بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/03/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة72؛ الفرع الثاني

 

النظریة الثالثة: یحتسب من المؤن (المختار)

قال العلامة الحلّي: صرف المال الى وجوه الخيرات ليس بتبذير.[1]

قال صاحب مفتاح الکرامة: قوله: (و صرف المال إلى وجوه الخيرات ليس بتبذير) ظاهر إطلاقه أنّه لا فرق بين الإفراط في ذلك و عدمه و لا بين كون ذلك لائقا بحاله أولا . و هو ظاهر «مجمع البرهان » و قد يلوح ذلك ممّا حكي عن «مجمع البيان ». و في «المسالك » أنّه المشهور. و قد استدلّ‌ عليه بأنّه لا سرف في الخير كما لا خير في السرف. و هو ليس بحديث و إنّما حكي أنّ‌ رجلا تصدّق كثيرا، فقال له رجل: لا خير في السرف، فأجابه لا سرف في الخير، و بأنّ‌ أمير المؤمنين تصدّق بالأقراص كما هو مشهور، فنزلت فيه سورة هل أتى.[2]

قال المحقق جمال الدین الخوانساري: الظاهر أنّ كلّ ما بذله في سبيل اللّه كالصّدقات و بناء الخيرات و نحوهما فله وضع جميعها من الأرباح و أنّه لا يعتبر فيها قصد فلو تصدّق مثلاً ما يزيد أن تصدّق أمثاله فله وضع جميعه من الأرباح إذ لم يعتبر القصد في مثله‌.[3]

قال المحقق الخوئي: و أمّا بالإضافة إلى العبادات و الأُمور القربيّة من صدقة أو زيارة أو بناء مسجد أو حجّ مندوب أو عمرة و نحو ذلك من سائر الخيرات و المبرّات، فظاهر عبارة المتن و صريح غيره جريان التفصيل المزبور فيه أيضاً، فيلاحظ مناسبة الشأن، فمن كان من شأنه هذه الأُمور تستثني و تعدّ من المؤن، و إلّا فلا.و لكن الظاهر عدم صحّة التفصيل هنا، فإنّ شأن كلّ مسلم التصدِّي للمستحبّات الشرعيّة و القيام بالأفعال القربيّة، امتثالًا لأمره تعالى و ابتغاءً لمرضاته و طلباً لجنّته، و كلّ أحد يحتاج إلى ثوابه و يفتقر إلى رضوانه، فهو يناسب الجميع. [4]

و قال في منهاجه: ... و الظاهر أن المصرف إذا كان راجحا شرعا لم يجب فيه الخمس، و إن كان غير متعارف من مثل المالك مثل عمارة المساجد، و الإنفاق على الضيوف ممن هو قليل الربح.[5]

و قال بمثل ذلك الشیخ الفیاض في منهاجه.[6]

و ذهب إلی هذه النظریة المحقق الشهید الصدر في تعلیقته علی کلام المحقق الحکیم.[7]

و قال السید محمد سعید الحکیم: من جملة المؤن المصارف المستحبة -من حج أو زيارة أو صدقة أو غير ذلك- مهما كثرت و عظمت سواء تعارف قيام صاحب الربح بها و كانت مناسبة لشأنه أم لا.[8]

أدلّة النظریة الثالثة:

الدلیل الأول: شأن کلّ أحدٍ الصرف فيها

قال المحقق الخوئي: لا معنى للتفكيك بجعله مناسباً لشأن مسلم دون آخر، فلو صرف أحد جميع وارداته بعد إعاشة نفسه و عائلته في سبيل الله ذخراً لآخرته و لينتفع به بعد موته كان ذلك من الصرف في المئونة، لاحتياج الكلّ إلى الجنّة، و لا يعدّ ذلك من الإسراف أو التبذير بوجه بعد أمر الشارع المقدّس بذلك، و كيف يعدّ الصرف في الصدقة أو العمرة و لو في كلّ شهر أو زيارة الحسين كلّ ليلة جمعة أو في زياراته المخصوصة من التفريط و الخروج عن الشأن بعد حثّ الشريعة المقدّسة المسلمين عليها حثّا بليغاً؟! فالإنصاف أنّ كلّ ما يصرف في هذا السبيل فهو من المؤن قلّ أم كثر. و التفصيل المزبور خاصّ بالأُمور الدنيويّة حسبما عرفت.[9]

ملاحظتنا علیه:

لا نقبل كون الصرف في المستحبّات مطلقاً من شأن كل شخص، بل العرف يرى أنّ من يصرف في المستحبّات زائداً على مستواه المعيشيّ، قد أصرف زائداً على شأنه و لذا نری أنّ العرف يلومونه و إن كان مؤمناً بل من أهل الخيرات و المبرّات.

الدلیل الثاني: أمر الشارع بالصرف (المختار)

إنّ الشارع أمر بصرف المال في الخیرات أمراً استحبابیاً فامتثاله لیس سفهاً و لا إسرافاً، و لا یأمر الشارع بما هو سفهٌ و سرفٌ، فما صرفه فیها یعدّ من المؤونة، فنحن نستثني هذه المصارف من الخمس، لأنّ الشارع الذي أمر بدفع الخمس، أمر بالخيرات و قد جعل هذه التصرّفات غير المطابقة للشأن، من المؤونة تعبّداً، فإنّ أمره بفعل الخيرات ترخيص له فلا يمكن أن يطلب بصرف المال في أمر محبوب له، ثمّ يقول للمكلّف أنّك صرفت مالك في غير اللائق فعليك أن تدفع خمسه.

و أمّا قوله صلی الله علیه و آله: لَا خَيْرَ فِي السَّرَفِ وَ لَا سَرَفَ فِي الْخَيْرِ.[10]

فهو يشير إلى ما قلناه من أنّ الخير تعبّداً خارج عن معنى السرف و داخل في معنى المؤونة، و إن صدق عليه السرف لغة و عرفاً.

و أمّا قوله تعالى: ﴿وَ الَّذينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً﴾[11] ، فهو الإنفاق على النفس و العيال.

قلنا سابقاً بأنّ العرف و إن عدّ صرف المال في المستحبات زائداً علی شأن المکلّف، و لکن أمر الشارع بالمستحبات حاکمٌ علی الشأن العرفي فنوسّع في دائرة مصادیق المؤونة.

أما المناقشات علی النظریة الثالثة:

المناقشة الأولی:

قال المحقق الخلخالي: المستثنى من الربح إنّما هو المؤونة اللائقة بشأنه، لا مطلق ما يناسب شأنه، فإنّ النسبة بين الشأنية و المؤونة العموم من وجه قد يفترقان، فإنّ مِن شأن المسلم أداء الخمس و الزكاة و نحوهما من الواجبات المالية -مثلاً- و ليس شي‌ء منها من المؤونة، و قد يكون شي‌ء من المؤونة دون شأنه كالتقتير في المعيشة أو فوق شأنه كالإسراف، و قد يجتمعان كما إذا كانت المؤونة مطابقة لشأنه، فليس كلّ صرف راجح شرعاً مصداقاً للمؤونة و إن كان لائقاً بشأن المسلم المتشرّع بما هو مسلم متديّن و محلّ الكلام إنما هو المؤونة اللائقة بحاله و لو في عرف المتشرّعة، فإنّ المستثنى من الربح المتعلّق بالخمس هو المؤونة فلابدّ من صدقها أوّلاً ثمّ ملاحظة الشأنية و الظاهر عدم صدق المؤونة على صرف تمام ماله في مثل بناء المساجد و القناطر و نحو ذلك ممن يكون قليل الربح، بل هو زائد على مؤونته و لو في عرف المتشرعة و إن كان راجحاً شرعاً، فلا ينافي تعلّق الخمس به أيضاً فالزيادة على المتعارف في المستحبات الدينية تكون كالإسراف في الأمور الدنيوية في الخروج عن مفهوم المؤونة، و إن كان الأول ممدوحاً شرعاً و الثاني مذموما. و السر في ذلك هو اعتبار الحاجة في مفهوم المؤونة حاجة عرفية و لو في عرف المتشرعة و لا يرى المتشرعة الحاجة إلى صرف تمام الربح في تحصيل الثواب الأخروي من دون دفع الخمس و الحاجة إلى ثواب الآخرة حاجة عقلية فوق ما يعتبرها العرف في المؤونة التي تقوم بها الامور الدنيوية و الأخروية، فلاحظ و لو شك في ذلك رجعنا إلى عمومات وجوب التخميس في الأرباح للشك في التخصيص الزائد لإجمال المخصص.[12]

بیان السید الهاشمي الشاهرودي للمناقشة الثانیة:

قال السید محمود الهاشمي الشاهرودي: إنّ عنوان اللياقة و الشأنية أو السفه و السرف لو كان وارداً في لسان دليل الاستثناء أمكن أن يقال بأنّ فعل كل راجح شرعي لائق بالمؤمن منه شرعا و عرفا، فيكون مشمولا لاطلاق الاستثناء، الا انّ هذا لم يرد في لسان الدليل و انما الوارد استثناء المئونة، و المئونة متقومة عرفا بان يكون الصرف محتاجا إليه بمرتبة من الاحتياج و اللزوم و الاولوية العرفية و الّا لم يكن مئونة، فهذا المفهوم على حد سائر المفاهيم العرفية لا بدّ و ان يكون الاحتياج الملحوظ فيه مما يراه العرف و يفهمه، و لو في طول كون الانسان متدينا و ملتزما بشريعة و دين، و مجرد كون شي‌ء راجحا شرعا أو حسنا في نفسه لا يكفي لصدق الاحتياج العرفي و المئونية على ذلك الفعل ما لم يكن بحسب المناسبة و حالة الفرد لازما و أولى بشأنه و حاله، و لو كان على تقدير صدوره منه حسنا و راجحا في نفسه، نظير من يفعل المستحب أو الواجب المهم و يترك الواجب الأهم فانّ فعله و ان كان صحيحا و مستحبا في نفسه و لكنه لا يعتبر صرفه عليه مئونة، لعدم كونه لازما حتى متشرعياً، فاللزوم و الشأنية المأخوذ في مفهوم المئونة لغة و عرفا، أو الانصراف المتقدم ذكره عن مثل هذه المصارف بحسب مناسبات الحكم و الموضوع عرفا و ارتكازا يمنعان عن الاطلاق[13] في دليل استثناء المئونة اذا فرض انّ العمل المستحب كان زائدا على شأنه، بمعنى أنه خلاف الأولوية العرفية و الشرعية المترقبة من مثله و هذا يعني انّ القيد المأخوذ في المئونة ليس مجرد عدم الاسراف و السفه الممنوعين شرعا، بل القيد أوسع من ذلك، فيشمل كل ما يكون غير مناسب و خلاف الاولى و المناسب مع شأن المكلف عرفا أو شرعا و ان كان على تقدير حصوله صحيحا بل راجحا في نفسه، و لعل هذا هو مقصودهم من اللياقة و الشأنية لا السرف أو السفه.[14]

یلاحظ علیها:

أولاً: یمکن أن یقال بأنّ صرف في ما أمره الشارع زائداً علی شأنه و إن لم یعدّ من المؤونة عرفاً و لکنّ تقدّم أنّ الشارع حثّ علی الإنفاق في الخیرات لکلّ إنسان من دون تقیید استحبابه لشخص دون آخر بحیث یشمل الاستحباب حتّی لمن یکون فقیراً في دنیاه، فیستفاد منه تعمیم المؤونة تعبداً للمؤونة الدنیویة و الأخرویة، من دون ملاحظة الشأن.

ثانیاً: ما أفاده السید الهاشمي الشاهرودي من أنّ اللزوم و الشأنية مأخوذ في مفهوم المئونة لغة و عرفاً لا یمکن المساعدة علیه، لأنّ اللزوم لیس مأخوذاً في مفهوم المؤونة، بل المؤونة تشمل ما لا یلزم في المعاش، کما أنّ الشأنیة قید احترازي للمؤونة، لتخرج المؤونة التي هي زائدة عن حدّ المتعارف من وجوب الخمس.

النظریة الرابعة: التفصیل بین السفر و باقي المخارج المستحبة

قال صاحب الجواهر في مجمع الرسائل: الصدقات و الخيرات و الهدايا و مصارف الزواج و الضيافة و أسفاره المحلّلة و زيارة العتبات المقدّسة و الحج المستحبّي و نحوها تعدّ من مصارفه السنوية و لا يتعلّق بها الخمس و لكن لا يشترط في هذه الموارد الاقتصاد و شأن الشخص، إلّا في مخارج السفر.[15]

یلاحظ علیه:

بعد ما تبیّن جواز استثناء المصارف المستحبة عن المؤونة فلا یبقی مجالٌ لهذا التفصیل.

 


[1] قواعد الأحكام، العلامة الحلي، ج2، ص135.
[2] مفتاح الکرامة فی شرح قواعد العلامة (ط-جماعة المدرسين)، الحسيني العاملي، السید جواد، ج16، ص68.
[3] التعليقات على الروضة البهية، الخوانساري، الشیخ جمال الدين، ج1، ص314.
[4] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج25، ص253.
[5] منهاج الصالحين، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج1، ص334.
[6] منهاج الصالحين، الفياض، الشيخ محمد إسحاق، ج2، ص64.
[7] منهاج الصالحين، الحكيم، السيد محسن، ج1، ص463.
[8] منهاج الصالحين، الحكيم، السيد محمد سعيد، ج1، ص409.
[9] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج25، ص253.
[10] عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور، ج1، ص291.
[11] السورة فرقان، الأية 67.
[12] فقه الشيعة کتاب الخمس و الأنفال‌، الموسوي الخلخالي، السيد محمد مهدي، ج2، ص211.
[13] أي الزوم و اشأنیة و هکذا انصراف المؤونة المستثناة عن وجوب الخمس عن المصارف المستحبة، یمنعان عن إطلاق المؤنة حتی تشمل المستحبات.
[14] كتاب الخمس، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج2، ص249.
[15] صدقات و خيرات و هدايا و مخارج ازدواج و ميهمانى و مسافرتهاى حلال از زيارت عتبات مقدّسه و حجّ مستحبى و امثال آنها نيز علاوه بر موارد مذكور در مسأله قبل جزء مخارج ساليانه شخص محسوب شده و خمس به آنها تعلّق نمى‌گيرد و ليكن در اين موارد ميانه روى و شأن شخص شرط نمى‌باشد مگر در مخارج سفر. مجمع الرسائل، نجفی، محمد حسن، ج1، ص514.