45/06/13
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة64؛ الفروعات الفقهیة؛ الفرع الرابع: حکم اختلاط المال المخمس مع منافع الکسب
الفرع الرابع: صرف المال المخمس المختلط مع الربح في المؤونة
إنّ بعض الفقهاء یصرّحون بأنّ المال المخمّس إذا اختلط مع الربح، یُمیَّز و یَنفصل عن الربح بإخراجه منه، و إذا أراد المکلّف تخمیس الربح لابدّ من إخراج المخمس ثمّ تخمیس الربح.
قال صاحب الجواهر في مجمع الرسائل[1] و الشیخ الأنصاري في صراط النجاة[2] : إن اختلط مال مخمّس بالأرباح يجب أن يُخرج المال المخمّس من المختلط ثمّ تخميس الباقي.
النظریة الأولی: لا یجب الإخراج قبل الصرف و کفایة القصد
قال بها المحقق الخوئي و السید الگلپایگاني و المحقق التبریزي و هي المختار
جواز القصد بأن المال هو من الأرباح أو ممّا لا خمس فيه
السؤال (9): إذا كان للشخص أموال مخمسة أو أنّها لا يجب فيها الخمس في حساب في البنك وله أرباح يكسبها يتعلق بها الخمس وتحفظ في الحسابات عادةً القيمة، وأمّا العين فإنّها تختلط مع أعيان أُخرى. ففي حال السحب: هل يجوز له أن يقصد أنّ المال الذي سحبه من الأموال غير المخمسة، أي من الأرباح، و المال المخمس يبقى على حاله أو أنّه يقصد أنّ المال الذي يستلمه في هذا اليوم هو من الأموال المخمسة وبالتالي يخمس المال الآخر عند كمال السنة؟
جواب المحقق الخوئي: لا بأس بتعيين المال بالقصد في الفرضين... .[3]
السؤال (10): لو كان عند المكلف في البنك أموالا مخمسة و غير مخمسة، فهل يصح له أن يسحب مقداراً منها و يقصد أنه من غير المخمس و يصرفه؟
جواب السید الگلبایگاني: يجوز ذلك.[4]
جواب المیرزا جواد التبریزي: لا مانع فیه.[5]
الدلیل علی النظریة الأولی:
إنّ المکلّف إذا صرف من المال المخمّس في المؤونة یمکن له جبر ذلک من الربح، کما تقدّم سابقاً فهنا أیضاً نعتقد بذلک و إن لم یقصد أنّ ما یصرفه من المؤونة من الربح.
ملاحظتنا علی المحقق الخوئي في المقام:
إنّ المحقق الخوئي یعتقد بجبر المال المخمّس المصروف في المؤونة من الربح في ما إذا کان الربح موجوداً حین الصرف، و هنا حیث فرضنا الاختلاط فالربح موجودٌ، فلا نحتاج في المقام إلی القصد حتّی یقال بکفایة قصد أنّ المال الذي سحبه من الأموال المختلطة من الأرباح.
النظریة الثانیة: یستثنی من الربح بدون الإخراج ولا القصد (المختار)
من یعتقد في المسألة السابقة بأنّ من صرف من المال المخمس في المؤونة یجوز له جبر ذلک من الربح[6] ، فیجوز له استثناء ما صرفه من المال المخمس في المؤونة من الربح.
فلابدّ لهؤلاء الأعاظم أن یلتزموا بهذه النظریة: (و إن لم یصرّحوا بذلک أو صرّحوا بخلافها)
الشیخ عبدالکریم الحائري، و المحقق البروجردي، و الأستاذ المحقق البهجت، و المحقق النکراني، و السید السیستاني و السید محمد سعید الحکیم، و السید محمود الهاشمي الشاهرودي.
بل لابدّ للمحقق لخوئي أیضاً أن یلتزم بهذه النظریة و یقول بعدم لزوم القصد، کما صرّح بذلک في بعض استفتاءاته و إلیک نصّه:
السؤال (11): لو سحب من هذا الحساب مبلغاً وهو لم يقصد شيئاً لا الذي لم يتعلق به الخمس ولا المال الذي عليه الخمس لو كمل سنة... فعند الحساب هل يجب عليه الخمس في الباقي من الأرباح وكأنّه قد أخذ منها أو أنّه يعتبره من المال المخمس وبالتالي يجب الخمس في جميع الأرباح لأنّه لم يصرف منها شيئاً؟
جواب المحقق الخوئي: إذا لم يقصد شيئاً منهما عند السحب يستثنى ما صرفه في مؤونة سنته من ربح تلك السنة فيجب الخمس في باقي الربح هذا فيما إذا أودع ربح كسبه في البنك كالمال المخمس و أمّا ربح البنك فيعامل معه معاملة مجهول المالك. [7]
أما الدلیل علی هذه النظریة:
هو ما تقدم من الأدلّة علی النظریة الرابعة في الفرع السابق.
النظریة الثالثة: عدم الجواز بمجرّد القصد
جواب بعض الأکابر: يجوز للمالك أن يعزل ماله المخمّس و يصرف لمؤونته من أرباح أثناء السنة، و مجرّد القصد لا يكفي.[8]
جواب المحقق اللنکراني: عند اختلاط الأموال، لا يمكن بمجرّد النيّة تعيين أحدهما، و لكن حيث يجوز للمكلّف استثناء ما صرفه من المال المخمّس، أو الذي لا يتعلّق به الخمس من أرباح سنته، فيجوز له حينئذٍ عدم تخميس ما يعادل ما صرفه في مئونته من المال المتبقّى.[9]
ملاحظتنا علیه:
بعد تمامیة ما سبق من الأدلّة علی جواز جبر المال المخمس المصروف في المؤونة من أرباح السنة الجدیدة فلا یبقی وجهٌ لهذه النظریة.
النظریة الرابعة: التفصیل بین المشاع و غیر المشاع
قال بها السید المحقق السیستاني.
و خلاصة هذه النظریة هي أنّه إذا أخذ من المشاع فیعدّ من کلیهما فمجرد القصد لا يكفي و إذا أخذ من غير المشاع يجوز عّده من الأرباح.
قال السید السیستاني: إذا اختلط المال المخمّس بأرباح أثناء السنة و لم يمكن التمييز كما إذا جمع الشخص ماله –المخمّس و أرباحه- في صندوق واحد فعند الأخذ من الصندوق لا تؤثّر نيته في الأخذ من أحد المالين، فعليه عندما يختلط المال يكون شرعاً مشاعاً، فما يأخذه منه يكون من كلا المالين بالنسبة – أي نسبة أحدهما إلى المجموع- أمّا إذا اختلط المال، و لم يكن مشاعاً فما يؤخذ منه المجموع يحسب من أرباح أثناء السنة و إذا أكثر من مقدار الأرباح الموجودة في الصندوق فالزائد يحسب من المال المخمّس.[10]
ملاحظتنا علی هذه النظریة:
إنّه علی تمامیة جواز جبر المال المخمس المصروف في المؤونة من أرباح السنة الجدیدة فلا وجه لما أفاده في المال المشاع فلا نحتاج إلی القصد و نحکم بالجبر قصد ذلک أو لا.
المناط في المؤونة ما يصرف فعلا لا مقدار ما سيصرفه:
قال صاحب العروة:
المسألة 65: المناط في المؤونة ما يصرف فعلا لا مقدارها فلو قتر على نفسه لم يحسب له كما أنه لو تبرع بها متبرع لا يستثنى له مقدارها على الأحوط بل لا يخلو عن قوة.
توضیح ذلك:
الکلام هنا في فرعین:
الفرع الأول: إذا زاد ماله في آخر السنة بسبب تقتیر نفسه عن صرف المتعارف، فما هو حکم هذا المال الزائد؟ هل یجب فیه الخمس أو يحسب من المؤونة و إن لم یصرف؟
الفرع الثاني: إذا تبرع شخص آخر في صرف مؤونته و بهذا السبب نقص مقدار مؤونته من ماله، فهل یستثنی هذا المقدار عن الربح بعنوان المؤونة و إن لم یصرف في المؤونة؟
الأعلام بحثوا عن هذین الفرعین بملاك واحد هو صدق الصرف الفعلي أو الشأني في مناط المؤونة فعلی هذا جعلهما في بحث واحد و أما في کلام بعضهم أنه ینبغي أن یبحث عن الفرعین مستقلا فقال السید محمود الهاشمي الشاهرودي: ... اما عدم استثناء ما لم يصرف في المئونة بمقداره، فلما تقدم في النقطة الاولى من المسألة السابقة من ظهور ادلة الاستثناء في اخراج ما هو المئونة بالفعل لا معادلها أو المئونة التقديرية، و اما عدم استثناء ما تبرع بها المتبرع فليس مرتبطا بتلك النكتة، لانّ المال المتبرَّع به مصروف في المئونة الفعلية بحسب الفرض، غاية الامر من مال مالك آخر، و هو كالصرف فيها من ماله الآخر، فالمئونة فعليةٌ لا تقديرية، كما في الفرع الاول، فما عن جملة من الاعلام و ظاهر المتن من جعل الفرعين بملاك واحد غير فني.[11]
و یظهر إمکان الافتراق في الحکم من کلام الشیخ الأنصاري حیث قال: و يحتمل عدم احتساب ما يقابل المتبرّع و لو على القول باحتساب التقتير، فإنّ الشخص إذا أضيف في جميع الليالي، فلا يحتاج إلى العشاء حتّى يعدّ من المؤونة، بخلاف ما لو ترك التعشّي و نام جائعاً و تغدّى بعشائه.[12]
فنبحث حینئذ عن الفرعین مستقلا.
المطلب الأول: تقتیر النفس عن صرف المتعارف في المؤونة
هنا نظريات للأعلام في وجوب خمس المال الزائد بسبب التقتير و عدم وجوبه:
النظرية الأولى: عدم وجوب الخمس في الفاضل بسبب التقتير
أما المصرّحون بهذه النظریة:
قال الشهید في الدروس: «و لو أسرف حسب عليه، و لو قتّر حسب له.»[13]
و في البیان: لو قتر في النفقة فلا شيء في الفاضل لسبب الإقتار، و لو أسرف وجب في الفائت بسبب الإسراف.[14]
قال الفاضل السيوري: الأرباح بعد مئونة السنة له و لعياله الواجبي النفقة من غير إسراف و لا تقتير، فلو أسرف حسب عليه و لو قتر حسب له.[15]
قال شمس الدين القطان الحلّي: الخامس: ما يفضل عن مئونة السّنة له و لعياله (مطلقا) من أرباح التجارة و الصناعة و الزراعة و الغرس لا غير، و يحسب عليه الإسراف، و له التّقتير.[16]
قال الشهید الثاني: فإن أسرف حسب عليه ما زاد و إن قتر حسب له ما نقص.[17]
قال المحقق الثاني بعدم وجوب الخمس في استفتاء عنه في هذا المقام.[18]
قال المحقق السبزواري: فإن أسرف حسب عليه ما زاد و إن قتر حسب له ما نقص.[19]
قال المحقق البحراني: و إن أسرف حسب عليه ما زاد و إن قتر حسب له ما نقص.[20]
و قال الشيخ حسین بن محمد آلعصفور في سداد العباد: و لو قتّر في النفقة فلا شيء في الفاضل بسبب الإقتار، و لو أسرف وجب في الفائت بسبب الإسراف.[21]
قال المحقق النراقي: هل يعتبر في صدق المؤونة على ما ذكرنا تحقّق الإنفاق و الصرف أيضا، حتى أنّه لو قتّر على نفسه مع الحاجة لم يحسب له، أو لا يعتبر فيحسب؟ صرّح في الدروس و البيان و الروضة و المدارك بالثاني، بل الظاهر أنّه مذهب الأكثر. و هو الأظهر.[22]
و قال صاحب الجواهر في مجمع الرسائل: یعتبر في المخارج، الاقتصاد بحسب حال الشخص فإن أسرف شخص في مخارجه، یتعلق الخمس بمقدار الزائد لکن إن قتّر علی نفسه و أنفق أقلّ من شأنه، فلا یتعلق الخمس بمقدار الزائد و إن کان الأحوط تعلق الخمس بمقدار الزائد.[23]
و علّق علی الاحتیاط المذکور المیرزا الشیرازي و صاحب العروة بأنه: «لا یترك هذا الاحتیاط».
أما من یستظهر هذه النظریة من عبارته أو ادّعي الاستظهار:
قد قیّد المتقدّمون من الأعلام المؤونة بقید الاقتصاد و لم یصرّحوا بالتقتير، و قد قيّد البعض المؤونة بالاقتصاد و فرّع علی الاقتصاد عدم وجوب الخمس في التقتیر، و لعلّ هذه النظرية هي الظاهر من القدماء ممّن قيّد المؤونة بالاقتصاد و لم يذكر حكم التقتير:
أما من یستظهر من کلامه:
قال العلّامة الحلي في التذكرة: «الصنف الخامس: أرباح التجارات و الزراعات و الصنائع و سائر الاكتسابات بعد إخراج مؤونة السنة له و لعياله على الاقتصاد من غير إسراف و لا تقتير، عند علمائنا كافة.[24]
و قال في القواعد: و في الأرباح كونها فاضلة عن مئونة السنة له و لعياله، من غير إسراف و لا تقتير.[25]
قال ابن فهد الحلّي: و لا يجب فيها الا أن يفضل عن مئونة السنة له و لعياله الواجبي النفقة من غير إسراف و لا تقتير.[26]
المحقق الأردبيلي: بعد مئونة السنة لأهله على الوجه المتعارف اللائق من غير إسراف و تقتير.[27]
قال صاحب المدارك: «كل ذلك على الاقتصاد من غير إسراف و لا إقتار، فيخمس الزائد عن ذلك.[28]
أما من ادّعي الاستظهار من کلامه:
الشيخ المفيد و الشیخ الطوسي و ابن زهرة.
قال الشيخ المفيد: و الغنائم كل ما استفيد بالحرب من الأموال ... و كل ما فضل من أرباح التجارات و الزراعات و الصناعات عن المؤونة و الكفاية في طول السنة على الاقتصاد.[29]
قال الشيخ الطوسي: و أمّا الغلاّت و الأرباح فإنّه يجب فيها الخمس بعد إخراج حق السّلطان و مؤونة الرّجل و مؤونة عياله بقدر ما يحتاج اليه على الاقتصاد.[30]
قال أبوالمکارم ابن زهرة: و يجب الخمس أيضا في الفاضل عن مؤونة الحول على الاقتصاد من كل مستفاد بتجارة أو ... بدليل الإجماع المشار إليه.[31]