46/05/23
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة77؛ المطلب الأول؛ النظریة الثانیة
النظریة الثانیة: لأرباب الخمس حصة من ربح التجارة مقابل الخمس
قال صاحب الجواهر في نجاة العباد: لو تحقّق الرّبح في أثناء الحول ثمّ اتّجر به فربح أيضاً فالأحوط إن لم يكن أقوى إخراج ما يختصّ الخمس من الرّبح الأوّل فإذا ربح أوّلاً مثلاً ستّمائة و كانت مؤونته مائة فأخذها و اتّجر بالباقي مثلاً فربح خمسمائة كان تمام الخمس مائتان و ثمانون مائة من الرّبح الأوّل و يتبعها نماؤها من الرّبح الثّاني و هو مائة أيضاً فيكون الباقي من الرّبح الثّاني أربعمائة و خمسها ثمانون فيكون المجموع مأتين و ثمانين.[1]
و قال في الجواهر: قد يقال إن المتجه وجوب خمس تلك الزيادة و إن لم يكن قد أخرج الخمس مثلاً انتظاراً به لتمام الحول كما لو ربح مثلاً مقدار مائة فلم يخرج خمسه ثم اتّجر بذلك الربح غير ضامن لمقدار الخمس منه، أو قلنا ليس له ضمانه، أو كان ممن ليس له ذلك فربح، فإنه يجب إخراج خمس الربح الأول، و يتبعه نماؤه من الربح الثاني لكونه نماء مال الغير ضرورة اشتراك ذوي الخمس معه و إن كان له تأخير الأداء الى تمام الحول ثم يجب عليه إخراج خمس الربح الثاني، فلو ربح أولاً مثلاً ستمائة و كانت مؤونته منها مائة و قد أخذها فاتّجر بالباقي مثلاً من غير فصل معتد به فربح خمسمائة كان تمام الخمس مائتين و ثمانين، مائة من الربح الأول، و يتبعها نماؤها من الربح الثاني و هو مائة أيضاً، فيكون الباقي من الربح الثاني أربعمائة و خمسها ثمانون، فيكون المجموع مائتين و ثمانين كما ذكرنا، فتأمل جيدا.[2]
القول بهذه النظریة يظهر من عبارة بعض الأعلام ممّن علّق علی العروة:
قال المحقق الفيروزآبادي: النماء تابع للملك، لا فرق بين الاتّجار في السنة أو بعد السنة.[3]
قال المحقق الإصطهباناتي: فيه تأمّل، بل منع؛ لعدم كون تمام الحول شرطاً في أصل ثبوت الخمس، غاية الأمر يجوز للمالك التأخير في الأداء إلىٰ مضيّ الحول إرفاقاً له، فيكون الربح تابعاً لأصله، مع أنّه أحوط.[4]
توجيهاتنا لنظریة صاحب الجواهر:
یمکن توجیه نظریة صاحب الجواهر بأنّ وجوب جعل حصّة لأرباب الخمس مقابل خمس الربح يكون لوجوه:
الوجه الاوّل: أن يكون من جهة أنّ الخمس یتعلّق عند ظهور الربح أو الشروع في التكسّب و حینئذٍ أرباب الخمس یملکون حصةً من الربح و بالاتّجار به يكون جزءً من ربح الاتّجار أیضاً ملکاً لهم و یکونون شركاء مع المالک.
الوجه الثاني: أن يكون من جهة أن المكلّف باستثناء مقدار المؤونة من الربح يعلم بزيادة الباقي فیتعلّق الخمس به و بعض الأعلام یفتون بأنه يجب تخميس ما علم زيادته على المؤونة فعليه لا يجوز التصرّف فيه بالاتّجار فإذا اتّجر به المكلّف يكون لأرباب الخمس حصة، لأنّه لم يؤذن له بالتصرّف.
الوجه الثالث: أن يكون جعل مقدار من الربح ليكون رأس مال له و بعض الأعلام أفتوا بوجوب أداء الخمس بمحض جعل الربح رأس المال، لأنّ تجويز تأخير الأداء إرفاق به، لاحتمال تجدّد مؤن و بجعله رأس المال فلیس من المؤونة و يكون خارجاً عن دائرة سعة الإرفاق.
الدليلان على هذه النظرية:
الدليل الأوّل: النماء تابع للأصل
قال المحقق الخوئي: مال في الجواهر إلى الأوّل [أي النظرية الثانية]، و جعله في نجاة العباد أحوط إن لم يكن أقوى، نظراً لتبعيّة النماء للأصل.
یلاحظ علیه:
إنّ ملکیة صاحب الخمس للربح الأول الذي هو الأصل بالنسبة إلی الربح الثاني، لیست ملکیة منجّزة، بل الشارع أباح للمکلّف التصرّف فیه بالاتّجار و أخذ الربح لنفسه.
الدليل الثاني: بحسب بعض المباني في كيفية تعلّق الخمس بالعين
و قال صاحب المرتقی تقریراً لهذا المطلب: أما بناء على كون ملكية الخمس بنحو الشركة في المالية، فواضح كما تقدم، و يكون الربح الزائد للمالك، إذ لا يملك أصحاب الخمس إلا مقدار قيمة خمس الربح الأول و هي محفوظة، أما نفس العين فهي ملك المالك.
و أما بناء على غيره من المباني، فجواز الاتجار به يستفاد من دليل جواز التأخير بدعوى ظهوره عرفاً في إجازة التصرف في مدّة التأخير، و مقتضاه تحليل المعاملة الواقعة على الربح و إمضاؤها. و عليه، فلازمه أن يكون ما يقابل الخمس من الربح لأرباب الخمس، لأنّه جزء ثمن الخمس المملوك لأربابه و لو بنحو الكلي في المعين كما لا يخفى. و لذلك لا يظهر ما جاء في المتن من عدم كون الربح لأرباب الخمس.[5]
یلاحظ علیه:
ما أفاده بالنسبة إلی سایر المباني من أن لازمها أن يكون ما يقابل الخمس من الربح لأرباب الخمس لا یمکن المساعدة علیه، لأنّ تحليل المعاملة الواقعة على الربح و إمضاؤها علی وجهین:
الأول: بمعنی إجازة الإمام للمعاملة الواقعة علی مقدار الخمس، فحینئذٍ یصحّ ما أفاده من أن خمس الربح لأرباب الخمس و هذا خلاف الظاهر من دلیل جواز التأخیر في أداء الخمس.
الثاني: بمعنی إباحة الإمام لجمیع التصرفات للمکلّف بحیث لو اتّجر بالمال فیکون تمام الربح له، کما یبیح الشخص ماله للآخر حتّی یتّجر لنفسه و الظاهر من دلیل وجوب إخراج الخمس آخر السنة الخمسیة هو هذا الوجه الثاني.
مناقشتان علی النظریة الثانیة:
المناقشة الأولی: لحاظ الأرباح الحاصلة من الربح عند العرف ربحاً واحداً
إن هذه المناقشة واردة علی النظریة الثانیة سواء قلنا بنظریة المشهور من جعل سنة واحدة لكل الأرباح أو قلنا بنظریة المحقق الخوئي من جعل سنة لكل ربح أو قلنا بکلتا النظریتین، کما هو المختار، لأنّ العرف یلاحظ الأرباح بنحوین:
الأول: أنّ العرف العامّ یلاحظ کلّ ربح فائدةً مستقلّة فتشمله أدلّة وجوب الخمس لکلّ فائدةٍ.
الثاني: أنّ عرف أهل السوق یلاحظ جمیع الأرباح الحاصلة طول السنة ملاحظة مجموعية، فجمیع الأرباح عندهم تعدّ ربحاً واحداً و تلاحظ مجموعيةً بحسب المتعارف بینهم و هکذا بحسب السیرة المتشرّعة المتّصلة بعصر المعصومین( و تؤیّده مکاتبة علي بن مهزیار التي هي صحیحة سنداً.
و نحن قلنا بالتخییر لتمامیة کلا اللحاظین لدفع الخمس، لأنّ العرف یساعدهما.
ثمّ إنّ المحقق الخوئي و إن اعتقد باللحاظ الأول و قال بأنّ لکلّ ربح سنةً تخصّه، و يری أنّ کلّ فردٍ من أفراد الربح موضوعٌ مستقلٌ لوجوب الخمس، لکن إذا اتّجر بهذا الربح و حصل له ربح ثانیاً فلايعدّ ذلک فردان من الربح بل الأرباح المتتالیة خلال السنة تلاحظ بأجمعها عند انتهاء السنة ربحاً واحداً و لا وجه لملاحظة کلّ ربحٍ بانفراده.
قال المحقق الحکیم: و ما في الجواهر إنما يتم لو لوحظ كلّ ربح لنفسه موضوعاً للحكم، حيث إنّ الخمسمائة الثانية إذا لوحظت كذلك كانت ربحاً للربح لا ربحاً لأصل المال، فيلحق نماء خمس الربح الأول به.
لكنه ليس كذلك، بل الملحوظ مجموع الأرباح في قبال رأس المال. هذا و قد عرفت سابقاً: أن الكلام في هذه الجهة مبني على ملك المستحق جزءاً من العين، أما إذا كان ملكه الحق المتعلق بالعين فلا وجه لأن يلحقه ربح.[6]
و قال الشیخ السبحاني: يلاحظ عليه أنّه مبني على احتساب كلّ ربح على حدة و كونه بنفسه موضوع الحكم، و كان الاتّجار به من قبيل المضاربة، لكن الملحوظ عدم احتساب كلّ ربح بنفسه موضوعاً للحكم، بل يلحظ الجميع بالنسبة إلى رأس المال كربح واحد
و يرد على الاحتمال الثاني أمران:
يستلزم الحرج، و لا يرتفع إلاّ باستخدام محاسب ليس له شغل إلاّ محاسبة الأرباح.
2. إنّ المراد من المؤونة المستثناة هي مؤونة السنة فلحاظ المؤونة، بصورة أمر واحد، دليل على لحاظ جميع ما يستفاد ممّا فضل من المؤونة أمراً واحداً.[7]
و قال صاحب فقه الصادق: إنّ الظاهر من النصوص - بعد استثناء مؤونة السَّنة منها - أنّ موضوع الخُمس مجموع ربح السَّنة، لا أنّ كلّ واحدٍ من الأرباح موضوعٌ مستقلٌّ، وعليه فمجموع الربح السنوي في الفرض ألف دينار، فيكون تمام الخُمس مائتين.
وبعبارة أخرى: موضوع وجوب الخُمس، ما يزيد في آخر السَّنة على رأس المال، كما يشهد له - مضافاً إلى ذلك - قوله في خبر ابن راشد: (إذا أمكنهم بعد مؤونتهم)[8] [9] جواباً عن سؤاله التاجر عليه والصانع بيده، وقوله في خبر النيسابوري: (لي منه الخُمس ممّا يفضل عن مؤونته)[10] [11] .[12]