46/03/28
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة74؛ الصورة الثانیة؛ النظریة الثانیة
الدلیل الثالث: لحاظ الفائدة و الغنم بنحو المجموعیة لا الانحلال
إنّ المحقق الخوئي یقرِّر القول بالجبر من جهة ما یراه من أن الربح في آخر السنة يحاسب بلحاظ المجموعي و إن التزم بالتفصیل من جهة اشتراطه في الجبر بتقدّم الربح.
قال المحقق الخوئي: السيِّد الماتن احتاط فيه، و أخيراً قوّى الجبر و هو الصحيح. فإنّ همّ التاجر و غايته الوحيدة إنّما هو الاسترباح و توفير المال و لا نظر له إلى خصوصيّات الأفراد التي فرّق فيها رأس ماله، بل العبرة بملاحظة المجموع و إن تشعّبت فروعه و تشتّتت.
بل أنّ هذا هو الغالب في الكسبة العاديّين من أرباب الحوانيت، حيث يشتمل محلّ تجارتهم على أنواع مختلفة و بضائع متفرّقة من ماش و عدس و أرز و لبن و صابون و نحوها ممّا قد يتجاوز عشرات المواد، فإنّ ذلك كلّه كسب واحد عرفاً و إن تشكّل من أجناس عديدة قد تفرّق فيها رأس المال في سبيل تحصيل الربح، فلو ربح في البعض و خسر في البعض الآخر فمعناه: أنّه لم يربح، لبقاء رأس ماله على حاله من أجل الخسارة الواردة عليه، فهو في آخر السنة يحاسب المجموع فيتحصّل الانجبار بطبيعة الحال.
و لو تنازلنا و فرضنا الشكّ في صدق الاستفادة في هذه السنة من أجل الشكّ في الجبر كان مقتضى الأصل البراءة عن وجوب الخمس، للشكّ في تحقّق موضوعه و هو الربح الباقي إلى نهاية السنة، فمجرّد الشكّ كافٍ في جريان نتيجة الجبر، مع أنّا لا نكاد نشكّ أبداً، بل الظاهر بحسب الصدق العرفي عدم الفرق بين النوع الواحد و النوعين في تحقّق الجبر بمناط واحد حسبما عرفت.[1]
قال المحقق الخلخالي في تبیین ما حکاه الشیخ عن بعض الأعلام من الاستدلال علی الجواز: و محصّل التعليل المذكور أن الملحوظ في عرف التجارة هو ربح العام لا ربح كل مال بخصوصه، فإن التاجر إذا ربح في معاملة و خسر في الأخرى لا يقال إنه ربح في هذا العام، و السر في ذلك هو أن التاجر أو غيره من الكسبة إنما يقصدون في تجارتهم الاسترباح لتحصيل المعاش و رفع الحاجة في حياتهم الماديّة من المأكل و المسكن و الملبس لهم و لعائلتهم و لا يتم ذلك إلّا بحصول الربح و الفائدة على وجه مطلق، لا في مال خاص مع ضم خسارة أو تلف في مال آخر، بأن تكون معاملة رابحة و معاملة أخرى خاسرة، لعدم حصول الفائدة التي تصرف في المئونة حينئذ، و إنما هي صورة فائدة.[2]
قال السید محمد سعید الحکیم: ... أن أخذ الغنم والربح والفائدة في موضوع الخمس ليس مبنياً على لحاظ موضوعاتها بنحو الانحلال بل بنحو المجموعية، فالموضوع هو الفائدة المتحصلة من مجموع الموضوعات، وهو الصافي المتبقي في يد المكلف من أرباح السنة. وحينئذٍ يتعين البناء على عموم جبر الربح للخسران لما إذا تعددت أفراد التكسب من نوع واحد أو من أنواع متعددة.[3]
النظریة الثالثة: عدم الجبر في الخسران و التلف
قال بها صاحب الجواهر في جواهر الکلام و نجاة العباد خلافاً لمجمع الرسائل و المحقق الهمداني و هکذا المحقق البهجت [إلا أنّه في صورة احتیاجه إلی رأس المال للمؤونة قال بالجبر، کما أنّ بعض الأعلام أیضاً أشاروا إلی الجبر عند الاحتیاج إلی رأس المال، کما سنشیر إلیه في نکتة بعد الصورة الثالثة]
ففي جواهر الکلام: قد يقوى ما هو الأحوط من عدم جبر خسارة أو تلف مال تجارة بربح أخرى، خصوصا إذا فرض تعقب الربح للخسارة، ضرورة مراعاة مؤن الحول من حين حصوله، فلا يخرج منه الخسارة السابقة.[4]
و مثله ما في نجاة العباد.[5]
و قال المحقق الهمداني: و لا يعدّ على الظاهر جبر الخسارات، أو تدارك النقص الوارد عليه بسرقة أو غصب و نحوه، و لو في هذه السنة، فضلا عن السنين السابقة من المؤونة عرفاً.[6]
قال الأستاذ المحقق البهجت: أمّا لو اتجر به أنواعاً من التجارة، أو كان له تجارة وزراعة فخسر في بعض وربح في آخر، فالأظهر والأحوط عدم الجبران، فهذه الصورة وإن كانت الخسارة بتغيّر السعر في بعضها لا تكون كالتجارة الواحدة المشتملة على أجناس مختلفة مع وحدة المقصود فيها ... فالجبران فيه [أي في الصورة الأولی من الصور الثلاث] واضح.[7]
و قال في جامع المسائل: الخسارة في بعض أفراد التكسّب من التجارة الواحدة، تجبر بالربح في بعضها الآخر؛ و أمّا مع الاختلاف في نوع التجارة أو بمثل اختلاف في التجارة و الزراعة، فمع الحاجة في إقامة رأس المال للمئونة، يتّجه الجبران؛ فمع التساوي أو زيادة مقدار الخسارة، لا خمس حيث لا ربح؛ و مع زيادة الربح، فالخمس، في ما زاد من الربح على مقدار الخسارة و مع عدم الحاجة؛ فالجبران في ما كان النقص بتغيّر السّعر أو نحوه، بعيد مع مغايرة الشغلين.
و لو كان بتلف بعضها، فعدم الجبر فيه أيضاً و انحصار مال التجارة بخصوص الباقي في غير صورة الجزئيّة من المؤونة، هو الراجح و طريق الاحتياط في ذلك كلّه حسن واضح.[8]
ملاحظتنا علیه:
قد تقدم أدلة الأعلام علی لزوم الجبر في الخسران و التلف عند الاستدلال علی النظریة الثانیة، فلا نعید.
النظریة الرابعة: عدم جواز جبر الخسران علی الأحوط
قال كاشف الغطاء: الأحوط ألا يجبر خسران تجارة بربح أخرى بل يقتصر على التجارة الواحدة.[9]
قال السید أبوالحسن الإصفهاني: ... لو اتجر به [أي: رأس ماله] أنواعا من التجارة فالأحوط عدم جبران خسارة بعضها بربح أخرى.[10]
و هذا الاحتیاط یوجد في کلام المحقق الفیروزآبادي[11] و السید الإصطهباناتي[12] في التعلیقة علی العروة.
یلاحظ علیها:
لا وجه للاحتیاط بعد ما بیّنا الدلیل علی الجبر.
النظریة الخامسة: يجبر الخسارة من ربح تجارة أخرى و لا يجبر التلف
قال بها الشهید الثاني و المحقق القمي و الشیخ الأنصاري
قال الشهيد الثاني في المسالك: يجبر خسران التجارة و نحوها بالربح في الحول الواحد، فيلحق بالمؤونة ... و لا يجبر التالف من المال بالربح مطلقا.[13]
قال المحقق القمي في غنائم الأيام: و يجبر خسران التجارة و الزراعة و نحوهما بالربح في الحول، و لا يجبر مطلق التالف.[14]
قال الشيخ الأنصاري: و لو كانا [الخسارة و الربح] في مال واحد في تجارتين، فإن كان كلاهما متعاقبين في مال واحد، فالظاهر أيضا الجبران، ... و لو كانا في مالين ففي الجبران إشكال، أقربه ذلك، كما قطع بالجبران في الدروس[15] .[16]
و قد سبق أنّه قال بعدم الجبر في صورة التلف مطلقاً.
الدلیل علی النظریة الرابعة:
قال الشیخ الأنصاري: و علّله بعض[17] : بأنّ المناط الأرباح الحاصلة في تجارة كلّ عام، لا في خصوص كلّ مال.[18]
یلاحظ علیه:
إنّ ما أفاده و إن کان یتمّ بالنسبة إلی الخسران و لکنّه مخدوش بالنسبة إلی التلف، کما تقدّم.
النظرية السادسة: إذا کان الخسران و التلف بعد الربح فیجبر و إلا فلا
و قال المحقق الخوئي أیضاً في منهاجه: ... و يجري الحكم المذكور [ في التجارة الواحدة من التفصيل بين كون الخسارة قبل الربح أو بعده] فيما إذا وزع رأس ماله على تجارات متعددة، كما إذا اشترى ببعضه حنطة، و ببعضه سَمناً فخسر في أحدهما و ربح في الآخر، و كذا الحكم فيما إذا تلف بعض رأس المال.[19] [20]
و قال بعین ذلك بعض الأساطین[21] و هکذا بمثله صاحب فقه الصادق[22] و الشیخ الفیاض[23] .
الاستدلال علی هذه النظریة:
قال المحقق الخوئي: لو فرّق رأس المال في نوعين أو أنواع من التجارة كتجارة القماش و تجارة الطعام فربح في أحدهما و خسر في الآخر، فهل يلتزم بالجبر حينئذٍ على الشرط المتقدّم من تقدّم الربح على الخسارة، و إلّا ففي صورة العكس الكلام هو الكلام، فإنّا إذا لم نلتزم بالجبر في نوع واحد ففي نوعين بطريق أولى.[24]
ملاحظتنا علیه:
قد تقدم في الصورة الأولی الإیراد علی التفصیل المذکور، فلا نعید.
النظریة السابعة: إذا کان الخسران و التلف بعد الربح فیجبر و إلا ففیه تفصیل
و أفتی المحقق التبریزي بالتفصیل بین الصورتین:
الصورة الأولی: ما إذا تقدم الربح علی الخسران و التلف فوافق المحقق الخوئي و أفتی بالجبر.
الصورة الثانیة: ما إذا تقدّم الخسران و التلف علی الربح فخالف المحقق الخوئي [حیث إنّه أفتی بعدم الجبر] فقال بتفصیل آخر بین فرضین:
الفرض الأول: إذا اشتری أولاً ما ربح في بيعه ثم اشتری ما خسر في بيعه أو کان شراؤهما مقارنین فأفتی بالجبر.
الفرض الثاني: إذا اشتری أولاً ما خسر في بيعه ثمّ اشتری ما ربح في بيعه، فهنا احتاط في الجبر.[25]
أما الدلیل علیها:
إن ما أفاده في الصورة الأولی وفاقاً للمحقق الخوئي فقد تقدم دلیله.
و أما ما أفاده في الصورة الثانیة فمبتنٍ علی ما اختاره من مبدء السنة الخمسیة حیث قال في منهاج الصالحین خلافاً لتعلیقة العروة: رأس سنة المؤنة وقت ظهور الربح أو الشروع في الاكتساب. و لذلک فصّل هنا من جهة تقدّم شراء ما ربح فیه علی شراء ما خسر فیه [کما في الفرض الأول] أو تأخّره [کما في الفرض الثاني].
ملاحظتنا علیه:
الملاحظة الأولی:
لا وجه لهذا التفصیل من أساسه بعد ما تقدّم من تمامیة الجبر في الخسارة و التلف مطلقاً سواء تقدم الربح علی الخسارة أو تأخر عنها.
الملاحظة الثانیة:
قبل بیان الملاحظة الثانیة فلابدّ من أن نشیر إلی أنّه اتخذ مبنیان في مبحث رأس السنة الخمسیة:
المبنی الأول: ما أفاده في تعلیقة العروة، فقال: مبدؤها حصول الفائدة في الصورتين [من شغله التكسب و من لم يكن مكتسباً و حصل له فائدة اتفاقاً] فإنّ حصولها معيّن للسنة المحكوم بإخراج الخمس عن فائدتها بعد وضع مؤنتها. نعم، بما أنّ الخمس بعد مؤنة الربح أيضا فما يصرفه في تحصيل الربح يوضع عنه، و إن كان صادقا فإنّه لا يصدق الربح إلاّ على ما زاد عن تلك المؤنة.
المبنی الثاني: ما أفاده في منهاج الصالحین فقال: رأس سنة المؤنة وقت ظهور الربح أو الشروع في الاكتساب، و إن لكل ربح سنة تخصه، و من الجائز أن يجعل الإنسان لنفسه رأس سنة فيحسب مجموع وارداته في آخر السنة، و إن كانت من أنواع مختلفة، كالتجارة، و الاجارة، و الزراعة، و غيرها، و يخمس ما زاد على مئونته، كما يجوز له أن يجعل لكل نوع بخصوصه رأس سنة، فيخمس ما زاد عن مئونته في آخر تلك السنة.
و تفصیله هنا مبني علی ما أفاده في منهاج الصالحین.
و قد یرد علی التفصیل المذکور: القول بأنّ مبدء السنة هو الشروع في التکسب یقتضي الشروع فیه بنحو کلّي لا الشروع في کلّ شراء بخصوصه.