بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/05/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة75؛ المطلب الخامس؛ النظریة الثانیة

 

الدليل الثاني:

قال المحقق العراقي في شرح التبصرة: قد ورد النص: «فِي ثَمَنِ سَمَكٍ وَ بَرْدِيٍ‌ وَ قَصَبٍ‌ أَبِيعُهُ مِنْ أَجَمَةِ هَذِهِ الْقَطِيعَةِ، فَكَتَبَ: يَجِبُ عَلَيْكَ فِيهِ الْخُمُسُ»[1]

و هو ظاهر في بيان حكم المسألة، لا إجازة المعاملة ولايةً. و لازمه ولاية المالك على مثل هذه المعاملة، الواردة على مالهم من قبلهم، لا من قبل نفسه، بلا اعتناء لوجود حق السادة فيه[2] ، حيث لا إشكال في كونه خيانة عليهم، فلا تكون المعاملة حينذاك إلاّ فضولية، كما هو الشأن في باب الزكاة فراجع.

و ربما يتعدّى منه إلى ولايته على التضمين أيضاً، بلا كونه ممتنعا في أدائه، و إلاّ فيشكل ذلك، لأنه أيضا داخل في الخيانة المزبورة، الموجبة لجعل المعاملة فضولية محتاجة إلى إجازة السادة أو اجازة وليهم.

و من هنا ظهر أنه ليس له إتلاف المال قبل أخذه بذمته، و إن اقتضى ذلك ضمانه قهراً، و اللّه العالم.[3]

یلاحظ علیه:

ما أفاده: «يتعدّى منه إلى ولايته على التضمين»، فلا یصحّ، لما تقدّم من أنّ المستفاد من الروایات المجوّزة ولایته علی البیع في ما إذا نوی أداء الخمس، لینتقل الخمس إلى البدل، لا الولایة علی التضمین لینتقل الخمس إلی الذمّة.

الدلیل الثالث: مقتضى القول بالشركة في المالية

قال صاحب المرتقى: بناء على كون ملكية الخمس بنحو الشركة في المالية لا مانع من التصرف في العين مع المحافظة على مالية الخمس، كما عرفت. و هكذا لا مانع من الاتجار به و لا تكون المعاملة فضولية.[4]

یلاحظ علیه:

أولاً: أنّ قلنا سابقاً إنّ مقتضی الشركة في المالیة جواز التصرف تكلیفاً في أربعة أخماس العین، دون الخمس الباقي.

ثانیاً: أنّ البیع نافذٌ و لو علی مبنى الإشاعة، فإذا نوی أداء الخمس فالبیع جائزٌ و إذا لم ینوِ أداءه فهو حرامٌ و لكنه نافذٌ.

النظرية الثالثة: جواز التصرّف مع الضمان إذا لم یتمكّن من إيصاله إلى أهله

قال السيد أبو الحسن الإصفهاني في تعليقته على العروة (خلافاً لما في وسیلة النجاة حیث قیّده بصورة إذن الحاكم الشرعي أو وكیله): لا يبعد جواز التصرّف فيه مع الضمان إذا لم يتمكّن من إيصاله إلى أهله فعلاً وكان عازماً على‌ الأداء عند التمكّن، سيّما إذا كان مليّاً.[5] [6]

قال الشيخ آل ياسين: إلّاأن يتعذّر عليه إيصاله إلى‌ أهله فله ضمانه، والتصرّف فيه عازماً على‌ أدائه عند التمكّن على الأقوى.[7]

قال الميرزا هاشم الآملي: وربّما يقال بجواز التصرّف بعد تمام الحول مع الضمان إذا لم يتمكّن من إيصاله إلى أهله.[8]

الدلیل علی ذلك:

استدلّ المیرزا هاشم الآملي علی ذلك بدعوى انصراف أدلّة المنع عن ذلك.

یلاحظ علیه:

أولاً: لا ولایة للمالك علی الضمان من قبل نفسه، حتّی ینتقل الخمس إلی ذمته.

ثانیاً: لا منع من البیع في ما إذا نوی إعطاء الخمس لینتقل الخمس إلی بدله، و حینئذٍ مع عدم التمكن من إیصال الخمس إلی الإمام و نائبه و السادة فلابدّ له من عزله و المحافظة علیه حتّی یتمكن من الإیصال و أما سائر التصرفات فلا تجوز إلا مع العزل.

النظریة الرابعة: جوازه مع الضمان بإذن الحاكم إذا لم یمكنه الإیصال

قال المحقق النائيني، و السيدجمال الدين الگلپايگاني في تعلیقتهما علی العروة في هذه المسألة: إن لم يمكنه الإيصال فعلاً إلى أهله، فَضَمِنَه عازماً على‌ الأداء عند إمكانه، وكان مأذوناً من المجتهد في ذلك فالأقوى‌ جواز تصرّفه فيه.[9] [10]

و لكن في المسألة 78 لم یعلّقا علی متن كلام صاحب العروة و الحكم هناك جواز ضمان الخمس في ذمّته سواءٌ تمكن من إیصال الخمس إلی أهله أو لم یتمكن.

و لعلّ ما أفاداه هنا مبنيّ علی عدم جواز ضمان الخمس علی عهدته ولو بإذن الحاكم الشرعي في ما إذا أمكنه إیصاله إلی أهله.

یلاحظ علیه:

إنّ نقل الخمس إلی الذمة بالضمان بإذن الحاكم الشرعي لا یختص بصورة عدم التمكن من الإیصال، بل یجوز مطلقاً، لولایة الحاكم الشرعي علیه، كما أنّ كلّ مالك له الولایة علی أن یأذن لشریكه نقل ملكه من العین إلی الذمّة.

النظریة الخامسة: التفصیل بین البیع بنیة الأداء و غیره (المختار)

و المختار هو التفصیل بين بعض التصرّفات الناقلة كالبيع بنیة أداء الخمس فجائزة و بين التصرّفات الخارجية، مثل الأكل و الشرب و اللبس و نحوها فغير جائزة.

أما البیع مع نیة أداء الخمس (و هكذا ما یلحق بالبیع من التصرّفات الناقلة، كالمصالحة بین العین و الثمن) فتجوز لوجود روایات متعدّدة تدلّ علیه، كما استظهر الشیخ الأنصاري ذلك منها.

أما سائر التصرفات فلا دلیل علی جوازها و لو مع نیة أداء الخمس، بل و إن قصد ضمان الخمس بنقله إلی ذمته، لعدم الدلیل علی تحقق الضمان في المقام، لأنّ الضمان یراد منه إمّا عقد الضمان أو ضمان الأعیان الخارجیة أو ضمان الإتلاف.

أما عقد الضمان: فلا یتحقّق، لأنّ الضمان هو نقل ما في ذمة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن، فهو من قبیل نقل الدین من ذمةٍ إلى ذمّةٍ، فالإشكال هنا من ناحيتين:

الناحية الأولى: أنّ الخمس هنا لیس في ذمّة المضمون عنه بل هو متعلّق بالعین الخارجیة، فلا یمكن نقله إلی الذمة من دون إذن أرباب الخمس أو الحاكم الشرعي، بل أنّ الضامن هنا هو نفس المضمون عنه، فلا ينقل شيئاً من ذمةٍ إلی ذمّةٍ.

الناحية الثانية: أنّ الضمان هنا یحتاج إلی قبول المضمون له، و هو صاحب الخمس أو الحاكم الشرعي، فلابدّ من إحراز قبوله.

أما الضمان بمعنی التعهّد: فلا معنی له هنا، لأنّه یتعلّق بالعین الخارجیة و الخمس في هذا الفرض انتقل إلی الذمّة.

أما الضمان في مورد الإتلاف: فهو في ما إذا أتلف العین التي تعلّق بها الخمس بالتصرّف فیها، مثل أكله و نحوه، قبل نقله إلی الذمّة، فالتصرف حرامٌ و یوجب الضمان، أما المفروض في مسألتنا هو الضمان قبل الإتلاف فلا معنی له.

 


[1] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج4، ص139.
[2] یعني لا من قبل نفسه، حتّی یلزم عدم اعتنائه لحقّ السادة و یلزم الخیانة علیهم.
[3] شرح تبصرة المتعلمين، الشيخ آقا ضياء الدين العراقي، ج3، ص79.
[4] المرتقى، ص249.
[5] التزم السيد أبو الحسن الإصفهاني في وسيلة النجاة بالنظریة الأولی و قال: ليس له أن ينقل الخمس الى ذمته ثم التصرف في المال الذي تعلق به الخمس. نعم يجوز له ذلك بالمصالحة مع الحاكم الشرعي أو وكيله، فيجوز حينئذ التصرف فيه. وسيلة النجاة (بحواشي السيد محمد رضا الگلپایگاني.)، ج1، ص316
[6] العروة الوثقى - جماعة المدرسین، الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، ج4، ص296.
[7] العروة الوثقى - جماعة المدرسین، الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، ج4، ص296.
[8] العروة الوثقی و التعلیقات علیها، ج۱۲، ص۱۶۷.
[9] العروة الوثقى - جماعة المدرسین، الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، ج4، ص296.
[10] العروة الوثقی و التعلیقات علیها، ج۱۲، ص۱۶۷.