45/10/29
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة72؛ المطلب الأول؛ النظریة الثانیة
كلام الشیخ الأنصاري في أنّ المراد من البعدية هي البعدية الرتبية
قال: إنّ المراد بالبعدية في النصوص و الفتاوى ليس التأخّر من حيث الزمان، حتّى يكون معناه توقيت وجوب إخراج الخمس بما بعد زمان صرف المؤونة، كيف! و لو كان كذلك لوجب بعد السنة صرف خمس تمام الربح، فتعيّن أن يكون المراد تأخّر تعلّق الخمس بالمال من حيث إضافته إليه و ثبوته فيه عن تعلّق المؤونة بهذا الاعتبار، بمعنى أنّه لا يتعلّق في مال، إخراج الخمس و المؤونة منه كليهما، فلا يكون في الربح الذي يكون ألفا، الخمس أعني مائتين، و المؤونة أعني خمسمائة مثلاً، بل يلاحظ تعلّق الخمس بالمال بعد تعلّق إخراج المؤونة به.
و لازم ذلك إضافة الخمس إلى ما يبقى بعد المؤونة، فلا يجوز أن يضاف الخمس إلى أصل الربح، لأنّ المؤونة مضافة إليه، و المفروض عدم اجتماعهما في الإضافة و التعلّق، و هذا لا دخل له بزمان إخراج الخمس بالإضافة إلى زمان إخراج المؤونة.
و لمّا كان هذا المعنى مراداً من هذه العبارة الواردة في الفتاوى و النصوص و معاقد الإجماع اتّفاقا حتّى من الحلّي، لم يمكن إرادة المعنى الأوّل و هو التأخّر من حيث الزمان، و إلاّ لزم استعمال اللفظ في المعنيين، فافهم.[1] [2] [3] [4]
ملاحظاتنا علی النظریة الثانية:
الملاحظة الأولی:
إنّ البعدیة هنا تُتصوّر من جانبین:
الجانب الأول: و هو الحكم الوضعي، فمعنی أنّ الخمس بعد المؤونة بالنسبة إلی تعلّق الخمس بالمال بملاحظة عمومات تعلّق الخمس بالفائدة هو استثناء المؤونة عمّا تعلّق به الخمس.
الجانب الثاني: و هو الوجوب التكلیفي، فمعنی أنّ الخمس بعد المؤونة بالنسبة إلی الوجوب مع ملاحظة أنّ المراد من المؤونة هو مؤونة السنة، هو أنّ البعث و الإیجاب یكون عند إتمام السنة و لا إشكال في كون البعدیة زمانیة ، لما قلنا من أنّ المراد من المؤونة هو مؤونة السنة.
الملاحظة الثانیة:
ما أفاده من أنّ لازم إرادة الزمانيّة جواز إتلاف الربح أثناء السنة أو الصرف في غير المؤونة من هبةٍ لا تليق بشأنه و نحوها، لعدم لزوم حفظ القدرة قبل تعلّق التكليف، و مرجع هذا إلى سقوط الخمس عنه، لا یمكن المساعدة علیه؛ لأنّ الحكم الوضعي تعلَّق من حین حصول الفائدة و ذلك یقتضي تعلّق التكلیف الوجوبي عند الاتلاف أو الهبة بما لا تلیق بشأنه، لأنّ الوجوب لا یتعلّق بما صرفه في المؤونة، دون ما تعلّق به الحكم الوضعي من الخمس و لم یصرفه في مؤونته.
الملاحظة الثالثة:
ما أفاده في الاستدراك بقوله: «إنّما المتقيّد بعدم الصرف فيها هو الحكم التكليفي أعني: وجوب الخمس لا تعلّقه ... إذن فيكون المشروط بعدم الصرف فيها على سبيل الشرط المتأخّر إنّما هو الوجوب لا أصل التعلّق، فإنّه باقٍ على إطلاقه» لا یمكن المساعدة علیه، لما قلنا من أنّ الحكم الوضعي و هو تعلّق الخمس بالفوائد أیضاً مقیّدٌ، من جهة استثناء المؤونة عنها، فقوله: الخمس بعد المؤونة یشمل التعلّق أیضاً و معناه هو استثناء المؤونة من الفوائد و أنّ تعلّق الخمس بعد استثناء المؤونة و البعدیةُ هنا رتبیةٌ، لما تقدّم من أنّ الاستثناء من العام لیس زمانیاً بل أمر رتبي.
الملاحظة الرابعة:
و ما قاله: «و أمّا بالنسبة إلى مؤونة السنة التي هي محلّ الكلام فتعلّق الخمس باقٍ على إطلاقه، و إنّما المتقيّد بعدم الصرف فيها هو الحكم التكليفي أعني: وجوب الخمس لا تعلّقه، على ما تشهد به نصوص الباب، حيث إنّ المعلّق على ما بعد المؤونة في صحيحة ابن مهزيار[5] إنّما هو وجوب الخمس، كما أنّ المعلّق عليه في صحيحته الأُخرى[6] هو قوله: «عليه الخمس»، الظاهر في الوجوب».
ففيه؛ أنّ المعلّق عليه في صحيح ابن مهزيار عن ابن راشد هو الحكم التكلیفي و الحكم الوضعي، لأنّ قوله «إِذَا أَمْكَنَهُمْ بَعْدَ مَؤُونَتِهِمْ» جاء بعد قوله: «يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْخُمُسُ» و هو ظاهر في الحكم التكلیفي و بعد سؤال الراوي: «فَفِي أَيِّ شَيْءٍ؟» و هو ظاهر في السؤال عن الحكم الوضعي. و هكذا رواية الأشعري[7] [8] [9] ظاهرة في تقیید الحكم الوضعي.
فما أفاده من أنّ الحكم الوضعي و هو تعلّق الخمس مطلقٌ فلا وجه له.
نعم، ما ذكره من دلالة قوله: «عَلَيْهِ الْخُمُسُ بَعْدَ مَئُونَتِهِ وَ مَئُونَةِ عِيَالِهِ وَ بَعْدَ خَرَاجِ السُّلْطَانِ » على الوجوب التكليفي فصحیحٌ عندنا أیضاً، لأنّ ظاهر السؤال في هذه العبارة هو الحكم التكلیفي و علّقه على عدم الصرف في المؤونة. و نتیجة ذلك تقیید الحكم الوضعي و الحكم التكلیفي في هذه الروایات بقوله: «بعد المؤونة»
مناقشات أخر علی النظریة الثانیة و البعدیة الرتبیة
المناقشة الأولی علی البعدیة الرتبیة:
قال السید محمد سعید الحكیم: هذا ولكن ابتناء بذل المؤونة على التدريج غالباً وعدم الإحاطة حين وصول الربح بمقدارها كذلك، يوجب استفادة تأخره زماناً عن بذل المؤونة، تبعاً لاستثنائه قبله. ولاسيما بناءً على ما تقدّم منا من أخذ الإنفاق في مفهوم المؤونة، وعدم الاكتفاء بالحاجة في صدقها. وليس هو كاستثناء الدين والوصية في الميراث، لانضباطهما وسبقهما على الموت.[10]
المناقشة الثانیة على البعدیة الرتبیة:
قال السید محمود الهاشمي الشاهرودي: إن الظاهر الأولي للبعدية هو البعدية الزمانية، بحيث تحتاج إرادة البعدية الرتبية إلى قرينة و عناية زائدة ... .
و الأولى أن يقال: بأنّ كلمة (بعد) أساسا ليس لها معنيان بعدية زمانية و بعدية رتبية، ليتردد المعنى بينهما أو يقال بأنّ إرادتهما معاً من الاستعمال في معنيين، بل لهذه الكلمة معنى واحد و هو التأخر، و أما الزمانية أو المكانية أو الرتبية فتستفاد من إضافتها إلى ما بعدها و متعلقها، فإذا كان زمانا كقولك (بعد الظهر) أو زمانياً كقولك بعد الحج، استفيد التأخر في الزمان و البعدية الزمانية، و إن كان مكاناً أو مكانياً كقولك الكوفة بعد البصرة استفيد البعدية المكانية، و إن كان المتعلق حقاً و مالاً استفيد البعدية في الحق و المرتبة، كما في قوله تعالى ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ ... أَوْ دَيْنٍ﴾ الدال على أن حق الدائن و الميت قبل حق الوارث.
و في المقام المؤونة ليست أمراً زمانياً، و إنّما يراد بها المال المصروف في حاجات المكلّف، بل باب الأموال و الحقوق بصورة عامة إذا أصبحت متعلقاً للبعدية و القبلية كان الظاهر منه عرفا و عقلائيا إرادة البعدية الرتبية، بمعنى أن حق المكلف في إعاشة نفسه و عياله و مؤونتهم قبل حق صاحب الخمس، فلا موجب لتقييد إطلاقات الخمس في كل ما أفاد الناس بقيد زماني، و إنما يكون القيد رتبيا بمعنى تقدّم حق المكلف في مؤونته على حق صاحب الخمس فيما أفاده من الربح، فما لم يصرف منه في مؤونته بالفعل يكون متعلقاً لحق الخمس من أوّل الأمر تمسكاً بإطلاق دليله.[11] [12] [13] [14] [15] [16] [17]