45/05/01
بسم الله الرحمن الرحیم
أقول: عرفت أن المؤنة عبارة عما يحتاج إليه في جلب المحبوب و دفع المكروه. نعم إطلاق نصوص المؤنة منصرف إلى المتعارف، فالخارج [عن المتعارف] غير مستثنى، لا أنه ليس من المؤونة [یعني أنّ ما هو خارج عن المتعارف یعدّ من المؤونة و لکن إطلاق المؤونة في النصوص منصرف إلی المؤونة المتعارفة لا مطلق المؤونة]. فالمستحبّات المتعارفة لمثل المالك داخلة في المستثنى [أي المؤونة]، و غيرها خارج عنه [غیر المستحبّات المتعارفة خارجٌ عن المستثنی] و إن اشتركت في الصدق [صدق المؤونة].
و منه يظهر: أن مثل بناء المساجد، و عمارة الجسور و المعابر قد يستثنى بالنسبة إلى شخص و لا يستثنى بالنسبة إلى آخر، لاختلاف المتعارف بالنسبة إليهما. و هذا هو الذي أشار إليه في المتن و غيره بقوله: «بحسب شأنه اللائق بحاله في العادة».
و منه تعرف الوجه في عدم احتساب ما زاد عنها [أي لا یحتسب ما زاد عن المتعارف من المؤونة المستثناة من الخمس] و إن لم يُعَدّ سرفاً و سفهاً، فضلا عما لو عُدّ كذلك، الذي لا إشكال ظاهر في عدم عدّه من المؤن. و في حاشية الجمال على الروضة: نفي الريب فيه، و في الجواهر: «لا أجد فيه خلافاً...».[1]
قد استدلّ به الشیخ الأنصاري: «الأصل في ذلك أنّ إطلاق المؤونة منصرف إلى المتعارف، فيختصّ بما يحتاج إليه الشخص في إقامة نظام معاشه و معاده على وجه التكميل الغير الخارج عن المتعارف بالنسبة إليه»[2]
و استدلّ به المحقق الحکیم: «أن المؤنة عبارة عما يحتاج إليه في جلب المحبوب و دفع المكروه. نعم إطلاق نصوص المؤنة منصرف إلى المتعارف»[3]
حکی الشیخ الأنصاري في کتاب الخمس عن السید المجاهد تفصیلاً فقال:
«و استقرب سيّد مشايخنا في المناهل التفصيل بين ما إذا كان لازماً عليه شرعاً أو عادة، و بين ما يكون مخيّراً فيه، فلا يكون واجباً شرعاً و لا عادة، فاستقرب عدم وضع ما كان من قبيل الثاني.» [4]
«فيه نظر، بل لا يبعد الوضع [أي عدم الخمس ] إذا كان لغرض صحيح في نظر العقلاء يوجب استحسان وقوعه منه، و إن لم يبلغ حدّ اللزوم عادة».[5]
و من هذا يظهر وجه ما صرّح جماعة - بل الأكثر على ما صرّح به بعض الأجلّة - من تقييد المؤونة بكونها على وجه الاقتصاد بحسب اللائق بحاله عادة دون الإسراف، فإنّه ليس من المؤونة، لصحّة السلب. و يؤيّده ما في موثّقة سماعة الواردة فيمن يحلّ له أخذ الزكاة: «فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و لعياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم في غير إسراف فقد حلّت له الزكاة»[6] يمكن الاستدلال بها بضميمة ما صرّح به بعض الأصحاب - بل انعقد عليه الإجماع - من أنّ المعتبر في حلّ الزكاة قصر المؤونة، بل يظهر منها أيضا صدق المؤونة على ما ذكرنا، لصدق الحاجة في كلّ ما ذكر ... و كذا تظهر صحّة استشكال بعض الأجلّة في احتساب الصلة و الهديّة اللائقان بحاله، و قال: إنّه لا دليل على احتسابه ... و صحّة تقييد ابن فهد في الشاميّات الضيافة بالاعتياد أو الضرورة، بل في كفاية الاعتياد أيضا نظر، إلاّ أن يكون بحيث يذمّ بتركها عادة، فلا يحسب مطلق الضيافة و لا الصدقة و لا الصلة و لا الهديّة و لا الأسفار المندوبة، و لا سائر الأمور المندوبة من غير ضرورة أو حاجة و لو بقدر اقتصادها ...
و لكن ما يلزم نوعه لا يشترط في كيفيّته اللزوم أيضا، بل يكفي عدم عدّها زائدة، فإنّه لا يشترط في صدق المؤونة على الكسوة مثلا الاقتصار على كيفيّة يذمّ على ما دونها، بل يصدق مع كونها بحيث لا تعدّ زائدة عرفاً.[7]
قد استدلّ المحقق النراقي بالمفهوم لغةً و عرفاً من مئونة الشخص للتبادر و عدم صحّة السلب فيما ذكر، و عدم التبادر و صحّة السلب في غيره ...».[8]
لا وجه لتقیید المؤونة بالأمور الضروریة أو المحتاج إلیها عرفاً بعد ما سمعت من أنّ المؤونة العرفیة تشمل ما هو المناسب لشأن المکلّف و إن لم یکن ضروریاً و لم یکن ممّا یحتاج إلیه عرفاً.
قد أفتی بذلک صاحب الجواهر في أحد قولیه (في نجاة العباد) فإنّ صاحب الجواهر زاد علی القول باللائق بشأنه قیداً آخر و هو أن یکون الحد الوسط من المؤونة اللائقة بشأنه و لا یکون الفرد العالی من المؤونة.
إنّه قد اختلفت کلمات صاحب الجواهر حیث یفتي في نجاة العباد أولاً بلزوم مراعاة ما هو شأنه اللائق بحاله، ثمّ یفتي بمراعاة الحدّ الوسط من المؤونة دون الفرد العالي
و لکنّه قال بخلاف ذلک في مجمع الرسائل و وسّع في المؤونة في بعض الأمور التي منها الصدقات و الهدایا فقال: «لا يشترط في هذه الأمور الاقتصاد، و شأن الشخص.» و نشیر إلی ذلک في ما بعد، و معنی فتواه في مجمع الرسائل هو أنّه یستثنی ما یصرفه في هذه الأمور و إن کان زائداً علی شأنه و خارجاً عن المتعارف، نظراً لإطلاق کلمة المؤونة من غیر إنصرافه إلی المتعارف، حیث یشمل إطلاقها ما هو زائدٌ علی الشأن و خارج عن المتعارف.
قد أفتی بذلک صاحب الجواهر في أحد قولیه (في مجمع الرسائل) و المحقق السید محمد سعید الحکیم.