46/03/20
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة74؛ الصورة الأولی؛ النظریة الثانیة
النظرية الثانية: جواز جبر الخسارة دون التلف
قال بها صاحب الجواهر (علی ما یستظهر من عبارته في جواهر الكلام[1] دون نجاة العباد[2] ) و الشیخ الأنصاري و المحقق البروجردي.
قال صاحب الجواهر: قد يقوى ما هو الأحوط من عدم جبر خسارة أو تلف مال تجارة بربح أخرى، ... بل [یقوی عدم جبر الخسارة و التلف] و لا التجارة الواحدة في الوقتين، إذ هي في الحقيقة كالتجارتين، سيما أيضا لو كان الربح في الوقت الثاني، بل و لا هي في وقت واحد أيضا إذا فرض التلف بسرقة و نحوها لا بتغير السعر و نحوه مما يحصل به الخسران في التجارة.
نعم قد يقوى الجبر لخسران بعض مال التجارة بربح الآخر في الحول الواحد كما لو فرض انه بيع بعض أعيان التجارة الواحدة بأنقص من رأس المال ثم تغير السعر فباعه بأضعافه، لعدم صدق الربح و الغنيمة عرفاً بدون ملاحظة خروجه.[3]
قال الشيخ الأنصاري: و لو خسر و ربح، فالظاهر جبران الخسارة بالربح إذا اتّفقا في تجارة واحدة، بأن أخذ شيئين صفقة، فربح في أحدهما و خسر في الآخر.[4]
و قال في آخر عبارته: أمّا التالف من المال فلا يجبر بالربح قطعاً، لأنّ التلف لا يمنع صدق الاستفادة على الربح، و جبر التالف ليس من المؤونة.[5]
قال السید المحقق البروجردي بجواز جبر الخسارة في تجارة من ربح تجارة أخرى في رسالته العملیة[6] و في هذه الصورة -و هو جبر الخسارة من معاملات تجارة واحدة بربح نفس التجارة- يجبر بالأولى.
و في صورة التلف قال بعدم جواز الجبر في هذه الصورة و لكن قیّده بموردٍ خاص سنشیر إلیه.
قال: إن تلف بعض رأس المال و ربح من الباقي و فضل من مخارجه السنوية، لا يجوز له جبر التلف من ذلك الربح.
أمّا إذا لم يمكن له التكسّب برأس المال المتبقي بكسب لائق بشأنه أو أنّ الأرباح التي تحصل من رأس المال المتبقي لا تكفي لإعاشة نفسه و عياله ففي هذه الحالة يجوز له جبر التالف من رأس المال بالأرباح.[7]
الاستدلال على عدم جواز جبر التلف
الدليل الأوّل: بناء المعاملات على الخسران و عدم البناء على التلف
قال المحقق الحكيم احتمل أن يكون لعدم بناء المعاملات على التلف فقال: كأنّه لأن المعاملات غير مبنية على التلف غالباً، بل مبنية على الخسران. و لذا يكون الجبر فيه أظهر.[8]
و قال المحقق الآملي: إنّ التلف فيه لما لم يكن مستنداً إلى التجارة يصح أن يقال: إنّه ربح في تجارته و إنّ تلف بعض أمواله غير مستند إلى التجارة.[9]
قال الشیخ علي الصافي: إنّ المعاملات في الغالب مبنية على الخسران و من شؤوناتها، فالفائدة تلاحظ عند العرف بعد جبر الخسارة الواردة و لا يقال لمن خسر في تجارة بمجرّد ربحه في تجارة أخرى و لو لم يجبر خسارته الحاصلة بأنّه استفاد في تجارته و حصل له الفائدة.
و لكن المعاملات ليست في الغالب مبنية على التلف و من شؤوناتها و لهذا لو تلف بعض رأس ماله في تجارة و ربح في تجارة أخرى يقال عرفاً أنّه استفاد في تجارته و لو تلف بعض رأس ماله لعدم كون التلف مثل الخسران من شؤونات التجارة.[10]
الإيراد عليه:
قال الشیخ علي الصافي: يمكن دفع هذا الإشكال:
أوّلاً: بأنّ التلف مثل الخسران من شؤونات التجارة و ما يترتب عليها، إذ كما ربّما يخسر الشخص في تجارته ربما يتلف رأس المال في الطرق في البحر أو البر بالسرقة و بغيرها.[11]
و ثانياً: لو فرض عدم كون التلف من شؤون التجارة و لكن من يكون مشتغلاً في التجارة سواء كان مشتغلاً بتجارة واحدة أو تجارة متعدّدة بل أو تجارة و زراعة فتلف بعض رأس ماله في بعض معاملاته أو تجاراته و حصل الربح في معاملة أخرى أو تجارة أخرى أو زراعة و كان مثلاً ما يربح بقدر ما تلف عنه فلا يقال استفاد و حصل له الفائدة في تجاراته بل يلاحظ العرف المجموع من حيث المجموع من تلفاته في رأس ماله و خساراته و فوائده فإن حصل له الربح أكثر ممّا كان بيده من رأس المال فيقال عرفاً بحصول الفائدة في اكتساباته و إلاّ فلا.[12]
الدلیل الثاني: صدق الربح مع التلف
قال السید محمد سعید الحكیم في توجیه هذه النظریة: يفرق بينهما [أي: الخسران و التلف] أن تضاد الخسران و الربح عرفاً مانع من صدقهما معاً مع لحاظ المجموعية، بل يكون الربح هو الصافي لا غير بخلاف التلف و الربح، فإنّه لا تضاد بينهما، فتلف رأس المال لا ينافي صدق الربح حتى مع لحاظ المجموعية.
غاية الأمر أن التلف إن كان من خصوص رأس المال تعين ثبوت خمس تمام الربح و إن كان من مجموع المال المشتمل على الربح تعين ثبوت الخمس في الباقي من الربح بعد استثناء الخسران منه بالنسبة - مع عدم التفريط في التلف - دون الخسران من رأس المال. فإذا كان رأس المال مائة و الربح مائة ثم تلف النصف من كل منهما و صَفَى له مائة، تعين البناء على تخميس خمسين، لأنه الباقي من الربح، من دون أن يجبر به تلف رأس المال، كي لا يجب الخمس أصلاً. و لعله لذا خص في الجواهر الجبران في أبعاض التجارة الواحدة بالخسران دون التلف.[13]
الإیراد عليه:
قال السید محمد سعید الحكیم: لما كان مرجع لحاظ المجموعية إلى حمل الغنم و الربح و الفائدة على ما يتبقى للمكلف و يكون هو الصافي عنده، فكما يمكن حمله على الباقي و الصافي بلحاظ خصوص أسباب الاكتساب و الاستفادة، ليختص الجبر بالخسران، و لا يعم تلف رأس المال، يمكن حمله على الصافي بلحاظ مطلق ما بيد المكلف و ما يملكه، فيعم الجبر للتلف المذكور، و الثاني هو الأقرب ارتكازاً، و الأنسب بالسيرة. ولاسيما مع صعوبة ضبط التلف من رأس المال في طول السنة نوعاً.
و لا أقل من الشك و الرجوع للأصل القاضي بعدم ثبوت الخمس بعد عدم إمكان التمسك بعموم أدلته، لرجوع الشك في ذلك للشك في مفهوم الموضوع، و دورانه بين الأقل و الأكثر. فلاحظ.[14]
یلاحظ علیه:
إنّ المبنی المختار تبعاً للمحقق الخوئي في تفسیر الفائدة التي هي موضوع وجوب الخمس، هو أنّ المراد منها كل فرد من أفراد الفائدة، لما تقدّم من انحلال الحكم بحسب أفراد موضوعه، لا الفائدة الكلية الحاصلة في كلّ سنة للشخص بحسب ما كان یملكه الذي هو مختار المحقق الحكیم و السید محمد سعید الحكیم.
النظرية الثالثة: التفصيل بين تقدم الربح أو تأخره
و قال المحقق الخوئي في منهاجه: إذا اتجر برأس ماله - مرارا متعددة في السنة - فخسر في بعض تلك المعاملات في وقت، و ربح في آخر، فإن كان الخسران بعد الربح أو مقارنا له يجبر الخسران بالربح، فإن تساوى الخسران و الربح فلا خمس، و إن زاد الربح وجب الخمس في الزيادة، و إن زاد الخسران على الربح فلا خمس عليه و صار رأس ماله في السنة اللاحقة أقل مما كان في السنة السابقة. و أما إذا كان الربح بعد الخسران فالأحوط إن لم يكن أقوى عدم الجبر ... و كذا الحكم فيما إذا تلف بعض رأس المال.[15]
و مثله الشيخ الفياض[16] .