر، لأن التحول في مثل ذلك وإن أوجب تعدد الموضوع عرفاً، إلا أنه لا إشكال في تبعية المتحوّل إليه للأصل في الملكية، ولذا لا إشكال في صيرورته في المقام لأرباب الخمس لو كان الأصل كلّه خمساً، كما يصير كله للمالك لو كان الأصل كله له. فاختصاص المالك به [المتحوَّل إلیه، بأن یكون كلّه للمالك] مع الإشاعة ليس بأولى من اختصاص [أرباب] الخمس به[المتحوَّل إلیه، بأن یكون كلّه لأرباب الخمس، فإنّ المالك و أرباب الخمس كلاهما شریكان بنحو الإشاعة، فلیس ملكیة أحدهما لكلّ الزیادة أولی من ملكیة الآخر]، بل يتعيّن ثبوت الخمس فيه [المتحوّل إلیه] كما ثبت في الأصل [فیكون أربعة أخماس الزیادة للمالك و خمسه لأرباب الخمس]، كما هو الحال في سائر موارد الإشاعة.[8]

و قال: مقتضى القاعدة بناء على الإشاعة ثبوت الخمس في النماء، بل لا يُظنّ من أحد احتمال خلاف ذلك في خمس غنائم الحرب لو حصل التحول قبل القسمة، والفرق بين أقسام الخمس بلا فارق. فلا مخرج عما ذكرنا. غايته أنه لو كان دون خمس الأصل قيمة لزم ضمان المالك للإرش مع التعدي والتفريط.

ومن هنا لم يتضح وجه البناء على ثبوت خمس الأصل من بعض مشايخنا [و الظاهر مراده المحقق الخوئي حیث یفتي بأن الخمس في الأصل في ما هو من قبیل التولّد كالحب و البیض، دون الزرع و الدجاجة] مع بنائه على الإشاعة. [9]

یلاحظ علیه:

إنّ الفارق بین مورد التولّد و النموّ هو أنّ التولّد یحصل بعد تحوّل الحبّ و البیض بحیث یصیران فاسدین و تالفین و بصدق التلف ینتقل الخمس إلی الذمّة و بعد ذلك یتولّد الزرع و الدجاجة و أما النموّ فلا یصدق فیه التلف.


[1] منهاج الصالحين، الفياض، الشيخ محمد إسحاق، ج2، ص73.
[2] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج37، ص199.
[3] مصباح المنهاج / كتاب الخمس، الحكيم، السيد محمد سعيد، ج1، ص295.
[4] قال سماحة آیة الله المیرزا جواد التبریزي في استفتاءاته: بنابر احتياط بذرى كه كاشته شده تلف حساب مى‌شود و آنچه را كه براى بذر در سالهاى بعد مى‌گيرد بايد آن را تخميس كند، و اللّه العالم. إستفتائات جديد، تبريزي، ميرزا جواد، ج2، ص155.
[5] منهاج الصالحين، السيستاني، السيد علي، ج1، ص402.
[6] منهاج الصالحين، ج1، ص428، م 33.
[7] مباني منهاج الصالحين، الطباطبائي القمي، السيد تقي، ج7، ص86.
[8] مصباح المنهاج / كتاب الخمس، الحكيم، السيد محمد سعيد، ج1، ص296.
[9] . مصباح المنهاج / كتاب الخمس، الحكيم، السيد محمد سعيد، ج1، ص297.