بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/04/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة75؛ المطلب الثاني؛ النظریة الرابعة

 

النظرية الرابعة: تعلّق الخمس بالعین بنحو الحقّ المتعلق بمالیتها

قال المحقق النائيني و السيد جمال الدين الگلپايگاني: كونه حقّاً متعلّقاً بالماليّة، لا ملكاً في العين - كما مرّ في الزكاة - هو الأقوى.[1]

و قال الميرزا هاشم الآملي: أنّ‌ الخمس حقّ‌ متعلّق بماليّة المال.[2]

قال السيد عبد الأعلى السبزواري: هو نحو حقٍّ‌ خاصٍّ‌ تعلّق بماليّة المال، وهو أيضاً مردّد بين أن يكون بنحو الإشاعة أو الكلّيّ‌ في المعيّن، ولا يبعد الأخير.[3]

و يظهر من المحققين الكوه‌كَمَري، و المرعشي النجفي حيث علّقا على كلام صاحب العروة بكون الخمس متعلّقاً بالعين بقولهما: بماليّتها.

الشيخ زين الدين: ولا يبعد كون الخمس من قبيل الحقّ‌ في العين، كما في الزكاة.[4]

الدليل على هذه النظرية:

الدليل الأوّل: الاستدلال بظاهر الآية

قال المحقق النائيني: بعد وصول وقت التعلّق فهل يتعلّق بالعين على نحو الحقيّة أو على نحو الملكيّة؟ بعد الفراغ عن عدم تعلّقه بالذمّة، لبعد دلالة الأخبار عليه‌، فظاهر قوله تعالى: ﴿وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ‌ مِنْ‌ شَيْ‌ءٍ‌ فَأَنَّ‌ لِلّه خُمُسَهُ‌﴾[5] هو كونه على نحو الملكيّة، لظهور «اللام» فيه.

لكن يعارضه ظهور أنّ‌ تعلّق الحكم بالموضوع في حال ثبوت الموضوع و بقاء عنوانه كما كان قبله، فإنّه بناء على الأخذ بما أفاده «اللام» من الملكيّة يكون مفاد الآية: أنّ‌ ما ملكتموه غنيمة ينتقل خمسه من ملككم إلى ملك اللّه و رسوله، فالموضوع لوجوب الخمس هو ملك الناس، و بعد تعلّق الحكم لا يكون وصف الموضوع باقياً، و هو خلاف ما هو ظاهر حال الحكم مع موضوعه، و لا يعتدّ بما خرج عن هذه القاعدة، كسوّدت الأبيض و أغنيت الفقير و غيرهما، لقلّته و لوجود القرينة.

ثمّ‌ بعد تعارض الظهورين لا يبعد تقدّم ظهور حال تعلّق الحكم بالموضوع، و يحمل على أنّ‌ التعلّق بنحو الحقيّة، فإنّ‌ مفاد الآية حينئذ: أنّ‌ ما ملكتموه غنيمة فإنّه يتعلّق للّه و للرسول حقّ‌ عليه، كان ذلك الحقّ‌ بمقدار خمسه في حال كونه ملكا لكم، و بعد منع الرجحان و تساقط الظهورين بالمعارضة فالمرجع هو الأصل، فيستصحب بقاء ملكيّة المالك، و ثمرة كون تعلّقه على نحو الحقيّة هو صحّة التصرّفات و عدم كون العقد الواقع عليه فضوليّا.

نعم؛ لزومه مراعىً على أداء حقّ‌ من له الخمس أو إجازته، و دعوى إجازة الشارع للتصرّف في هذا المال و انتقال الخمسواء كان ملكا أو حقّا - إلى الذمّة، غير بيّن البرهان ... .

و الحاصل: أنّه لا يبعد القول بأنّ‌ الخمس أيضاً حقّ‌ يتعلّق بأرباح المكاسب و غيرها ممّا يجب فيه الخمس كالزكاة.[6]

یلاحظ علیه:

أولاً: قد تقدم النقاش فیه عند بیان الملاحظات علی الأدلّة الخمسة علی النظریة الثالثة، و خلاصته هو أنّ للغنیمة و الفائدة هنا استعمالین:

أحدهما: ما یأخذه المکلّف و حصل علیه بعنوان الغنیمة و الفائدة من الحرب أو من تکسّبه أو غیرهما و مقام تشریع الخمس یناسب هذا الاستعمال.

ثانیهما: ما یدخل في ملک المغتنم و المستفید ممّا حصل علیه من الحرب أو من تکسباته أو غیرهما. و هذا الاستعمال لا یناسب الآیة، لأنّ موضوع الخمس في الآیة هو ما غنمتم و هذا التعبیر یناسب الاستعمال الأول دون الثاني. و ما استشکل علیه المحقق النائیني علی ما في تقریرات الشیخ النجم آبادي و هکذا ما أفاده صاحب المرتقی مبني علی الاستعمال الثاني.

فالآیة ظاهرةٌ في الملکیة بنحو الإشاعة و الشرکة الحقیقیة، بلا معارض لها.

ثانیاً: إنّ ما أفاده من أنّه یلزم بعد تعلّق الحكم أن لا يكون وصف الموضوع باقياً، و هو خلاف ظاهر حال الحكم مع موضوعه، مخدوشٌ، لأنّ الموضوع قد یتغیّر بعد تعلّق الحکم به، مثل ما إذا أوصی بثلث ماله، فبعد تعلّق الوصیة یخرج ثلث ماله عن ملکه.

الدليل الثاني: رواية الحارث بن حضيرة الأزدي

قال المحقق النائیني علی ما في تقریرات الشیخ النجم آبادي: و يدلّ‌ عليه - مضافا إلى ما ذكر - الرواية الواردة في من أخرج ركازا فباعه بدراهم و شياه[7] .. إلى آخره، فإنّ‌ حكمه بصحّة المعاملة و استيفاء الخمس من الثمن الّذي أخذه البائع ظاهر في أنّه على نحو الحقيّة، و إلاّ فاللازم أخذ مقدار الخمس من عين الركاز.

و احتمال نقل البائع الخمس إلى الذمّة قبل البيع؛ مندفع بظهور حاله في القصد إلى عدم إخراجه. [8]

ملاحظتنا علیه:

ما أفاده من أنّ اللازم علی القول بالملکیة علی نحو الإشاعة أخذ مقدار الخمس من عين الركاز، ممنوعٌ، لأنّه إذا باع ما فیه الخمس من دون نیة أدائه، فالبیع نافذٌ و لکنّه عاصٍ، و ینتقل الخمس إلی العوض، فلابدّ من أخذ الخمس من الثمن و لا یجوز أخذه من عین الرکاز، کما أمر أمیرالمؤمنین مخرج الرکاز بأداء الخمس من الثمن و قال: «أدِّ خمسَ ما أخذت» یعني خمس ما أخذته من الثمن.

 


[1] العروة الوثقى - جماعة المدرسین، الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، ج4، ص299.
[2] العروة الوثقى و التعليقات عليها، ج12، ص172.
[3] العروة الوثقى و التعليقات عليها، ج12، ص172.
[4] العروة الوثقى و التعليقات عليها، ج12، ص171.
[5] السورة انفال، الأية 41.
[6] الرسائل الفقهيّة، النجم آبادي، الميرزا أبو الفضل، ج1، ص225.
[7] مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ الْأَزْدِيِ‌ قَالَ: وَجَدَ رَجُلٌ رِكَازاً عَلَى عَهْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَابْتَاعَهُ أَبِي مِنْهُ بِثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَ مِائَةِ شَاةٍ مُتْبِعٍ فَلَامَتْهُ أُمِّي وَ قَالَتْ أَخَذْتَ هَذِهِ بِثَلَاثِمِائَةِ شَاةٍ أَوْلَادُهَا مِائَةٌ وَ أَنْفُسُهَا مِائَةٌ وَ مَا فِي بُطُونِهَا مِائَةٌ قَالَ فَنَدِمَ‌ أَبِي فَانْطَلَقَ لِيَسْتَقِيلَهُ فَأَبَى عَلَيْهِ الرَّجُلُ فَقَالَ خُذْ مِنِّي عَشْرَ شِيَاهٍ خُذْ مِنِّي عِشْرِينَ شَاةً فَأَعْيَاهُ‌ فَأَخَذَ أَبِي الرِّكَازَ وَ أَخْرَجَ مِنْهُ قِيمَةَ أَلْفِ شَاةٍ فَأَتَاهُ الْآخَرُ فَقَالَ خُذْ غَنَمَكَ وَ آتِنِي مَا شِئْتَ فَأَبَى فَعَالَجَهُ فَأَعْيَاهُ فَقَالَ لَأُضِرَّنَّ بِكَ فَاسْتَعْدَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَبِي فَلَمَّا قَصَّ أَبِي عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَمْرَهُ قَالَ لِصَاحِبِ الرِّكَازِ أَدِّ خُمُسَ مَا أَخَذْتَ فَإِنَّ الْخُمُسَ عَلَيْكَ فَإِنَّكَ أَنْتَ الَّذِي وَجَدْتَ الرِّكَازَ وَ لَيْسَ عَلَى الْآخَرِ شَيْ‌ءٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخَذَ ثَمَنَ غَنَمِهِ. وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص497، أبواب ابواب ما یجب فیه الخمس، باب6، ح1، ط آل البيت.
[8] الرسائل الفقهيّة، النجم آبادي، الميرزا أبو الفضل، ج1، ص226.