بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/04/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة75؛ المطلب الأول؛ النظریة الثانیة

 

النظرية الثانية: تعلّق الخمس بالعين

و اختار هذه النظرية أكثر الأعلام و لا نذكر كل العبارات تجنّباً للتطويل.

قال الشيخ الأنصاري: الظاهر تعلّق الخمس بالعين في الغنيمة و المعدن و الكنز و الغوص و الأرض المبتاعة من المسلم، و الحلال المختلط بالحرام، و المظنون عدم الخلاف في ذلك.

و أمّا أرباح المكاسب، فالظاهر أنّها كذلك، لأنّه الظاهر من أدلّتها سيّما الآية[1] التي استدلّ‌ بها كثير من الأصحاب.

لكنّ‌ الظاهر: عدم وجوب أن يُخرج من كلّ‌ عينٍ خمسه، لصدق إخراج خمس الفائدة، بل الظاهر أنّ‌ الحكم كذلك في الكنز و الغوص و المعدن إذا اشتملت على أجناس مختلفة.[2]

قال المحقق الحكيم: [الخمس متعلّق بالعين] بلا خلاف ظاهر، بل المظنون عدم الخلاف فيه، كما في رسالة شيخنا الأعظم).[3]

قال المحقق الخوئي: [الخمس بجميع أقسامه متعلّق بالعين] كما في الزكاة من غير خلاف فيه.[4]

دلیل النظریة الثانیة:

قال المحقق الخوئي: تقتضيه ظواهر الأدلّة من الكتاب و السنّة، حيث تضمّنت إسناد الخمس إلى نفس العين بتعابير مختلفة من قوله: «خمسه» أو: «فيه الخمس» أو: «الخمس عليه» أو: «فيه» و نحو ذلك ممّا يظهر منه التعلّق بنفس الموضوعات و الأعيان الخارجية دون الذمّة.[5]

قال المحقق الخلخالي: و الصحيح ما أفاده [الشیخ من تعلق الخمس بالعین] في جميع أقسام الخمس لظهور أدلتها في ذلك لا سيما الآية الكريمة قوله تعالى ﴿وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ‌ مِنْ‌ شَيْ‌ءٍ‌ فَأَنَّ‌ لِلّه خُمُسَهُ‌﴾[6] ... فإنها تضمنت إضافة الخمس إلى نفس الغنيمة مع التعبير ب‌ «لام الملك» فإن الضمير في المضاف إليه في قوله تعالى: «خُمُسَهُ»‌ راجع إلى الموصول [مٰا غَنِمْتُمْ‌] و هو الغنيمة من كلّ شيء، فتدل على ثبوت الخمس في نفس الغنيمة فتكون كقولك «لي من هذه الدار نصفها» و ظاهر اللام الملكية، و المفروض شمول الآية الكريمة لمطلق ما يتعلق به الخمس من الأقسام المذكورة.

أما الروايات: فهي على طوائف تدل على المطلوب:

جملة من الروايات المتضمنة ل‌ «لام الملك» مضافة إلى نفس العين الخارجيّة فتكون كالآية في الدلالة على ذلك ...

و من الروايات ما تضمنت لفظة «من» الدالة على التبعيض أي من المال الذي فيه الخم..

و من الروايات ما جاء فيه من التعبير بكلمة «في» أي في الربح الخمس، و من المعلوم أن الكل ظرف لبعضه ...

4 - ما تدل على حرمة الشراء من الخمس حتى يصل إليهم حقهم( ...

5 - و من الروايات ما تضمنت لفظ «على» مضافا إلى نفس الأشياء الخارجيّة[علیها الخمس] .[7]

المطلب الثاني: كيفية تعلّق الخمس بالعين

هنا نظريات:

النظرية الأولی: تعلّق الخمس بالعين بالملکیة علی وجه الإشاعة الحقیقیة

اختار هذه النظرية أكثر الأعلام منهم المحقق الخوئي و بعض الأكابر و السيد محمود الحسيني الشاهرودي و السيد محمد رضا الگلپايگاني و الشيخ آل ياسين و الشيخ اللنكراني.

قال المحقق الخوئي: و أمّا في باب الخمس فالأدلّة بين ما هو ظاهر في الإشاعة و الشركة الحقيقيّة و بين ما لا ينافي ذلك، ... فلا مانع من الأخذ بما عرفت ممّا كان ظاهراً في الإشاعة، لسلامته عن المعارض.

قال بعض الأکابر في تعلیقة العروة: الأقرب أنّ الشرکة علی وجه الإشاعة.[8]

قال الشیخ علي الصافي: إنّ‌ ما يأتى بالنظر عاجلاً هو كون تعلق الخمس بنحو الشركة اشاعة بمعنى كون خمس كل جزء جزء من العين من ارباب الخمس مثل كون كل جزء جزء من المالك بقدر سهمه ... الأقوى كون التعلق بنحو الشركة و إن الخمس كسر مشاع من العين.[9]

قال الشيخ اللنكراني: كونه على وجه الكلّيّ‌ في المعيّن محلّ‌ إشكال، والأوفق بظواهر الأدلّة كونه على نحو الإشاعة.[10]

الدلیل علی النظریة الأولی:

إنّه قد اختلفت نصوص أدلة وجوب الخمس الواردة لبيان تشريعه، فلابدّ أولاً من البحث حول عبارات النصوص، و ثانیاً حول استظهار کیفیة تعلّق الخمس من تلک النصوص.

النص الأول: لام الملکیة في آیة الغنیمة (فَأَنَّ‌ لِلّهِ خُمُسَهُ) و غیرها

قال المحقق الحكيم: في بعضها: أضيف الخمس إلى نفس الموضوع مثل آية الغنيمة[11] ، و بعض النصوص. و الظاهر منه: أن المستحق كسر مشاع في العين.[12]

قال المحقق الخوئي: قوله تعالى ﴿فَأَنَّ‌ لِلّهِ خُمُسَهُ﴾[13] ظاهرٌ في أنّ‌ المتعلّق هو خمس المغنم نفسه على نحوٍ يكون الخمس المشاع للمستحقّ‌، و الأربعة أخماس الباقية للمالك، نظير قولك: «بعت أو وهبت خمس الدار» الذي هو ظاهر في الكسر المشاع بلا إشكال.[14]

قال الشیخ علي الصافي الگلبایگاني: إنّ‌ المستفاد من الآية الشريفة و اللّه اعلم هو كون خمس ما غنمتم للّه و للرسول و لذى القربى الخ. فإنّ قوله (للّه) يدلّ‌ على اختصاص خمس الشيء الحاصل بالغنيمة للّه و للرسول و لذى القربى (الخ)... الأقوى كون التعلق بنحو الشركة و إن الخمس كسر مشاع من العين.[15]

النص الثاني: الظرفیة في موثّقة سماعة[16] [17] و مصحّحة عمار بن مروان[18]

استظهار المحقق الحكيم: الخمس قائم في العين نحو قيام الحق بموضوعه

في ظهوره [مصحّح عمار بن مروان] في الكسر المشاع إشكال، لأن الخمس و إن كان معناه الكسر المشاع، لكن جعله مظروفاً للعين يناسب جداً - بقرينة ظهور تباين الظرف و المظروف - أن يكون المراد به مقداراً من المال يساوي الخمس، قائماً في العين نحو قيام الحق بموضوعه.[19]

استظهار المحقق الخوئي: الکسر المشاع (هو المختار)

إنّ الكسر المشاع جزء من المركّب المشتمل عليه. و بهذه العناية صحّت الظرفيّة، إذ الكلّ‌ مشتمل على الجزء، نظير قولك: «الرأس في الجسد» أو «اليد في البدن».[20]

ملاحظتنا علی استظهار المحقق الحکیم و المحقق الخوئي

أولاً: یمکن أن یقال بأنّ الروایتین في مقام بیان ما یجب فیه الخمس و لیستا في مقام بیان کیفیة تعلّق الخمس.

ثانیاً: لو سلّمنا أنّ الروایتین وردتا في مقام بیان کیفیة تعلّق الخمس، فلا مانع من ظهورهما في الكسر المشاع، لأنّ الخمس بنحو الکسر المشاع جزء من العین التي تعلّق بها الخمس فتکون العین ظرفاً للخمس الذي موجود فیها بنحو الکسر المشاع.

و علیه فهاتان الروایتان یحتمل فیهما وجهان:

الأول: الملکیة بنحو الکسر المشاع، کما قرّرنا احتمال ذلک.

الثاني: الحق القائم في العين، نحو قيام الحق بموضوعه، کما قرّره المحقق الحکیم.

فلا وجه للاستدلال بهما، لتردیدهما بین النظریتین.

النص الثالث: الاستعلاء في مرسلة ابن أبي عمير[21]

استظهار المحقق الحكيم:

إبدال حرف الظرفية بحرف الاستعلاء، مثل مرسل ابن أبي عمير عن غير واحد ... و ظهوره في كون الخمس حقاً مفروضاً على العين واضح.[22]

ملاحظتنا علی استظهار المحقق الحکیم

أولاً: یمکن أن یقال بأنّ مرسلة ابن أبي عمیر في مقام بیان ما یجب فیه الخمس و لیس في مقام بیان کیفیة تعلّق الخمس. فیکون المعنی: إنّ الله تعالی شرّع الخمس علی هذه الأشیاء.

ثانیاً: لو سلّمنا أنّ الروایة وردت في مقام بیان کیفیة تعلّق الخمس، فلا مانع من ظهورها في الكسر المشاع أیضاً، لأنّه یتصوّر ظهورها في کون الخمس ملکاً لأرباب الخمس مفروضاً علی العین.

استظهار المحقق الخوئي: ثبوت الخمس علی هذه الأمور (المختار)

إنّ مفاده أنّ‌ الخمس ثابت على هذه الأُمور و أمّا أنّ‌ كيفيّة التعلّق بتلك الأُمور بأيّ‌ نحو فلا دلالة لهذه الأخبار عليها بوجه.[23]

النص الرابع: حرف من الابتدائیة، مثل مرسلة حمّاد[24]

استظهار المحقق الحكيم: الأظهریة في کسر المشاع

هذا المضمون صالح لكل من المعنيين [کسر المشاع و الحقّ المفروض علی العین]، و إن كان هو في الكسر المشاع أظهر.[25]

ملاحظتنا علی استظهار المحقق الحکیم

أولاً: یمکن أن یقال بأنّ مرسلة حمّاد في مقام بیان ما یجب فیه الخمس و لیس في مقام بیان کیفیة تعلّق الخمس.

ثانیاً: لو سلّمنا أنّ الروایة وردت في مقام بیان کیفیة تعلّق الخمس، فلا رجحان للقول بالکسر المشاع علی القول بالحقّ، فإنّ الروایة دالّةٌ علی لزوم إخراج الخمس حقّاً کان أو ملکاً من هذه الإشیاء.

استظهار المحقق الخوئي: إخراج الخمس من هذه الأمور

إنّ مفاده أنّ‌ الخمس ثابت على هذه الأُمور و أمّا أنّ‌ كيفيّة التعلّق بتلك الأُمور بأيّ‌ نحو فلا دلالة لهذه الأخبار عليها بوجه.[26]

 


[1] السورة انفال، الأية 41.
[2] كتاب الخمس، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص278.
[3] مستمسك العروة الوثقى، الحكيم، السيد محسن، ج9، ص554.
[4] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج25، ص284.
[5] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج25، ص284.
[6] السورة انفال، الأية 41.
[7] فقه الشيعة‌، کتاب الخمس، الموسوي الخلخالي، السيد محمد مهدي، ج2، ص280.
[8] العروة الوثقى - جماعة المدرسین، الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، ج4، ص299.
[9] ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، الصافي الگلپايگاني، الشيخ علي، ج10، ص215.
[10] العروة الوثقى و التعليقات عليها، ج12، ص170.
[11] السورة انفال، الأية 41.
[12] مستمسك العروة الوثقى، الحكيم، السيد محسن، ج9، ص558.
[13] السورة انفال، الأية 41.
[14] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج25، ص293.
[15] . ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، الصافي الگلپايگاني، الشيخ علي، ج10، ص215.
[16] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج1، ص545.
[17] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص503، أبواب ابواب ما یجب فیه الخمس، باب8، ح6، ط آل البيت.
[18] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص494، أبواب ابواب ما یجب فیه الخمس، باب3، ح6، ط آل البيت.
[19] مستمسك العروة الوثقى، الحكيم، السيد محسن، ج9، ص559.
[20] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج25، ص293.
[21] . وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص486، أبواب ابواب ما یجب فیه الخمس، باب2، ح2، ط آل البيت.
[22] مستمسك العروة الوثقى، الحكيم، السيد محسن، ج9، ص559.
[23] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج25، ص293.
[24] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص487، أبواب ابواب ما یجب فیه الخمس، باب2، ح4، ط آل البيت.
[25] مستمسك العروة الوثقى، الحكيم، السيد محسن، ج9، ص559.
[26] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج25، ص293.