بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/04/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة74؛ الصورة الثانیة؛ النظریة الثامنة

 

النظریة الثامنة: إذا كان کلّ نوع من التجارة مستقلة لا تجبر و إلا فتجبر

قال المحقق العراقي [تعلیقاً علی کلام صاحب العروة الأحوط عدم جبر خسران نوع بربح أخرى لكن الجبر لا يخلو عن قوة]: مع صدق تعدّد التجارة علىٰ‌ وجهٍ‌ ينتهي كلّ‌ واحد إلىٰ‌ رأس مال مستقلّ‌ في القوّة نظر؛ لأنّ‌ ربح كلّ‌ تجارة موضوع مستقلّ‌ للخمس وإن كان المجموع بالإضافة إلى استثناء المؤونة موضوع واحد، بمعنىٰ‌ استثناء مؤونة واحدة عن الجميع؛ وذلك أيضاً مع فرض اتّحاد سنة بروز كلٍّ‌ من الربحَين، وإلّا فحالهما حال ربح مال التجارة ومال الإجارة الخارجة عن هذه التجارة المنتهية إلىٰ‌ رأس مال مخصوص [فقد تقدّم في تعلیقته علی المسألة 56 و في شرحه علی التبصرة أنّ العرف حاكم بتعدد الفوائد عند تعدد أنواع التكسب، من التجارة و الزراعة و غيرهما و نتیجة ذلک عدم الجبر].[1]

قال بعض الأكابر: الظاهر أنّ‌ الميزان في الجبر وعدمه هو استقلال التجارة ورأس المال وعدمه، بمعنى‌ أنّه لو كان له رأس مال جعله في شُعَبٍ‌ يجمعها شعبة مركزية بحسب المحاسبات والدخل والخرج والدفتر يجبر النقص، ولو كانت الأنواع مختلفة، ولو كان له رأس مال آخر مستقلّ‌ غير مربوط بالآخر من حيث رأس المال والجمع والخرج والمحاسبات لم يجبر به نقص الآخر ولو كان الاتّجار بنوع واحد، وكذا الحال في التجارة والزراعة، فيجري فيهما ما ذكرنا من استقلال رأس المال وعدمه.[2]

و قال في تحرير الوسيلة: وكذا [يُجبَر الخسران بالربح] لو اتّجر في أنواع مختلفة من الأجناس في مركز واحد ممّا تعارف الاتّجار بها فيه من غير استقلال كلّ‌ برأسه، كما هو المتعارف في كثير من البلاد و التجارات.

... نعم، لو كان أنواع مختلفة من التجارة، ومراكز متعدّدة غير مربوطة بعضها ببعض بحسب الخرج و الدخل والدفتر و الحساب، فالظاهر عدم جبر نقص بعض بالآخر، بل يمكن أن يقال: إنّ‌ المعيار استقلال التجارات لا اختلاف أنواعها.[3]

قال السيد محمد رضا الگلپایگاني بهذه النظریة في تعلیقته علی وسیلة النجاة [و إن لم یعلّق في هذه الصورة علی العروة]: الجبر لا يخلو عن قوة مع اتحاد رأس المال و ان كان العدم أحوط.[4]

الدليل على هذه النظرية:

و قال المحقق العراقي في شرح تبصرة المتعلمین بعدما قال بأنه في صورة تعدد أنواع التکسب حکم العرف بتعدد الفوائد: بعد ما ورد بأنّ‌ الخمس في كل فائدة، فالمرجع في وحدة سنخ الفائدة و تعددها حكم العرف، و من المعلوم أنه حاكم بتعدد الفوائد عند تعدد أنواع التكسب، من التجارة و الزراعة و غيرهما، و لا يرى تمام ما يملكه شيئا واحدا، و الزيادة بالقياس إليه من أي جهة فائدة واحدة.

نعم يبقى الكلام في أنّ‌ العرف يقتصرون في حكمهم بتعدد الفوائد على صورة تعدد أنواع التكسب أم يرون تعدد أصناف كل نوع أيضا موجبا لتعدد عنوان الفائدة، الواقعة موضع ثبوت الخمس، بعد الجزم بعدم حكمهم أيضا بتعدد الفائدة المضافة الى رأس المال بلحاظ تكرر استفاداته، من صنف واحد و تعدد وجوداتها في المعاملة الشخصية، الواردة على المال الواحد في صنف من أصناف التجارة مثلا، بل يحكمون بأنه فائدة واحدة حاصلة باستفادات متعددة، لا أنه فوائد متعددة. ففي الحقيقة التعدد بنظرهم في هذه الصورة ملحوظ في الاستفادة المتعلقة بفائدة واحدة، لا في نفس الفائدة. و هذا بخلاف القسم السابق الراجع الى اختلاف النوع، و إنما الكلام في فرض اختلاف الصنف من أنه من قبيل اختلاف النوع، الموجب لصدق تعدد الفائدة، أو من قبيل اختلاف المعاملات الشخصية في صنف واحد، الموجب لملاحظتهم التعدد في استفاداته، لا فيما تتعلق به الاستفادات.

و حيث بلغ الأمر هذا المقام أمكن أن يقال: انه مع إمكان دعوى عدم ملاحظة العرف تعدد الأصناف مناطا لتعدد الفائدة، فلا أقل من الشك فيه. و بعد ذلك يشك في صدق فائدة السنة، مع احتمال الاحتياج الى الجبر المزبور، و عليه - فعلى المختار - كان مجرى البراءة. نعم على المسلك الآخر قد يتوهم استصحاب بقاء شخص هذه الفائدة الفعلية حتى مع الجزم بورود خسارة في صنف آخر من المعاملات. و لكنه في غير محله، لأنّ‌ منشأ التشكيك المزبور إذا كان من جهة الشك في كيفية اعتبار العرف، فتكون الشبهة فيه من قبيل الشبهات المفهومية، المردد أمرها بين مقطوع البقاء و مقطوع الارتفاع. و الاستصحاب غير جار في أمثالها، لعدم تعلق الشك بما له الأثر واقعا، من بقاء ما هو فائدة في اعتبارهم واقعا كما لا يخفى.[5]


[1] العروة الوثقى - جماعة المدرسین، الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، ج4، ص295.
[2] العروة الوثقی و التعلیقات علیها، ج12، ص163.
[3] تحرير الوسيلة - ط نشر آثار، الخميني، السيد روح الله، ج1، ص377.
[4] وسيلة النجاة (المحشي)، الگلپايگاني، السيد محمد رضا، ج1، ص314.
[5] شرح تبصرة المتعلمين، الشيخ آقا ضياء الدين العراقي، ج3، ص74.