بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/04/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة75؛ المطلب الثالث؛ النظریة الأولی

 

المناقشة في هذا الدلیل:

قال السید محمد سعید الحکیم: يشكل بأنه لا مجال لظهور الصحيح في الإطلاق بالإضافة إلى الذهب بعد سوقه في سياق الحنطة والشعير الذي اعترف بظهوره في خصوص الزكاة فيهما. ولاسيما مع شيوع ثبوت الزكاة في الذهب عند المتشرعة ومأنوسية أذهانهم بذلك، دون الخمس، كما يناسبه كثرة نصوصه فيها دونه، ومع خصوصية عنوانه في ثبوتها، وليس كالخمس الذي يثبت فيه بما أنه مال مستفاد من دون خصوصية له ولا لغيره.[1]

یلاحظ علیه:

إنّ ما یجب علی الذهب أعمّ من الزکاة و الخمس، و لا دلیل علی اختصاصه بباب الزکاة و خصوصية عنوان الذهب في ثبوت الزکاة لا توجب رفع الید عن الإطلاق.

و عنوان الذهب کما ورد في باب الزکاة ورد أیضاً في باب الخمس، مثل صحیحة محمد بن مسلم: مُحَمَّدُ بْنُ‌ الْحَسَنِ‌ بِإِسْنَادِهِ‌ عَنْ‌ عَلِيِّ‌ بْنِ‌ مَهْزِيَارَ عَنْ‌ فَضَالَةَ‌ وَ اِبْنِ‌ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ‌ جَمِيلٍ‌ عَنْ‌ مُحَمَّدِ بْنِ‌ مُسْلِمٍ‌ عَنْ‌ أَبِي جَعْفَرٍ‌ قَالَ‌: سَأَلْتُهُ‌ عَنْ‌ مَعَادِنِ‌ الذَّهَبِ‌ وَ الْفِضَّةِ‌ وَ الصُّفْرِ وَ الْحَدِيدِ وَ الرَّصَاصِ‌ فَقَالَ‌ عَلَيْهَا الْخُمُسُ‌ جَمِيعاً.[2]

الدليل الرابع: ظاهر جملة من الأخبار

استدلّ الشيخ الأنصاري بهذه الأخبار:

[الروایة الأولی:] لقوله لمن وجد كنزا فباعه: «أدّ خمس ما أخذت»[3] يعني من الثمن.

[الروایة الثانیة:] و رواية ريّان بن الصلت المتقدّمة[4] في ثمن السمك و البردي و القصب من القطيعة.

[الروایة الثالثة:] و رواية السرائر[5] المتقدّمة [و هي صحیحة أبي بصیر] فيما يباع من فواكه البستان - و الاجتزاء بخمس الثمن في هذه الأخبار محمول على الغالب، من عدم نقصان الثمن عن القيمة، و إلاّ فلا اعتبار بالثمن –

[الروایة الرابعة:] و ما تقدّم في مسألة الغنيمة من رواية أبي سيّار[6] حيث جاء بثمانين ألف درهم إلى الصادق.[7]

قال المحقق الحكيم: قد تقدم - في المسألة الثانية عشرة من مسائل المعدن - التصريح من التذكرة و المنتهى بجواز بيع المعدن و تعلق الخمس بالثمن، مستشهداً له في الأخير:

[الروایة الأولی:] بخبر: «من وجد ركازاً فباعه»[8] المتقدم هناك.

[الروایة الثانیة:] و يشهد له أيضاً: مصححة الريان بن الصلت، المتضمنة لوجوب الخمس في ثمن السمك و القصب و البردي الذي يبيعه من أجمة قطيعته[9] ،

[الروایة الثالثة:] و خبر أبي بصير، المروي عن السرائر: «في الرجل يكون في داره البستان، فيه الفاكهة يأكله العيال إنما يبيع منه الشيء بمائة درهم أو خمسين درهماً، هل عليه الخمس‌؟ فكتب أما ما أكل فلا، و أما البيع فنعم، هو كسائر الضياع»[10] .[11]

الإيراد علي صحیحة ریّان بن الصلت و أبي بصیر:

قال المحقق الحكيم: قد يشكل الاعتماد عليها، من جهة عدم ظهورها في جواز ذلك بعد تمام الحول. و لا إطلاق لها يقتضيه، لعدم ورودها لبيان هذه الجهة فغاية مدلولها جواز إيقاع المعاملة عليه. و الظاهر أنه لا إشكال فيه في أثناء الحول، ...[12]

ملاحظاتنا علیه:

إنّ ما أفاده من عدم ظهورها في جواز ذلك بعد تمام الحول و عدم الإطلاق تامّ في روایة ریان بن الصلت، لأنّها قضیة شخصیة سأل حکمها عن الإمام بعد البیع، فیمکن وقوع البیع قبل الحول و لا ظهور في بیعها بعده.

و أما بالنسبة إلی صحیحة أبي بصیر فلا نسلّم ما أفاده من عدم الإطلاق، لأنّ إطلاق الروایة یشمل البیع قبل الحول و بعده.

کما أن الإیراد لا یتوجّه إلی روایة الرکاز، حیث لا یعتبر فیه السنة الخمسیة، فتدلّ علی نفوذ البیع بعد تعلّق الخمس، و أدائه من الثمن.

الإيراد علي روایة الرکاز:

لا یمکن الاستدلال بروایة الرکاز، لأنّه باعه بغیر نیة أداء الخمس فانتقال الخمس إلی الثمن قهريٌ، و الکلام هنا في ما إذا کان العین المتعلّق للخمس، مثل الرکاز موجوداً في یده و لکنّه أراد أن یعطي خمسه من قیمته، لا من عینه.

و المتحصّل من الروایات:

إنّه لا یتمّ الاستدلال بروایة ریان بن الصلت و الحارث بن حضیرة الأزدي [روایة الرکاز] و أما الاستدلال بصحیحة أبي بصیر و صحیحة أبي سيّار[13] [في الغوص حيث جاء بثمانين ألف درهم إلى الإمام الصادق] تامّ، کما أنّ الدلیل الثالث و هو صحیحة البرقي أیضاً یدلّ علی جواز دفع خمس العین بالقیمة نقداً.

الدلیل الخامس: لزوم العُسر

إنّه لو لم نقل بجواز دفع القیمة و ألزمنا المکلّف بأداء الخمس من نفس العین، للزم في کثیرٍ من الموارد العُسر و الحرج علی المکلّف بل علی أرباب الخمس و وکیل الإمام أیضاً.

قال السید محمد سعید الحکیم: لو لا المفروغية عن جواز دفع القيمة للزم الهرج والمرج وكثر السؤال والاستفسار عن ذلك وعن فروعه، ولا أثر لذلك في النصوص، بل ولا في كلام الأصحاب، وهو كافٍ‌ في البناء على جواز دفع القيمة.[14]

الدلیل السادس: لو کان لبان و اشتهر

إنّه لو کان التکلیف هو أداء الخمس من نفس العین و عدم جواز أدائه من القیمة، لورد ذلک في النصوص و صار مورداً لکثرة السؤال و الاستفسارعن ذلک، فلو کان لبان ذلک و اشتهر مع أنّا لم نجد في النصوص ذلک، بل و لم تقم السیرة المتشرّعة علی أداء الخمس من القیمة، کما عرفت ذلک من السید محمد سعید الحکیم ذیل کلامه السابق.

الدلیل السابع: جواز دفع الحق من غیر العین علی مبنی ثبوت الحقّ

قال المحقق الحكيم: أن نصوص التشريع لا تدلّ إلا على ثبوت حق في العين، فيجوز دفعه و لو من غير العين. و سيأتي في المسألة اللاحقة.[15]

الدلیل الثامن: مقتضى الأصل العملي

قال المحقق الحكيم: اللهم إلا أن يتعدّى اليه باستصحاب الولاية الثابتة في أثناء الحول، بناء على تقدمه على عموم المنع من التصرف في مال الغير.[16]

قال صاحب مباني المنهاج: فما يمكن أن يذكر في تقريبه وجوه: الوجه الأول: الاستصحاب بتقريب: انه قبل انتهاء السنة كان التبديل جائزاً و مقتضى الاستصحاب بقاء الجواز آخر السنة أيضا.[17]

المناقشة في هذا الدلیل:

قال صاحب مباني المنهاج: قد ذكرنا في محله عدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلي، مضافا إلى أنّ‌ الالتزام بالجواز على نحو الإطلاق أثناء السنة محل الكلام و الإشكال و قلنا إن التصرف في الربح أثناء السنة جائز بالسيرة، و السيرة لم تتحقّق بالنسبة الى مقدار يعلم المكلّف بعدم صرفه في المؤونة فتأمّل.[18]

ملاحظاتنا علی هذه المناقشة:

أولاً: لا نسلّم مبنی القائلین بعدم جریان الاستصحاب في الحکم الکلّي، کما حقّقناه في عیون الأنظار.[19]

ثانیاً: قد تقدّم أنّه لا إشکال في جواز التصرّف أثناء السنة، و لو بالنسبة الى مقدارٍ يعلم المكلّف بعدم صرفه في المؤونة.

ثالثاً: إنّ الاستدلال بالاستصحاب إنّما هو في فرض عدم دلالة الأخبار و السیرة و غیرها علیه.

الإیراد علی النظریة الأولی:

و هذا الإیراد مبني علی القول بالشرکة الحقیقیة أو الکلّي في المعین.

قال صاحب المرتقى: و أما بناء على الشركة الحقيقية أو الكلي في المعين، فمقتضى القاعدة عدم جواز دفع القيمة، لأنّ حقّ الغير متعلّق بنفس العين. [20]

ملاحظتنا علی هذا الإیراد:

قد تقدّم جوازه على الشركة الحقيقية أو الكلي في المعين.


[1] مصباح المنهاج / كتاب الخمس، الحكيم، السيد محمد سعيد، ج1، ص284.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص491، أبواب أبواب ما یجب فیه الخمس، باب3، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص497، أبواب أبواب ما یجب فیه الخمس، باب6، ح1، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص504، أبواب أبواب ما یجب فیه الخمس، باب8، ح9، ط آل البيت.
[5] السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، ابن إدريس الحلي، ج3، ص606.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص548، أبواب أبواب الأنفال و ما یختص بالإمام، باب4، ح12، ط آل البيت.
[7] كتاب الخمس، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص279.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص497، أبواب أبواب ما یجب فیه الخمس، باب6، ح1، ط آل البيت.
[9] عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلْتِ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ مَا الَّذِي يَجِبُ عَلَيَّ يَا مَوْلَايَ فِي غَلَّةِ رَحَى أَرْضٍ فِي قَطِيعَةٍ لِي وَ فِي ثَمَنِ سَمَكٍ وَ بَرْدِيٍ‌ وَ قَصَبٍ‌ أَبِيعُهُ مِنْ أَجَمَةِ هَذِهِ الْقَطِيعَةِ فَكَتَبَ يَجِبُ عَلَيْكَ فِيهِ الْخُمُسُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص504، أبواب أبواب ما یجب فیه الخمس، باب8، ح9، ط آل البيت.
[10] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص504، أبواب أبواب ما یجب فیه الخمس، باب8، ح10، ط آل البيت.
[11] مستمسك العروة الوثقى، الحكيم، السيد محسن، ج9، ص555.
[12] مستمسك العروة الوثقى، الحكيم، السيد محسن، ج9، ص556.
[13] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص548، أبواب أبواب الأنفال و ما یختص بالإمام، باب4، ح12، ط آل البيت.
[14] مصباح المنهاج / كتاب الخمس، الحكيم، السيد محمد سعيد، ج1، ص286.
[15] مستمسك العروة الوثقى، الحكيم، السيد محسن، ج9، ص556.
[16] مستمسك العروة الوثقى، الحكيم، السيد محسن، ج9، ص556.
[17] الغایة القصوی، ص228.
[18] الغایة القصوی، ص228.
[19] عیون الأنظار، ج10، ص361.
[20] المرتقی، کتاب الخمس، ص248.