بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/05/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة64؛ المطلب الأول؛ النظریة الرابعة؛ تنبیه: ما کان لا یعدّ للصرف في المئونة عادة

 

تنبیه: ما لا یعدّ للصرف في المؤونة عادة، مثل رأس المال

و یظهر من کلمات الأعلام أن المال الذي أدّي خمسه أو الذي لا خمس فیه يفرض فيه ثلاثة فروض:

الأوّل: ما كان يعدّ للصرف في المؤونة عادة، و لکن لیس من جنس المؤونة کالنقود و الذهب، و تقدّم البحث فيه و ذكرنا فيه أقوالاً أربعة.

الثاني: ما يكون عادة مؤونة، لأنه من جنسها، کالدار و العبد و أمثالهما .

الثالث: ما كان لا یعدّ للصرف في المؤونة عادة، مثل رأس المال.

هذا المطلب عُقد لبيان الفرضين الثاني و الثالث و لم يتعرّض صاحب العروة لهما و لعلّه لظهور عدم لزوم صرفهما في المؤونة بل يصرف في المؤونة من الأرباح، لا من هذا المال الذي هو رأس مال، أو ما يكون من جنس المؤونة و هو زائد على مؤونته.

و المختار صحّة هذا الحکم بلا کلام، کما صرّح به الأعلام و إلیك نصّ عباراتهم:

قال المحقق القمي: ... لا إشكال في أنّ‌ رأس المال و ما لا يُعدّ للصرف و يُدَّخر للقُنية[1] كالفرش و الظروف و نفس الضيعة الّتي هي مستغلّ‌ لها[2] و أمثال ذلك لا يحسب منها المؤونة ... .[3]

قال المحقق النراقي: ... فإن كان مما يتّجر به من الأموال أو يشتغل منه من الصُّناع أو نحو ذلك، ممّا يحتاج إليه في الاستفادة أو الصّناعة و بالجملة ما ليس من شأنه أن يصرف في المؤن عادة، فلا توضع منه المؤونة و توضع من الربح إجماعاً له، و لأنّه المتبادر الظاهر من الأخبار.[4]

قال صاحب الجواهر: ... [تُخرج المؤونة من الربح] خصوصاً في مثل رأس المال المحصِّل للربح، فإن كلامهم كالصريح في عدم احتساب شيء منه في المؤونة.[5]

قال الشیخ الأنصاري: ... إنّ‌ المال المذكور [أي: ما لا یتعلق به الخمس] إن كان ممّا يحتاج إليه لأجل الاكتساب - كرأس مال التجارة و ما يحتاج إليه للزراعة - فالظاهر عدم خروج المؤونة منه و كذا لو كان ممّا لا يحتاج إليه و لكن لم تجر العادة بصرفه في المؤونة، كالزائد عن مقدار الحاجة من رأس مال أو كدار زائدة أو نحوها، لإطلاق الروايات بإخراج المؤونة عن الربح.[6]

و قال في موضع: التحقيق: أنّه إن كان المال الآخر ممّا يحتاج إليه في الاكتساب، كرأس المال في التجارة، و ما يحتاج إليه في الزراعة، فلا ينبغي الإشكال في عدم كون المئونة منه، و كذا لو كان ممّا لا يحتاج و لكن لم تجر العادة بالإنفاق منه، كدار لا يحتاج إليها، و كزائد عن مقدار الحاجة من رأس المال، فالظاهر أنّه كذلك أيضاً.[7]

قال المحقق الحکیم: أما إذا لم يكن كذلك - كمالٍ يتّجر به، أو ضيعةٍ يستغلّها - فالمؤونة من الربح دونه إجماعاً، كما في المستند.[8]

قال المحقق الخوئي: لا شكّ أيضاً في جواز الإخراج [أي: جواز إخراج المؤونة من الربح] فيما لو كان له مال آخر و لكن لم تجر العادة على صرفه في المؤونة، كدار السكنى أو أثاث البيت أو رأس المال [في ما إذا کانت ممّا لا خمس فیها] و نحو ذلك.[9]

احتساب قيمة المؤونة التي لا خمس فيها من الأرباح

قال صاحب العروة:

و لو كان عنده عبد أو جارية أو دار أو نحو ذلك [اشتراها أو حصل علیها من مال لا خمس فيه بأن لم يتعلق به أو تعلق و أخرجه] مما لو لم يكن عنده كان من المؤونة، لا يجوز احتساب قيمتها من المؤونة و أخذ مقدارها بل يكون حاله حال من لم يحتج إليها أصلا.‌[10]

توضیح ذلك:

هنا أبحاث:

البحث الأول: احتساب قیمة الأعیان عن الربح

هنا نظریتان:

النظرية الأولى: عدم احتساب قیمتها من المؤونة

قال صاحب الجواهر: ... قد يَقوى عدم احتساب ما عنده من دار و عبد و نحوه مما هو من المؤونة _ إن لم يكن عنده_ من الأرباح.[11]

و قال الشيخ الأنصاري: ... ما تقدّم من اختيار إخراج المؤونة من الربح فمعناه جواز الإخراج من الربح، لا استثناء مقابل المؤونة من الربح [أي لا یجوز استثناء قیمة ما حصل عنده مثل الدار و الأطعمة و الثیاب من طریق الإرث و نحوه من الربح] و إن أخرجها من غيره [أي غیر الربح، ممّا لا خمس فیه]، أو أسقطها مسقط تبرّعاً، أو تركها الشخص تقتيراً.[12]

أدلّة النظرية الأولى:

الدليل الأول: ظهور المؤونة في الاحتیاج و المفروض عدم الاحتیاج هنا

استدل به صاحب الجواهر حيث قال: ... لظهور المؤونة في الاحتياج و إرادة الإرفاق [في استثناء المؤونة من الربح] فمع فرض استغنائه عن ذلك و لو بسبب انتقال بارث و نحوه مما لا خمس فيه و قد بنى على الاكتفاء به، يتّجه حينئذ عدم تقدير احتساب ذلك من المؤونة.[13]

و قال في نجاة العباد: الظّاهر عدم احتساب ما عنده من دار او عبد و نحوهما ممّا هو من المئونة مع عدمه من الرّبح.[14]

و قال المحقق الحكيم معلّقاً على كلام صاحب العروة: كما قواه في الجواهر، و استظهره شيخنا الأعظم لظهور المؤونة المستثناة فيما يحتاج إليه و مع وجود الأمور المذكورة يكون مستغنياً غير محتاج.[15]

و یظهر هذا الدلیل من کلام المحقق الخوئي حیث علّق علی کلام صاحب العروة: لانتفاء موضوع المؤونة و الاستغناء عنها بعد تملّك تلك الأعيان، فلا مقتضي للإخراج عن الربح.[16]

و قال الشيخ علي الصافي في ذخیرة العقبی: «الأقوى عدم الجواز لأنّه بوضعه الفعلي لا يحتاج إلى الدار حتى يكون من جملة مؤونته اشتراء الدار أو احتساب قيمته فيكون نظير من لا يحتاج إلى الدار فلا يخرج من الربح بعنوان المؤونة قيمة الدار.[17]

الإيراد على الدليل الأوّل:

قال السید محمود الهاشمي الشاهرودي: ... إنّ‌ المراد من عدم صدق المؤونة و الاحتياج إن كان عدم صدقها بلحاظ دار أخرى فهذا صحيح، إلاّ أنّه أجنبي عن محلّ البحث، إذ ليس المقصود استثناء ثمن دار أخرى بل استثناء قيمة نفس هذه الدار.

و إن كان المراد عدم الاحتياج إلى أصل الدار الصادق على ما بيده فهذا واضح البطلان، لأنّ‌ المفروض أنّه لا سكن له غيره بحيث لو لا تملكه له كان يشتريه من الأرباح، و هذا يعني احتياجه إلى سكن الدار بالفعل.

... فعنوان الاحتياج و المؤونة صادقة دقة و عرفاً، حدوثاً و بقاءً ما دام محتاجاً إلى منفعة تلك العين، فيكون احتساب قيمتها من الربح صرفاً للربح في مؤونة سنته هذه أيضاً.[18]

الدليل الثاني: صدق المؤونة علی ما هو مصروف بالفعل

قال المحقق الحکیم: ... إنّ ظاهر دليل استثناء مقدار الربح - الراجع للمؤونة - خصوص ما يُصرف و يُبذل لتحصيلها لا استثناء مقدارها مطلقاً.[19]

قال المحقق الخوئي: [لا يجوز احتساب قيمتها من المؤونة] لانتفاء موضوع المؤونة و الاستغناء عنها بعد تملّك تلك الأعيان، فلا مقتضي للإخراج عن الربح. و أمّا إخراج المقدار و احتساب القيمة فلا دليل عليه بتاتاً، فإنّ‌ المستثنى في الأدلّة إنّما هي المؤونة الفعليّة لا التقديريّة و بنحو القضيّة الشرطيّة لكي تحتسب القيمة، و المفروض انتفاء الفعليّة، فلا موضوع للاستثناء.[20]


[1] القنیة: الاحتفاظ و التملک.
[2] یعني الأرض الزراعية التي یُخرجون منها الغلّات.
[3] غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام، القمّي، الميرزا أبو القاسم، ج4، ص327.
[4] مستند الشّيعة، النراقي، المولى احمد، ج10، ص72.
[5] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج16، ص63.
[6] كتاب الخمس، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص95.
[7] كتاب الخمس، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص204.
[8] مستمسك العروة الوثقى، الحكيم، السيد محسن، ج9، ص541.
[9] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج25، ص256.
[10] العروة الوثقى - جماعة المدرسین، الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، ج4، ص288.
[11] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج16، ص64.
[12] كتاب الخمس، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص207.
[13] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج16، ص64.
[14] نجاة العباد، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج1، ص87.
[15] مستمسك العروة الوثقى، الحكيم، السيد محسن، ج9، ص541.
[16] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج25، ص259.
[17] ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، الصافي الگلپايگاني، الشيخ علي، ج10، ص183.
[18] كتاب الخمس، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج2، ص260.
[19] مستمسك العروة الوثقى، الحكيم، السيد محسن، ج9، ص541.
[20] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج25، ص258.