بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/04/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة74؛ الصورة الثانیة؛ النظریة التاسعة

 

النظریة التاسعة: لا یجبر احتیاطاً مع استقلال کلّ نوع من التجارة و إلا فتجبر

ذهب السيد المحقق السيستاني إلى ما قال به أصحاب النظرية السابقة من التفصيل بين التجارات المتعدّدة التي لا يلمّها مركز واحد و بين التجارات المتعدّدة التي يديرحساباتها مركز واحد إلّا أنّه لم يفتِ بعدم الجبر في الأوّل و احتاط.

قال المحقق السيستاني: إذا وزع رأس ماله على تجارات متعددة كما إذا اشترى ببعضه حنطة و ببعضه سكراً فخسر في أحدهما و ربح في الآخر جاز جبر الخسارة بالربح على الأظهر، نعم إذا تمايزت التجارات فيما يرتبط بشئون التجارة من رأس المال و الحسابات و الأرباح و الخسائر و نحوها ففي جواز الجبر إشكال، و الأحوط لزوماً عدم الجبر.[1]

یلاحظ علیها:

فقد اتضح الإیراد علیه عند الملاحظة علی النظریة السابقة فلا يبقى وجهٌ للاحتياط فلا نعيد و لعلّه احتاط و لم يفتِ لما ذكرناه هناك.

النظرية العاشرة: لا تجبر الخسارة احتیاطاً مع استقلال کلّ نوع من التجارة و إلا فتجبر و لا یجبر التلف

قال بها المحقق السید موسی الشبیري الزنجاني في المسائل الشرعیة، خلافاً لما في تقریراته.

و تستظهر هذه النظریة من تفصیله في الصورة الثالثة،

و ملخص الکلام:

أما في صورة الخسارة: ففي الصورة الثانیة یفصل بین استقلال التکسبات و عدم استقلالها.

أما مع عدم استقلالها: فلابدّ من الفتوی بالجبر حیث إنّه في الصورة الثالثة أفتی بالجبر.

أما مع استقلالها: فهنا ثلاثة احتمالات:

الاحتمال الأول: الفتوی بالجبر، فهذا الاحتمال باطل، لأنّه لا یناسب التفصیل بین الاستقلال و عدم الاستقلال، فإنّه قیّد الجبر بفرض عدم الاستقلال، خصوصاً مع ملاحظة ما أفاده في تقریرات بحثه من أنّه یری أنّ القاعدة في فرض الاستقلال عدم الجبر.

الاحتمال الثاني: الفتوی بعدم الجبر، و هذا الاحتمال أیضاً باطل، لأنّه في الصورة الثالثة ما أفتی بعدم الجبر بل احتاط فالصورة الثانیة أولی بأن لا یفتي بعدم الجبر.

الاحتمال الثالث: الاحتیاط في عدم الجبر، کما في الصورة الثالثة، و هذا الاحتمال هو الصحیح بعد بطلان الاحتمالین الأولین.

أما في صورة التلف: فأفتی بعدم الجبر في جمیع الصور الثلاث، و نأتي بعبارته في بیان الصورة الثالثة

یلاحظ علیها:

فقد اتضح النقاش فیه عند الإیراد علی النظریة الثامنة.

الصورة الثالثة: جبر خسارة نوع من التکسّب و تلفه بربح نوع آخر

و ذلك كأن يخسر في التجارة و يربح في الزراعة.

لا یخفی أنّه من قال بعدم الجبر في الصورة الثانیة فبطریق أولی لابدّ أن یعتقد بعدم الجبر في الصورة الثالثة، کما أنّ من قال بالجبر في الصورة الثالثة فبطریق أولی لابدّ أن یعتقد بالجبر في الصورة الأولی و الثانیة.

فهنا نظريات:

النظریة الأولی: جبر الخسارة و السکوت عن حکم التلف

يظهر من إطلاق كلام الشهید الأول و المحقق السبزواري و العلّامة المجلسي.

قال الشهید الأول: و يجبر خسران التجارة و الصناعة و الزراعة بالربح في الحول الواحد.[2]

و مثلهما بعضٌ آخر من الأعلام قد تقدمت کلاماتهم في المسألة السابقة مثل المحقق السبزواري[3] [4] و العلّامة المجلسي[5]

النظریة الثانیة: جبر الخسارة و التلف (مختار)

قال بها المحقق الحکیم و السید الشهید المحقق الصدر و السید محمد سعید الحکیم و السید محمود الهاشمي الشاهرودي و هو المختار.

قال المحقق الحكيم: ... و كذا يجبر الخسران بالربح فيما إذا وزع رأس ماله على تجارات متعددة، كما إذا اشترى ببعضه حنطة و ببعضه سمنا فخسر في أحدهما و ربح في الآخر، بل الظاهر الجبران مع اختلاف نوع الكسب كما إذا اتجر ببعض رأس المال و زرع بالبعض الآخر فخسر في التجارة و ربح في الزراعة ... و كذا الحكم فيما إذا تلف بعض رأس المال أو صرفه في نفقاته كما هو الغالب في أهل مخازن التجارة فإنهم يصرفون من الدخل قبل أن يظهر الربح، و ربما يظهر الربح في أواخر السنة فيجبر التلف بالربح أيضا في جميع الصور المذكورة.[6]

و الشهید الصدر أیضا قال بذلك حیث لم یعلّق علی کلام المحقق الحکیم.[7]

و مثله ما قاله السید محمود الهاشمي الشاهرودي[8] و السید محمد سعید الحکیم[9] .

أدلة هذه النظریة

الدلیل علی هذه النظریة: المناط ملاحظة مجموع أرباح السنة

إنّ المناط عندنا في استثناء المؤونة و جبر الخسارة و التلف ملاحظة مجموع الأرباح الحاصلة للمکلّف في ما یتکسّب به کلّ عام، و هنا وجهان للحاظ الأرباح بصورة مجموعیة:

الأول: مقتضی استثناء مؤونة السنة و هو الصحیح عندنا، کما تقدّم في کلام السید الخلخالي في الصورة الثانیة.

الثاني: بمقتضی أدلّة تعلّق الخمس و وجوبه بمجموع الأرباح الحاصلة في السنة، کما اختاره جمع من الأعلام، مثل المحقق الحکیم و السید محمد سعید الحکیم.

قال الشيخ الأنصاري: و لو كانا [الخسران و الربح] في مالين ففي الجبران إشكال، أقربه ذلك، كما قطع بالجبران في الدروس و علّله بعض: بأنّ‌ المناط الأرباح الحاصلة في تجارة كلّ‌ عام، لا في خصوص كلّ‌ مال.[10]

قال المحقق الخوئي: إنّما الكلام فيما لو كان الشغل مختلفاً، كما لو كان تاجراً و زارعاً فربح في أحدهما و خسر في الآخر، فهل يحكم بالجبر حينئذٍ؟

أفتى [صاحب العروة] بالعدم، نظراً إلى تعدّد العنوان.

و لكن للمناقشة فيه مجال، إذ العنوان و إن تعدّد إلّا أنّ شيئاً منها لم يكن ملحوظاً بالذات، بل الكلّ مقدّمة للاسترباح و لتحصيل المال و الاختلاف إنّما هو في سبل تحصيله، فهو في آخر السنة يلاحظ مجموع العائد من كسبه المنشعب إلى قسمين أو أقسام، فإذا ربح في البعض و خسر في الآخر يجري الكلام المتقدّم حينئذٍ من أنّه لم يربح بمقدار خسارته، و لا أقلّ من الشكّ في صدق الاستفادة و شمول الأدلّة له، و مقتضى الأصل البراءة عن الوجوب، و لكن الاحتياط في محلّه.[11]

و یوجد هذا الدلیل في کلام المحقق الهمداني: لا يلاحظ في إطلاق الربح و الخسران كلّ‌ جزئي جزئي من المعاملات بحياله تجارة مستقلّة.[12]

قال السید محمد سعید الحکیم: الكلام في المقام يبتني على كون الخسران مانعاً من صدق الربح وعدمه. ولا إشكال في عدم مانعيته منه لو كانت موارد الفوائد ملحوظة بنحو الانحلال، بأن يلحظ كل مورد بحياله و استقلاله ... بخلاف ما لو كانت ملحوظة بنحو المجموعية و يكون تطبيق الربح بلحاظ ما يتبقى للمكلف ويصفو له ... و إنما الخلاف مع تعدد أفراد التكسب من نوع واحد أو من أنواع متعددة مع استقلال كل منها في رأس المال و في جهاز العمل.

وذلك كاشف عن أن أخذ الغنم والربح والفائدة في موضوع الخمس ليس مبنياً على لحاظ موضوعاتها بنحو الانحلال بل بنحو المجموعية، فالموضوع هو الفائدة المتحصلة من مجموع الموضوعات، وهو الصافي المتبقي في يد المكلف من أرباح السنة. وحينئذٍ يتعين البناء على عموم جبر الربح للخسران لما إذا تعددت أفراد التكسب من نوع واحد أو من أنواع متعددة، لأن المستفاد من مجموع الأدلة كون ثبوت الخمس في فوائدها وأرباحها بلحاظ عموم وجوب الخمس في المغنم والفوائد المستفاد من الآية الشريفة وغيرها، حيث يلزم تنزيل العموم المذكور على المجموعية بلحاظ ما سبق، من دون فرق بين أفراده، وليس ثبوت الخمس في كل منها بخصوصيته...

على أن ما ذكرنا من لحاظ المجموعية هو المناسب لما تقدم من استثناء مؤنة تحصيل الربح والفائدة، الذي تقدم ظهور المفروغية عنه بين الأصحاب.[13]

النظریة الثالثة: عدم الجبر في الخسران و التلف

قال بها صاحب الجواهر في الجواهر خلافاً لمجمع الرسائل و الشیخ الأنصاري في تعلیقته علی مجمع الرسائل (خلافاً لما أفاده في کتاب الخمس) و المحقق الهمداني و صاحب العروة و المحقق الحائري و المحقق النائيني و السيد أبو الحسن الإصفهاني و المحقق العراقي و المیرزا هاشم الأملي و السید الگلبایگاني في هدایة العباد، خلافاً لما أفاده في تعلیقة العروة.[14] و المحقق البهجت و المحقق الفیاض.

قال صاحب الجواهر في جواهر الکلام: قد يقوى ما هو الأحوط من عدم جبر خسارة أو تلف مال تجارة بربح أخرى.[15]

و قال في نجاة العباد: الأحوط ان لم يكن اقوى عدم جبر تلف مال تجارة بل و خسارتها بربح أخرى خصوصاً اذا فرض تعقب الرّبح للخسارة.[16]

و لا یخفی أنّ عبارته هنا و إن استُظهر أنّها ترتبط بالصورة الثانیة و لکن دلیلها جارٍ بالنسبة إلی الصورة الثالثة.

و تستفاد هذه النظریة من تعلیقة الشیخ الأنصاري و صاحب العروة علی رسالة مجمع الرسائل حیث قالا عند احتیاط صاحب الجواهر في الاکتفاء في الجبران علی التجارة الواحدة بأن الاقتصار علیها لا یخلو من قوة.[17]

قال المحقق الهمداني: و لا يعدّ على الظاهر جبر الخسارات، أو تدارك النقص الوارد عليه بسرقة أو غصب و نحوه، و لو في هذه السنة، فضلا عن السنين السابقة من المئونة عرفا.[18]

قال السيد أبو الحسن الإصفهاني: و اولى بعدم الجبران فيما لو كان له تجارة و زراعة فخسر في إحداهما و ربح في أخرى، بل عدم الجبر هاهنا هو الأقوى.[19]

و قال الأستاذ المحقق البهجت: وأمّا لو اتجر به أنواعاً من التجارة، أو كان له تجارة وزراعة فخسر في بعض وربح في آخر، فالأظهر والأحوط عدم الجبران.[20]

قال الشیخ الفیاض: اذا كان له نوعان من التكسب كالتجارة و الزراعة، فربح في أحدهما و خسر في الآخر، ففي جبر الخسارة بالربح إشكال بل منع، و الأقوى عدم الجبر.[21]

الاستدلال علی هذه النظریة:

قال الشیخ الفیاض: يظهر وجه ذلك مما تقدم من أن موضوع وجوب الخمس حصة خاصة من الفائدة و الغنيمة، و هي التي استفادها المرء و غنمها في عام المؤونة و لم تصرف فيها طول مدة العام، و من المعلوم ان تلف راس المال عنده كلا أو بعضا، أو خسرانه في نوع آخر من تجارته، كل ذلك لا يرتبط بموضوع وجوب الخمس، و لا يمنع عن تحققه و صدق انه استفاد في تجارته هذه و خسر في تلك، على أساس أنه لا علاقة بين الأمرين، فان الخمس تعلق بالفائدة التي استفادها المرء في عام المؤونة و لم تصرف فيها، و التلف أو الخسران تعلق بمال آخر لا يرتبط بها و لا ولاية للمالك على أن يضع من الفائدة في نوع من تجارته موضع الخسران في نوع آخر أو يتدارك بها ما تلف من رأس ماله.[22]

یلاحظ علیها:

قد تقدّم أنّ المناط عندنا في استثناء المؤونة و جبر الخسارة و التلف ملاحظة مجموع الأرباح الحاصلة للمکلّف في ما یتکسّب به کلّ عام، و أشرنا إلی وجهه فلا نعید.


[1] منهاج الصالحين، السيستاني، السيد علي، ج1، ص401.
[2] الدروس الشرعية في فقه الإمامية‌، الشهيد الأول، ج1، ص259.
[3] ذخیرة المعاد في شرح الإرشاد، المحقق السبزواري، ج3، ص484.
[4] كفاية الأحكام، المحقق السبزواري، ج1، ص213.
[5] مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، العلامة المجلسي، ج6، ص275.
[6] منهاج الصالحين، الحكيم، السيد محسن، ج1، ص470.
[7] الموسوعة الشهید الصدر.، ج13، ص488-489
[8] منهاج الصالحین (للسید الشاهرودي.)، ج1، ص365، م1233
[9] منهاج الصالحین (للسید محمد سعید الحکیم.)، ج1، ص435، م 59
[10] كتاب الخمس، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص213.
[11] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج25، ص283.
[12] مصباح الفقيه، الهمداني، آقا رضا، ج14، ص134.
[13] مصباح المنهاج / كتاب الخمس، الحكيم، السيد محمد سعيد، ج1، ص272.
[14] هدايةالعباد، الگلپايگاني، السيد محمد رضا، ج1، ص325.
[15] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج16، ص61.
[16] نجاة العباد، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج1، ص86.
[17] مجمع الرسائل، نجفی، محمد حسن، ج1، ص514.
[18] مصباح الفقيه، الهمداني، آقا رضا، ج14، ص133.
[19] وسيلة النجاة (المحشي)، الگلپايگاني، السيد محمد رضا، ج1، ص314.
[20] وسيلة النجاة، الشيخ محمد تقي البهجة، ج1، ص395.
[21] منهاج الصالحين، الفياض، الشيخ محمد إسحاق، ج2، ص73.
[22] تعاليق مبسوطة على العروة الوثقى، الفياض، الشيخ محمد إسحاق، ج7، ص175.