بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/05/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة77: جواز التصرف في الربح الحاصل ابتداء السنة أو أثناءها بالاتجار و نحوه

 

المسألة77: جواز التصرف في الربح الحاصل ابتداء السنة أو أثناءها بالاتجار و نحوه

قال صاحب العروة:

المسألة 77: إذا حصل الربح في ابتداء السنة أو في أثنائها فلا مانع من التصرف فيه بالاتجار و إن حصل منه ربح لا يكون ما يقابل خمس الربح الأول منه لأرباب الخمس.

بخلاف ما إذا اتجر به بعد تمام الحول فإنه إن حصل ربح كان ما يقابل الخمس من الربح لأربابه مضافا إلى أصل الخمس فيخرجهما أولا ثمَّ يخرج خمس بقيته إن زادت على مؤونة السنة‌.

توضیح ذلك:

البحث هنا تارة في الاتجار بالعين المتعلّق بها الخمس في أثناء السنة و قبل وجوب التخميس و أخری في الاتجار بها بعد تمام السنة، فهنا مطلبان:

المطلب الأول: حكم ربح التجارة بالعين غير المخمّسة أثناء السنة

المطلب الثاني: حكم ربح التجارة بالعين غير المخمّسة بعد السنة

المطلب الأول: حكم ربح التجارة بالعين غير المخمّسة أثناء السنة

قد تقدم الكلام في جواز التصرف في الربح أثناء السنة في المسألة (72) و قلنا بجواز تأخیر الخمس إلى نهایة السنة و لا یجب التخمیس فوراً.

قال المحقق الحكیم: قد عرفت في مسألة جواز تأخير الخمس: دعوى ظهور الإجماع على عدم وجوب العزل، و لازمه جواز التصرف فيه بالاتجار.[1]

و قد مرّ في المسألة 72 أن بعض الأعلام قال مع العلم بعدم صرف الربح في المؤونة يجب أداء خمسه فوراً فعليه لو أراد أن يتجر به في أثناء السنة، يأتي فيه الكلام الذي مرّ في المسألة 75 من عدم جواز الاتجار به.

ولكننا قلنا بعدم وجوب الأداء فوراً حتى في صورة العلم بزيادته عن مؤونة السنة.

و البحث هنا فيما إذا ربح شخص أثناء السنة و اتجر به و ربح منه فهل يحسب خمس ربح التجارة أيضاً أم لا؟

و قال المحقق الخوئي: تقدّم أنّ الخمس و إن كان متعلّقاً من الأوّل إلّا أنّ وجوبه مشروط بعدم الصرف في المؤونة، فيجوز التأخير في الإخراج إلى نهاية السنة، كما يجوز التصرّف خلالها في الربح كيفما شاء بالتبديل إلى عين أخرى و الاتّجار به، لعدم كونه محجوراً عن التصرّف بالضرورة.

إنّما الكلام فيما لو تاجر و ربح ثانياً و ثالثاً و هكذا قبل انتهاء السنة بحيث حصل من الربح ربحٌ آخر، فهل المقدار المقابل لخمس الربح الأوّل من الربح‌ الثاني يختصّ بأرباب الخمس، أو أنّ الربح كلّه للمالك و لا يجب عليه إلّا تخميس المجموع؟

... و لتوضيح موضوع المسألة نذكر المثال الذي ذكره في الجواهر، و هو أنّه لو ربح أوّلًا ستمائة و كانت مؤونته إلى نهاية السنة مائة فأخرجها و اتّجر بالباقي و هو خمسمائة فربح بها خمسمائة أخرى بحيث كان كلّ جزء من الربح الثاني ربحاً لما يعادله من الربح الأوّل، فتمام الخمس حينئذ مائتان و ثمانون: مائة من الربح الأوّل، و مائة أخرى من الربح الثاني، من أجل كونها نماءً و ربحاً لخمس الربح الأوّل كما عرفت، حيث إنّ رأس المال في التجارة الثانية مشترك بينه و بين أرباب الخمس، فلا جرم كان ما بإزاء سهمهم من الربح لهم كنفس الأصل، فهو كما لو اتّجر بمال مشترك بينه و بين زيد في كون الربح مشتركاً بينهما. و عليه، فيكون الباقي من الربح الثاني أربعمائة، و خمسه ثمانون، فيكون المجموع مائتين و ثمانين.

و أمّا على القول الآخر فالخمس تمام المائتين خمس الألف الذي هو مجموع الربحين.[2]

فهنا نظريتان:

النظریة الأولی: ربح التجارة بالربح الحاصل أثناء السنة كله للمالك

ذهب إلیها أكثر الأعلام.

قال الشیخ الأنصاري: المعاملات الواردة على العين التي حصل فيها الربح في عام التجارة كأنّه خارج عن محلّ‌ الكلام، لإجماعهم ظاهرا على جواز تأخير إخراج خمس الأرباح إلى السنة ... و لا شك أنّ‌ الربح يصير متعلّقا للخمس بمجرّد الظهور دون الإنضاض على الأقوى، فيلزم من ذلك: إمّا وجوب عزل مقدار الخمس من الربح إذا أراد المكلّف التجارة بماله، و الظاهر أنّه لم يلتزم به أحد، لا فتوى و لا عملا. و إمّا اشتراك المستحقّين مع المالك في الربح الحاصل من المال المشترك و في الخسارة التي تتّفق فيه، لأنّ‌ مقتضى عدم وجوب العزل و الإذن في التصرّف فيه في جملة المال. و الظاهر أنّه كسابقه مخالف للفتوى و العمل، لاستقرارهما [الفتوی و العمل] ظاهرا على اشتراك المستحقّين في الخسارة دون الربح.[3]

قال المحقق الحكیم: إنما الإشكال في أنه لو ربح، فهل يختص بحصة الخمس من الربح مستحق الخمس أو يكون الربح كله للمالك‌؟ و الأول مال إليه في الجواهر ... و الذي اختاره شيخنا الأعظم الثاني، و تبعه عليه غير واحد، منهم المصنف.

و استدلّ له: بأنه الموافق للفتوى و العمل، لاستقرارهما - ظاهراً - على اشتراك المستحقين في الخسارة دون الربح.

و بأن الظاهر من النصوص: أن الموضوع مجموع الربح الحاصل في السنة، كما عرفت في مسألة جبر الخسران، و مجموع الربح السنوي إنما يلحظ بالإضافة إلى رأس المال.[4]

قال المحقق الخوئي: إنّما الكلام فيما لو تاجر و ربح ثانياً و ثالثاً و هكذا قبل انتهاء السنة بحيث حصل من الربح ربح آخر، فهل المقدار المقابل لخمس الربح الأوّل من الربح الثاني يختصّ‌ بأرباب الخمس، أو أنّ‌ الربح كلّه للمالك و لا يجب عليه إلّا تخميس المجموع‌؟ مال في الجواهر إلى الأوّل و جعله في نجاة العباد أحوط إن لم يكن أقوى، نظراً لتبعيّة النماء للأصل ... و لكن الذي ذكره لا يمكن المساعدة عليه بوجه كما نصّ‌ عليه شيخنا الأنصاري و من تبعه ... و بالجملة: فلا ينبغي التأمّل في أنّ‌ الأرباح المتتالية خلال السنة تلاحظ بأجمعها عند انتهاء السنة ربحاً واحداً، و لا وجه لملاحظة كلّ‌ ربح بانفراده.[5] [6]


[1] مستمسك العروة الوثقى، الحكيم، السيد محسن، ج9، ص560.
[2] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج25، ص294.
[3] كتاب الخمس، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص281.
[4] مستمسك العروة الوثقى، الحكيم، السيد محسن، ج9، ص560.
[5] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج25، ص294.
[6] ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، الصافي الگلپايگاني، الشيخ علي، ج10، ص218.