بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/04/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة75؛ المطلب الثاني؛ النظریة الثالثة

 

الدلیل الثالث: صحیحة الريان بن الصلت

في التهذيب بإسناده: عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلْتِ قَالَ: «كَتَبْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ مَا الَّذِي يَجِبُ عَلَيَّ يَا مَوْلَايَ فِي غَلَّةِ رَحَى أَرْضٍ فِي قَطِيعَةٍ لِي وَ فِي ثَمَنِ سَمَكٍ وَ بَرْدِيٍ‌ وَ قَصَبٍ‌ أَبِيعُهُ مِنْ أَجَمَةِ هَذِهِ الْقَطِيعَةِ فَكَتَبَ يَجِبُ عَلَيْكَ فِيهِ الْخُمُسُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى»[1] [2] .

قال صاحب المرتقى: و وجه دلالتها: ظهورها في تقرير الإمام لبيع ما فيه الخمس و هو السمك و تعلّق الخمس بثمنه و هو إنما يتلاءم مع كون تعلقه الشركة في المالية، إذ بناء على النحوين الآخرين - الشركة الحقيقية و الكلي في المعين - لا يجوز التصرف بجميع العين و بيعها.[3]

وقال صاحب المرتقی بضعف سند هذه الروایة و روایة أبي بصیر.

یلاحظ علیه:

الملاحظة الأولی:

إنّ ما أفاده من حرمة التصرّف ببیعه علی مبنی الشرکة الحقیقیة و الإشاعة و مبنی الملکیة علی نحو الکلي في المعیّن لا یصحّ، لعدم الملازمة بین هذین المبنیین و بین حرمة بیعها، فیمکن الالتزام بهذین المبنیین مع الالتزام بجواز بیع العین، کما صرّح بها الشیخ الأنصاري و جمع من الأعلام حیث استدلّوا ببعض الروایات، خصوصاً روایة ریان بن الصلت علی جواز بیع العین في ما إذا قصد أداء الخمس من ثمنها.

و قد قلنا ذیل کلام الشیخ الأنصاري بأنّ مقتضی روایات الباب هو ولایة المکلّف علی تبدیل خمس المال بالعوض و الثمن و لایعدّ ذلک عصیاناً في ما إذا نوی انتقال الخمس من العین المباعة إلی بدلها و عوضها.

و أمّا إذا لم ینو ذلک فالبیع نافذٌ و لکنّه عاصٍ و ینتقل الخمس إلی العوض و البدل قهراً.

قال الشيخ الأنصاري: هل يجوز دفع القيمة في هذه الأشياء؟ الظاهر ذلك، كما صرّح به بعض ... لقوله لمن وجد كنزا فباعه: «أدّ خمس ما أخذت»[4] يعني من الثمن.

و رواية ريّان بن الصلت المتقدّمة في ثمن السمك و البردي و القصب من القطيعة.

و رواية السرائر[5] المتقدّمة فيما يباع من فواكه البستان، ...

و ما تقدّم في مسألة الغنيمة من رواية أبي سيّار[6] حيث جاء بثمانين ألف درهم إلى الصادق.

و كيف كان، فالظاهر من الروايات منضمة إلى ملاحظة سيرة الناس هو جواز التصرّف في الأعيان الخمسيّة مع ضمان الخم

و لو نوى عدم إعطاء الخمس، فالظاهر حرمة التصرّف في العين و كونه غصباً، لأنّه مقتضى التعلّق بالعين، خرج منه صورة الضمان بالأخبار و السيرة.[7]

الملاحظة الثانیة:

أما ما أفاده من ضعف السند في روایة ریان بن الصلت، ففیه:

قال صاحب المدارك: أنّ الشيخ (رحمه اللّه) و إن رواها في التهذيب عنه مرسلا إلّا أنّ طريقه إليه (أي الريّان) في الفهرست صحيح.[8]

قال الشیخ في الفهرست: الريّان بن الصلت، له كتاب، أخبرنا به الشيخ أبو عبد اللّه (محمّد بن محمّد بن النعمان) و الحسين بن عبيد اللّه، عن محمّد بن علي بن الحسين، عن أبيه و حمزة بن محمّد و محمّد بن علي، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الريان بن الصلت. [9]

الدلیل الرابع: موثقة أبي بصير

مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ السَّرَائِرِ نَقْلًا مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كَتَبْتُ إِلَيْهِ فِي الرَّجُلِ يُهْدِي إِلَيْهِ مَوْلَاهُ وَ الْمُنْقَطِعُ إِلَيْهِ هَدِيَّةً تَبْلُغُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ هَلْ عَلَيْهِ فِيهَا الْخُمُسُ؟ فَكَتَبَ: الْخُمُسُ فِي ذَلِكَ.

وَ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ‌ فِي‌ دَارِهِ‌ الْبُسْتَانُ‌ فِيهِ‌ الْفَاكِهَةُ يَأْكُلُهُ الْعِيَالُ إِنَّمَا يَبِيعُ مِنْهُ الشَّيْ‌ءَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ خَمْسِينَ دِرْهَماً هَلْ عَلَيْهِ الْخُمُسُ؟ فَكَتَبَ: أَمَّا مَا أُكِلَ فَلَا وَ أَمَّا الْبَيْعُ فَنَعَمْ هُوَ كَسَائِرِ الضِّيَاعِ»[10] [11] .

قال صاحب المرتقى: و وجه دلالتها على المدعى ظهورها أيضا في جواز بيع الفاكهة المتعلقة للخمس و ثبوت الخمس في ثمنها.

و قد يستشكل في دلالة الروايتين [رواية الريّان و أبي بصير] بظهورهما في وقوع المعاملة قبل انتهاء السنة بل في أثنائها، و هو مما لا إشكال في جوازه على جميع المباني بجواز تأخير أداء الخمس الملازم لجواز التصرف، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

و يدفع: بما تقدم من عدم الدليل على جواز التأخير بل الظاهر لزوم تعجيل الأداء. و عليه فلا يجوز التصرف بالخمس. إلا أنّ هاتين الروايتين ضعيفتا السند كما تقدم.[12]

ملاحظاتنا علیه:

الملاحظة الأولی:

ما قلنا ذیل نظریة الشیخ الأنصاري بأنّ البیع جایزٌ و صحیحٌ في ما إذا نوی أداء الخمس، لولایة المالک علی تبدیله بالثمن و أداء الخمس منه.

الملاحظة الثانیة:

إنّ قوله: «أنّ الظاهر لزوم تعجيل الأداء»، فإنّه قولٌ شاذٌ قد أبطلناه في مسألة 72.

الملاحظة الثالثة:

أما ما أفاده من ضعف السند في روایة أبي بصیر، ففیه:

أولاً: الروایة موجودة في کتاب ابن محبوب، و سند الشیخ الطوسي إلیه صحیح.

قال الشيخ الأنصاري: اشتمالها على «ابن هلال» لا يضرّ بعد إيداع «ابن محبوب» الرواية في كتابه، و هو أعرف بحاله منّا، مع أنّ‌ رواية ابن أبي عمير ما كان يحتاج إلى تلك الواسطة الواحدة، فذكرها لاتّصال السند.[13]

قال المحقق الخوئي: أنّ السند صحيح، فان ابن إدريس ... خصوص طريقه الى محمد بن علي بن محبوب صحيح، لأنه إنما يرويه عما رآه من خط الشيخ و طريق الشيخ الى ابن محبوب صحيح. و قد روى هذه الرواية من طريق ابن محبوب.[14]

ثانیاً: إنّ أحمد بن هلال موثقٌ عندنا، و قد قال النجاشي بأنّه صالح الروایة.

قال المحقق الخوئي: اما أحمد بن هلال فهو و ان كان فاسقا ... و لكن الظاهر أنّه ثقة في نقله و ان كان فاسداً في عقيدته حيث توقف على ابي جعفر و لم يقبل نيابته عن الإمام()، لأنه كان يرى نفسه أحق بالنيابة، إذ لا ينافي ذلك ما نص عليه النجاشي من كونه صالح الرواية كما لا يخفى.[15]

 


[1] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج4، ص139.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص504، أبواب أبواب ما یجب فیه الخمس، باب8، ح9، ط آل البيت.
[3] المرتقى، ص246.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص497، أبواب ما یجب فیه الخمس، باب6، ح1، ط آل البيت.
[5] مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ السَّرَائِرِ نَقْلًا مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَيْهِ فِي الرَّجُلِ يُهْدِي إِلَيْهِ مَوْلَاهُ وَ الْمُنْقَطِعُ إِلَيْهِ هَدِيَّةً تَبْلُغُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ هَلْ عَلَيْهِ فِيهَا الْخُمُسُ فَكَتَبَ ع الْخُمُسُ فِي ذَلِكَ وَ عَنِ الرَّجُلِ‌ يَكُونُ‌ فِي‌ دَارِهِ‌ الْبُسْتَانُ‌ فِيهِ الْفَاكِهَةُ يَأْكُلُهُ الْعِيَالُ إِنَّمَا يَبِيعُ مِنْهُ الشَّيْ‌ءَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ خَمْسِينَ دِرْهَماً هَلْ عَلَيْهِ الْخُمُسُ فَكَتَبَ أَمَّا مَا أُكِلَ فَلَا وَ أَمَّا الْبَيْعُ فَنَعَمْ هُوَ كَسَائِرِ الضِّيَاعِ. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، ابن إدريس الحلي، ج3، ص606.
[6] سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا سَيَّارٍ مِسْمَعَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بِالْمَدِينَةِ وَ قَدْ كَانَ حَمَلَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَالاً فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ. فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ رَدَّ عَلَيْكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَالَ الَّذِي حَمَلْتَهُ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ لَهُ حِينَ حَمَلْتُ إِلَيْهِ الْمَالَ: إِنِّي‌ كُنْتُ‌ وُلِّيتُ‌ الْغَوْصَ‌ فَأَصَبْتُ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَ قَدْ جِئْتُ بِخُمُسِهَا ثَمَانِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَ كَرِهْتُ أَنْ أَحْبِسَهَا عَنْكَ أَوْ أَعْرِضَ لَهَا وَ هِيَ حَقُّكَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَكَ فِي أَمْوَالِنَا. فَقَالَ: وَ مَا لَنَا مِنَ الْأَرْضِ وَ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا إِلَّا الْخُمُسُ. يَا أَبَا سَيَّارٍ! الْأَرْضُ كُلُّهَا لَنَا فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا مِنْ شَيْ‌ءٍ فَهُوَ لَنَا قَالَ قُلْتُ لَهُ: أَنَا أَحْمِلُ إِلَيْكَ الْمَالَ كُلَّهُ. فَقَالَ لِي: يَا أَبَا سَيَّارٍ قَدْ طَيَّبْنَاهُ لَكَ وَ حَلَّلْنَاكَ مِنْهُ فَضُمَّ إِلَيْكَ مَالَكَ وَ كُلُّ مَا كَانَ فِي أَيْدِي شِيعَتِنَا مِنَ الْأَرْضِ فَهُمْ مُحَلَّلُونَ وَ يَحِلُّ لَهُمْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَقُومَ قَائِمُنَا- فَيَجْبِيَهُمْ طَسْقَ مَا كَانَ فِي أَيْدِي سِوَاهُمْ‌ فَإِنَّ كَسْبَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَقُومَ قَائِمُنَا فَيَأْخُذَ الْأَرْضَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَ يُخْرِجَهُمْ عَنْهَا صَغَرَةً. وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص548، أبواب أبواب الأنفال و ما یختص بالإمام، باب4، ح12، ط آل البيت.
[7] كتاب الخمس، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص279.
[8] مدارك الأحكام، الموسوي العاملي، السيد محمد، ج5، ص382.
[9] الفهرست، الشيخ الطوسي، ج1، ص129.
[10] السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، ابن إدريس الحلي، ج3، ص606.
[11] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص504، أبواب ما یجب فیه الخمس، باب8، ح10، ط آل البيت.
[12] المرتقی إلی الفقه الأرقی (الخمس)، ص۲۴۶.
[13] كتاب الخمس، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص86.
[14] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج25، ص213.
[15] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج25، ص214.