بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/03/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة73: جبران تلف الأموال التي لیست من مال التجارة

 

جبران تلف الأموال التي ليست من مال التجارة

قال صاحب العروة:

المسألة 73 : لو تلف بعض أمواله مما ليس من مال التجارة أو سرق أو نحو ذلك لم يجبر بالربح و إن كان في عامه إذ ليس محسوبا من المؤونة.

توضیح ذلك:

قد يتلف بعض الأموال في أثناء السنة لحوادث طارئة كزلزال أو سیل أو ... فإذا کانت الخسارة في السنة السابقة و أرید جبرها من أرباح السنة اللاحقة، فلا یجوز الجبر، و أما الخسارة الواردة في هذه السنة فهل یجوز جبرها من أرباح هذه السنة؟ فینبغي أن يبحث عن أنّه هل تجبر الخسارة الواردة في هذه السنة، من أرباح السنة إذا كانت تلك الأموال من غير رأس مال التجارة أم لا؟ فهذه المسألة تتكفّل ببيان هذا الفرع و أما لو كانت تلك الاموال من رأس المال فسيجيء البحث فيها في المسألة 74.

ثم إنّ المراد من الجبر هوعدم تخمیس مقدار من الربح بإزاء ما خسره من دون صرفه في المؤونة أو صرفه مقدار من الربح لجبران الخسارة الواردة علی غیر المؤونة. و لذلک قال المحقق الخوئي في تنقیح محلّ البحث: تارةً: يفرض أنّ التالف ممّا يحتاج إليه في إعاشته، كما لو انهدمت داره فاحتاجت إلى التعمير، و هذا خارج عن محلّ الكلام، لأنّه من صرف الربح في المؤونة.و أُخرى: يفرض أنّ التالف مئونة و لكنّه لم يصرف الربح في تلك المؤونة، أو كان مالًا خارجيّاً غير المؤونة، كما لو كانت له مواشي فتلفت، فهل يجبر هذا التلف أو الخسارة الواردة من ربح التجارة بحيث لا يكون فيه خمس، أو لا؟

المطلب الأول: حکم جبر مقدار الخسارة أو التلف

هنا نظريات:

النظریة الأولی: عدم جواز جبر الخسارة من الربح من دون الصرف

قال بها أکثر الأعلام كالشهيد الثاني و كاشف الغطاء و صاحب الجواهر و الشيخ الأنصاري و المحقق البروجردي و السيد أبو الحسن الإصفهاني و المحقق الحائري و المحقق النائيني و المحقق الخوئي و السيد محمود الحسيني الشاهرودي و المحقق البهجت و بعض الأساطین و المحقق السیستاني و المحقق التبریزي و صاحب فقه الصادق و السید المحقق موسی الشبیري الزنجاني و الشیخ الفیاض و السید محمود الهاشمي الشاهرودي و غيرهم.[1]

قال الشهيد الثاني في الروضة: و لا يجبر التالف من المال بالربح و إن كان في عامه.[2]

قال كاشف الغطاء: و لا يجبر خسران غير مال التجارة بالربح منها.[3]

قال صاحب الجواهر في نجاة العباد: لو اتّفق أنّه ظُلم في غير مال التّجارة أو سُرق منه كذلك أو تَلف منه لم يُحتسب من المؤونة، فلا يجبر شيء من ذلك بالرّبح و إن كان في عامه.[4]

قال الشيخ الأنصاري: أمّا التالف من المال فلا يجبر بالربح قطعاً، لأنّ‌ التلف لا يمنع صدق الاستفادة على الربح، و جبر التالف ليس من المؤونة.[5]

و قال المحقق البروجردي: إن تلفت بعض أمواله غير رأس المال لا يجوز له أن يجبره من أرباحه التي حصلت له و لكن إن احتاج إلي تلك الأموال التالفة في تلك السنة، يجوز له أن يحصّلها من أرباح أثناء السنة.[6]

و قال بمثل ذلك المحقق البهجت[7]

قال المحقق الخوئي في المنهاج: إذا تلف بعض أمواله مما ليس من مال التكسب، و لا من مؤونته ففي الجبر - حينئذ - إشكال، و الأظهر عدم الجبر.[8]

هذا بالنسبة إلی أموالٍ لیست من المؤونة و أما بالنسبة إلی مال الذي من المؤونة أیضاً قالوا بهذا الحکم:

قال المحقق الخوئي: إذا انهدمت دار سكناه، أو تلف بعض أمواله - مما هو من مؤنته - كأثاث بيته أو لباسه أو سيارته التي يحتاج إليها و نحو ذلك، ففي الجبر من الربح إشكال، و الأظهر عدم الجبر، نعم يجوز له تعمير داره و شراء مثل ما تلف من المؤن أثناء سنة الربح، و يكون ذلك من التصرف في المؤنة المستثناة من الخمس.[9]

و قال بعین ذلك المحقق التبریزي[10] و السید محمود الهاشمي الشاهرودي[11] و بعض الأساطین[12] و المحقق السیستاني[13] و صاحب فقه الصادق[14] و الشیخ الفیاض[15] .

أدلة النظریة الأولى:

الدلیل الأول: التلف لا يمنع من صدق الاستفادة على الربح

قال الشيخ الأنصاري: إنّ‌ التلف لا يمنع صدق الاستفادة على الربح، و جبر التالف ليس من المؤونة.[16]

قال المحقق الخوئي: اختار عدم الجبر، و هو الصحيح، و الوجه فيه ظاهر، فإنّ موضوع الخمس مؤلّف من أمرين: الربح، و عدم الصرف في المؤونة.

و كلا الأمرين متحقّق، لصدق الربح و الاستفادة وجداناً بحيث يصحّ أن يقال: إنّه استفاد في تجارته كذا مقداراً و لم يصرفه في المؤونة حسب الفرض، غاية الأمر أنّه قد وردت عليه خسارة خارجيّة لكنّها لا تستوجب سلب صدق الاستفادة في تجارته هذه بالضرورة، لعدم ارتباط بينهما، و أحدهما أجنبي عن الآخر. إذن فالجبر يحتاج إلى الدليل، و لا دليل، و معه لا مناص من التخميس.[17] [18] [19]

و هو في کلام بعض المعلقین علی العروة أیضاً.[20]


[1] العروة الوثقى و التعليقات عليها، ج12، ص160 – 161.
[2] الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، الشهيد الثاني، ج2، ص77.
[3] كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء - ط الحديثة، كاشف الغطاء، الشيخ جعفر، ج4، ص208.
[4] نجاة العباد، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج1، ص86.
[5] كتاب الخمس، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص213.
[6] اگر غير از سرمايه چيز ديگرى از مال‌هاى او از بين برود، نمى‌تواند از منفعتى كه به دستش مى‌آيد آن چيز را تهيه كند ولى اگر در همان سال به آن چيز احتياج داشته باشد، مى‌تواند در بين سال از منافع كسب آن را تهيه نمايد. رساله توضیح المسائل (السید البروجردي.)، ص359، م1794
[7] توضیح المسائل (المحقق البهجت)، ص275، م1405.
[8] منهاج الصالحين، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج1، ص340.
[9] . منهاج الصالحين، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج1، ص340.
[10] منهاج الصالحين، التبريزي، الميرزا جواد، ج1، ص346.
[11] منهاج الصالحین (للسید الشاهرودي.)، ج1، ص366، م1235 و م 1236
[12] منهاج الصالحين، الوحيد الخراساني، الشيخ حسين، ج2، ص378.
[13] منهاج الصالحين، السيستاني، السيد علي، ج1، ص401.
[14] منهاج الصالحین (للسید الروحاني.)، ج1، ص437، م 1423، و ص438، م1424
[15] منهاج الصالحين، الفياض، الشيخ محمد إسحاق، ج2، ص73.
[16] كتاب الخمس، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص213.
[17] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج25، ص279.
[18] ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، الصافي الگلپايگاني، الشيخ علي، ج10، ص200. و قریب منه ما قاله الشیخ علي الصافي.: أقول ما يمكن ان يقال فى وجه جبره بالربح الحاصل في عامه؛ إمّا ما اشار إليه المؤلف رحمه اللّه من توهم عدّه من المئونة فكما قال رحمه اللّه لا يعدّ ما تلف أو سرق أو نحو ذلك ممّا ليس من مال التجارة من المئونة ... و إمّا انّ‌ المقدار الربح الحاصل فى قبال ما تلف أو سرق لا يعدّ فائدة عرفا، و فيه انّ‌ هذا مجرد الادعاء بل العرف يعدّ ما حصل له من الربح فائدة تلف عنه شيء أو اشياء اخر او لا
[19] و أیضاً صاحب مباني المنهاج.: لا اشكال في صدق الفائدة، و ورود خسارة عليه بالنسبة الى مال آخر لا يوجب سلب عنوان الفائدة في تجارته مثلا و على هذا الاساس لا وجه للجبران. و بعبارة واضحة: ان المقتضي للوجوب موجود و لا مانع عن الأخذ بدليله اذ المفروض ان ما تلف منه لا يكون مصروفة في المئونة كي يقال يلزم تعلق الخمس بما دون ذلك المقدار من الخسارة فلاحظ. الغایة القصوی، ص224
[20] العروة الوثقی و التعلیقات علیها، ج12، ص162.