46/04/11
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة75؛ المطلب الثاني؛ النظریة الثالثة
ملاحظتنا علی الدلیل الأول:
أولاً: إنّ صاحب المرتقی تصوّر أنّ ما استفاده الشخص في سنته علی مبنی الشرکة الحقیقیة لا يكون بمجموعه ربحاً له بل الربح هو أربعة أخماسه، فقال بأنّ ظهور أدلة خمس أرباح المكاسب في تعلّق الخمس بکلّ الأرباح لا یلائم مع الشرکة الحقیقیة، لأنّ الربح علی الإشاعة هو أربعة أخماس من مجموع ربح.
و نحن لا نسلّم عدم الملائمة علی مبنی الإشاعة، لأنّه خلاف متفاهم العرف، فهنا استعمالان لکلمتي الغنیمة و الاستفادة:
أحدهما: الاستفادة و الغنیمة بمعنی ما حصل علیه من الشغل أو أخذه بأيّ طریق آخر، مثل ما أخذه في الحرب من العدوّ أو أخرجه من البحر أو المعدن.
ثانیهما: الاستفادة و الغنیمة بمعنی ما دخل في ملکه ممّا حصل علیه
فلابدّ من أن نفرّق بین الاستفادة و الغنیمة من التکسب أو الحرب أو الغوص أو المعدن و نحوها و بین الفائدة التي یملکها من المکسب أو نحوه و هي الاستفادة و الغنیمة التي تصیر ملکاً له.
مثال ذلک هو أنّ ما استفاده من البحر هو لؤلؤة و لکن ما یملکه ممّا استفاده هو أربعة أخماس من اللؤلؤة.
و المثال الثاني أنّ ما اکتسبتم و استفدتم من تکسب خاص هو خمسة ملایین علی الفرض، و لکن أربعة أخماس منها للمستفید و الکاسب، و خمس ما اکتسبه و استفاده لأرباب الخمس.
و الاستعمال في آیة الغنیمة هنا بقرینة مقام التشریع هو الاستعمال الأول، لا الاستعمال الثاني الذي تصوّره صاحب المرتقی.
ثانیاً: إنّ الفائدة الحاصلة للمکلّف قبل تشریع الخمس بآیة الغنیمة، کانت کلّها ملکاً له، و لذا الشارع في مقام تشریع الخمس بهذه الآیة، یری أنّ ما استفاده من الربح هو ملکٌ للمکلّف بتمامه، و بعد ذلک یشرّع الخمس بآیة الغنیمة و یملّک حصّةً من أموال المکلّف للغیر، و بعد إیجاب الخمس من قبل الشارع لأرباب الخمس، تبقی لدیه أربعة أخماس الربح.
الدلیل الثاني: رواية الحارث بن الحصيرة الأزدي
عدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَضِيرَةَ الْأَزْدِيِّ قَالَ: «وَجَدَ رَجُلٌ رِكَازاً عَلَى عَهْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَابْتَاعَهُ أَبِي مِنْهُ بِثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَ مِائَةِ شَاةٍ مُتْبِعٍ فَلَامَتْهُ أُمِّي ... قَالَ فَنَدِمَ أَبِي فَانْطَلَقَ لِيَسْتَقِيلَهُ فَأَبَى عَلَيْهِ الرَّجُلُ ... فَأَخَذَ أَبِي الرِّكَازَ وَ أَخْرَجَ مِنْهُ قِيمَةَ أَلْفِ شَاةٍ، فَأَتَاهُ الْآخَرُ فَقَالَ: خُذْ غَنَمَكَ وَ ائْتِنِي مَا شِئْتَ، فَأَبَى فَعَالَجَهُ فَأَعْيَاهُ، فَقَالَ: لَأُضِرَّنَّ بِكَ، فَاسْتَعْدَى إِلَى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَبِي، فَلَمَّا قَصَّ أَبِي عَلَى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ أَمْرَهُ قَالَ لِصَاحِبِ الرِّكَازِ: «أَدِّ خُمُسَ مَا أَخَذْتَ فَإِنَّ الْخُمُسَ عَلَيْكَ فَإِنَّكَ أَنْتَ الَّذِي وَجَدْتَ الرِّكَازَ وَ لَيْسَ عَلَى الْآخَرِ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخَذَ ثَمَنَ غَنَمِهِ»[1] [2] [3] .
قال صاحب المرتقى: إنها ظاهرة في جواز التصرف و البيع و انتقال الخمس الى الثمن، كما يدل عليه قوله: «أَدِّ خُمُسَ مَا أَخَذْتَ، ... وَ لَيْسَ عَلَى الْآخَرِ شَيْءٌ».[4]
المناقشة في الاستدلال بهذه الرواية
إنّ الروایة ساقطةٌ عن الاستدلال بها علی مبنی الإشاعة الحقیقیة و علی مبنی الملکیة بنحو الكلي في المعين و علی مبنی الملکیة علی نحو الشرکة في المالیة و علی مبنی تعلّق الخمس بالعین علی نحو الحق و هکذا علی مبني تعلّق الخمس بالذمة.
قال صاحب المرتقى: و لكن الاستدلال بها ممنوع بما ذكره صاحب الحدائق) [5] من أنّها لا تدلّ على شيء من الاحتمالات في المسألة، بعد ظهور أمر الإمام بإخراج الخمس من الثمن في كونه بياناً للحكم الشرعي، لا أنّه إمضاء للمعاملة و انتقال الحق إلى الثمن بمقتضى الولاية، إذ مقتضى الشركة الحقيقية بطلان المعاملة بالنسبة إلى مقدار الخمس.
و هكذا الحال بالنسبة إلى مقتضى الثبوت بنحو الكلي في المعين، لعدم جواز التصرف في مجموع العين.
و مقتضى الشركة في المالية عدم صحة التصرف لفرض بيع العين بأقل من قيمتها و قد عرفت عدم صحته، مع أنه يلزم إعطاء ما يقابل خمس العين حقيقة من الثمن لا خمس الثمن[6] .
و هكذا الحال بناء على اشتغال الذمة، فإنّ الذمة تشتغل بمقدار الخمس و خمس الثمن أقل منه، و منه تعرف الحال فيما لو بنى أنّه بنحو الحق.
و بالجملة، لا يظهر انطباق وجوب خمس الثمن على أحد هذه الاحتمالات، فالرواية ساقطة عن الاستدلال بها على المدّعى.[7]
ملاحظتنا علیه:
أولاً: أنّه یمکن الاستدلال بالروایة علی جمیع الأنظار و المباني في تعلّق الخمس المذکورة في کلام صاحب المرتقی في ما إذا قلنا بنظریة المحقق الخوئي من أنّ الخمس حین البیع ینتقل إلی البدل، فیجوز التصرف في المبیع للمشتري و أما البایع فلا یجوز له التصرف في الثمن و هو في المثال ثلاثمأة درهم و مأة شاة متبع.
ثانیاً: أنّ صاحب المرتقی ناقش في الروایة من جهة عدم صحة التصرف لفرض بيع العين بأقل من قيمتها و قد عرفت عدم صحته.
و الجواب هو أنّ الذمة تشتغل بخمس الثمن الذي أخذه من المشتري في ما إذا لم یکن إجحافاً و لا غبناً علی البایع، و المفروض هنا عدم الغبن علیه و إلا یجوز للبایع فسخ المعاملة مع أنّ الإمام خلافاً لما أراده البایع أقرّ المعاملة و بنی علی عدم فسخها، و الوجه في ذلک هو أنّ الثمن في بعض الأعیان، مثل الجواهر متفاوت کثرةً و قلّةً، و لیس البایع ضامناً لأرباب الخمس بقیمة الأکثر.
فعلی هذا إنّ ما في الروایة یلائم جمیع المباني، خلافاً لما تصوّره صاحب المرتقی حیث توهّم سقوط الروایة عن الاستدلال بها، لعدم ملائمتها مع جمیع المباني.