46/04/29
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة75؛ المطلب الخامس؛ النظریة الثانیة
قال الشيخ الأنصاري: الظاهر من الروايات منضمة إلى ملاحظة سيرة الناس هو جواز التصرّف في الأعيان الخمسيّة مع ضمان الخمس.
و لو نوى عدم إعطاء الخمس، فالظاهر حرمة التصرّف في العين.
و كونه [أي التصرّف في العين] غصباً، لأنّه مقتضى التعلّق بالعين، خرج منه صورة الضمان بالأخبار و السيرة.
و لما ورد في غير واحد من الأخبار من أنّه «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ الْخُمُسِ شَيْئاً حَتَّى يَصِلَ إِلَيْنَا حَقُّنَا»[1] .
و ما عن تفسير العيّاشي بسنده عن إسحاق بن عمّار، قال: سمعته يقول: «لَا يُعْذَرُ عَبْدٌ اشْتَرَى مِنَ الْخُمُسِ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ يَا رَبِّ اشْتَرَيْتُهُ بِمَالِي حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ أَهْلُ الْخُمُسِ»[2] . و غير واحد ممّا تقدّم في خمس الأرباح.
منها: ما ورد في صحيحة الفضلاء من أنّه: « هَلَكَ النَّاسُ فِي بُطُونِهِمْ وَ فُرُوجِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤَدُّوا إِلَيْنَا حَقَّنَا»[3] .
و ما عن كمال الدين: إنّه ممّا ورد على الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري في جواب مسائله إلى صاحب الدار، قال: «وَ أَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ مَنْ يَسْتَحِلُّ مَا فِي يَدِهِ مِنْ أَمْوَالِنَا وَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَهُ فِي مَالِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِنَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مَلْعُونٌ وَ نَحْنُ خُصَمَاؤُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ قَدْ قَالَ النَّبِيُّ الْمُسْتَحِلُّ مِنْ عِتْرَتِي مَا حَرَّمَ اللَّهُ مَلْعُونٌ عَلَى لِسَانِي وَ لِسَانِ كُلِّ نَبِيٍّ مُجَابٍ».[4] [5] [6] [7]
و يؤيّده - أيضا -: جميع ما ورد في حلّ المناكح للشيعة ليطيب لهم الولادة، و إن كان ظاهرها مختصا بخمس الغنائم أو الأنفال.
و أمّا لو تصرّف مع عدم الضمان و لا بنية عدم الإعطاء، فمقتضى القاعدة و أخبار عدم حلّ اشتراء الخمس و إن كان هو عدم جواز البيع و فساده في مقدار الخمس، إلاّ أنّ الظاهر ممّا تقدّم من روايات دفع القيمة الظاهرة في عدم ضمان البائع حين البيع، بل جهله،
و كذا بعض ما ورد في صورة العزم على عدم الإعطاء هو الجواز و اشتغال الذمّة إن كان التصرّف بالإتلاف، و تعلّق الخمس بالعوض إن كان معاوضة مجرّدة عن المحاباة[8] ، و إلاّ فكالإتلاف في مقدار المحاباة[9] أو في المجموع[10] . و المسألة[11] محلّ إشكال، لعدم دليل يوجب الاطمئنان في مقابل الأصول العقلية و النقلية المانعة عن التصرّف في مال الغير.[12]
الشيخ علي الجواهري: المسألة محلّ تأمّل، والجواز مع الضمان لا يخلو من قوّة.[13]
قال المحقق العراقي: الأقوى ولايته على معاوضته بعينٍ أخرى، أو غيرها ممّا يراه صلاحاً للسادة، كما هو الشأن في الزكاة، وهكذا له تضمينه على نفسه والتصرّف في العين بعده لنفسه إذا لم يكن ممتنعاً من الأداء.
وأمّا جواز إتلافه قبل التضمين، أو صرفه بوجهٍ آخر ففيه إشكال، بل منع، كصورة تضمينه على نفسه مع امتناعه؛ لعدم المجال للتعدّي من النصّ إليه.[14]
قال صاحب فقه الصادق: لا يبعد الجواز بضمانه في ذمّته، سيّما مع عدم إمكان إيصاله إلى أهله، وإن كان الأحوط عدم التصرّف في صورة الإمكان، هذا في الأرباح بعد تمام الحول، وأمّا قبله فلا إشكال في الجواز مطلقاً.[15]
الدليل الأوّل: مقتضى الجمع بين ما دلّ على جواز البيع و ما دلّ علی المنع
قال المحقق الحکیم: قد يستدلّ عليه [أي على جواز التصرّف في العین مع نقل الخمس إلی الذمة و تضمینه] بأنه مقتضى الجمع بين النصوص المتقدمة [الدالة على جواز البيع] و بين ما دل من النصوص على عدم جواز التصرف في الخمس، مثل رواية [عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ] أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ - في حديث - قال: « لَا يَحِلُ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ الْخُمُسِ شَيْئاً حَتَّى يَصِلَ إِلَيْنَا حَقُّنَا»[16] [17] .
و رواية إسحاق بن عمار قال: «سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ لَا يُعْذَرُ عَبْدٌ اشْتَرَى مِنَ الْخُمُسِ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ يَا رَبِ اشْتَرَيْتُهُ بِمَالِي حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ أَهْلُ الْخُمُسِ»[18] [19] و نحوهما غيرهما.[20]
إيراد المحقق الحکیم علی هذا الدلیل:
قال المحقق الحكيم: لعل الأقرب في الجمع: حمل النصوص الأولى على صورة الأداء و حمل الثانية على صورة عدمه، فالأداء يكون نظير الإجازة في عقد الفضولي أو أداء الدين بالنسبة إلى تصرف الراهن في العين المرهونة، فإنّ تَحقَّق [الأداء] صَحّ التصرّف و لو مع نية عدمه، و إن لم يتحقق لم يصح و لو مع نيته.
و الوجه في أقربيته: عدم ورود تلك النصوص لبيان صحّة التصرّف، و إنّما استفيد منها ذلك في الجملة، فلا تصلح لمعارضة ما دل على عدم الصحّة بدون الأداء و الصحة معه، كما هو مفاد النصوص الأخيرة.
و لعل ذلك مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن النصوص، بناء على أنه حق متعلق بالعين نظير حق الرهانة أو الجعالة. أما لو كان المستحق نفس العين[21] فتشكل صحة التصرّف بعد الأداء، إذ الحال تكون كما لو باع شيئاً ثمَّ ملكه. فلاحظ.[22]
ملاحظتنا علی إیراد المحقق الحکیم:
إنّ ما أفاده من أنّ البیع بالنسبة إلى مقدار الخمس فضولي و أداء الخمس بمنزلة إجازة أرباب الخمس، ففیه أنّ البیع لا یکون فضولیاً، لما تقدّم من أنّه في ما إذا نوی إعطاء الخمس فالبیع نافذٌ و جائزٌ و إذا لم ینو أداء الخمس فالبیع نافذٌ أیضاً مع كونه معصيةً.
ملاحظتنا علی الدلیل الأول:
إنّه ما أفاده الشیخ الأنصاري في وجه الجمع بین الروایات المجوّزة و المانعة، من التضمین و نقل الخمس إلی الذمة، ففیه:
أولاً: إنّ التضمین علی نفسه مضافاً إلی أنّه لا دلیل علیه، لا یمکن الالتزام به من جهات ذکرناها سابقاً في هذا المطلب فراجع.
ثانیاً: نقل الخمس إلی الذمّة غیر صحیح، لنقل الخمس إلی البدل بالبيع قهراً.
فما ورد في نفوذ البیع أعمُّ من فرضین:
الفرض الأول: في ما إذا نوی المالک أداء الخمس فلذلک باع العین لأداء الخمس، فهنا البیع نافذٌ و جائزٌ.
الفرض الثاني: في ما إذا لم ینو المالک أداء الخمس، فهنا البیع نافذٌ و لکنه حرام تکلیفاً، فالخمس ينتقل إلى البدل قهراً، لا إلی الذمة، و لذلک أمر الإمام -في روایة الحارث الواردة في الرکاز- بأدائه من نفس الثمن.