44/04/12
بسم الله الرحمن الرحیم
فصّل [صاحب العروة] بين ما إذا كان التنزّل قبل تمام السنة، و بين ما إذا كان بعدها، و حكم بالضمان في خصوص الثاني، و علّل عدمه في الأوّل بعدم تحقّق الزيادة في الخارج.
الظاهر أنّه لا يريد الزيادة الماليّة، كيف؟! و هي لا تتوقّف على البيع الخارجي كما صرّح به في المسألة السابقة، و لأجله التزم هناك بوجوب خمس الارتفاع بمجرّد التمكّن من البيع و إن لم يتحقّق خارجاً.
و لا يبعد أنّه يريد به الزيادة على مؤونة السنة، حيث إنّ الخمس و إن تعلّق أوّل ظهور الربح إلّا أنّ استقرار الوجوب إنّما هو بعد انتهاء السنة و فيما يزيد على المؤن المصروفة فيها أو التالفة قهراً خلالها كما في المقام، فلا خمس إلّا فيما يبقى له خالصاً زائداً عمّا تلف و ما صرف، و لا شكّ أنّ الزيادة بهذا المعنى غير متحقّقة في المقام، لفرض تنزّل القيمة أثناء السنة بعد ارتفاعها، فقد تلفت تلك الزيادة خلال السنة و قبل أن يستقرّ الوجوب، و من الواضح عدم كونه موجباً للضمان بعد أن رخّص له الشارع في التأخير فضلاً عن استناده إلى الغفلة أو كونه بنيّة صالحة و لغاية عقلائيّة و هي طلب الزيادة فاتّفق العكس، فلم يكن مثل هذا الإبقاء و التأخير تعدّياً و لا تفريطاً في حقّ السادة ليستتبع الضمان.
و بذلك افترق هذا الفرض عن الفرض الثاني أعني: ما كان التنزّل في القيمة بعد انقضاء السنة و استقرار وجوب الخمس، إذ هنا قد تحقّقت الزيادة على المؤونة خارجاً[1] بحيث يصحّ أن يقال: إنّ هذه زيادة لم تتلف و لم تصرف في مئونة السنة فيجب خمسها، فلو أخّر عمداً ضَمِنَ لو تنزّلت و إن كان من قصده زيادة الربح، إذ ليس للمالك الولاية على ذلك حتى إذا كان بصالح أرباب الخمس في اعتقاده.
و على الجملة: يفترق الفرض الأوّل عن الثاني في عدم صدق الزيادة على المؤونة في الأوّل، فلا خمس كما لا ضمان لو تنزّلت، لأنّ التأخير كان بترخيص شرعي و إجازة من وليّ الأمر، و هذا بخلاف الثاني، إذ بعد فعليّة الوجوب من أجل صدق الزيادة على المؤونة خارجاً كان التأخير غير المستند إلى الترخيص الشرعي و لو كان لغرض عقلائي تعدّياً و تفريطاً، فيضمن لا محالة بعد كونه عامداً و غير معذور شرعاً في عدم البيع كما افترضه في المتن.[2]
قال السيد الخلخالي: ما أفاده و إن كان تاماً في نفسه؛ لأن العبرة في تعلق الخمس بالأرباح أو استقراره إنما هو بالزيادة على مئونة السنة - كما سيأتي - و مع عدم الزيادة عليها لا موضوع للخمس فلا موجب للضمان؛ لأنه من السالبة بانتفاء الموضوع لعدم المقتضي له رأساً لو رجعت العين إلى رأس مالها أو أقل قبل تمام السنة، فما أفاده و إن كان تاما في نفسه و هو السبب في عدم الضمان في هذه الصورة إلاّ أنه خلاف ظاهر عبارة المصنف لأن المشار إليه في قوله «لم يضمن خمس تلك الزيادة» إنما هو زيادة القيمة في صدر كلامه لا الزيادة عن مؤونة السنة و كذلك الضمير في قوله «لعدم تحققها في الخارج» أيضا زيادة القيمة، إذ ليس في كلامه أي إشارة و لا إيهام للزيادة على مؤونة السنة، فما أُفيد ليس إلاّ تأويلاً لكلام المصنف و إن كان تاماً في نفسه، و الأمر سهل بعد معلومية الحال.[3]
استدلّ بذلك المحقق الحکیم و قال: و الأولى تعليله: بأن عدم البيع غفلةً أو طلباً للزيادة ليس تفريطاً موجباً للضمان و الأصل البراءة منه. نعم لو كان عدم البيع لا لعذر كان اللازم الضمان كما في الصورة الآتية. و كان المناسب التعرض لهذا الفرض هنا.[4]
قال صاحب المرتقى: و الوجه في عدم الضمان في مورد احتماله، هو: أن الزيادة السوقية و ان ثبت فيها الخمس عند حصولها الا انه حيث جاء الترخيص من الشارع في التأخر في أداء الخمس الى آخر السنة، كان للمكلف إبقاء العين التي ارتفعت قيمتها السوقية تحت يده و تكون بمنزلة يد الأمانة، فإذا رجعت القيمة السوقية الى رأس مالها كان ذلك بمنزلة التلف، و لا ضمان على اليد - اذا كانت يد امانة - مع التلف و ذلك ظاهر.[5]
قال الشيخ السبحاني: الأولى، التعليل بكونه مأذوناً في الإبقاء و عدم البيع إلى آخر السنة و الإذن فيه آية عدم الضمان.
و إن شئت قلت: إنّ الفائدة تحقّقت لكن لم تستقر إذ الاستقرار عبارة عن بقاء العين على تلك الحالة إلى أن تتم السنة.[6]
و بها قال السید الفیروز آبادي و السید الاصطهباناتي.
بعد تمامیة الدلیل -و هو عدم استقرار الزيادة- علی عدم وجوب الخمس فلا نرى وجهاً سليماً لإيجاب الاحتیاط.
لم يذكر صاحب العروة و معلّقي العروة بل معلّقي المنهاج أيضاً هذه المسألة و الظاهر عدم إيجاب الخمس في هذه المسألة عندهم لاستدلالهم بعدم تحقق الزیادة في المطلب السابق و بأنّ مناط الخمس هو استقرار الوجوب، لأنّ الشارع رخّص له في التأخير و في البیع و عدمه قبل استقرار الخمس.
قال بها السید الحکیم في تعلیقة العروة و هکذا الشیخ زین الدین.
و الشيخ زين الدين علّق علی المطلب الثالث و هو وجوب خمس الزیادة عند عدم البیع عمداً بعد اتمام السنة، بقوله: وكذا في أثناء السنة على الظاهر، والمدار في الضمان على صدق التفريط عرفاً، فلو لم يبع غفلةً، أو لعدم المشتري بالفعل، أو رجاءً للزيادة، أو لعذرٍ عقلانيٍّ آخر فلا ضمان.[7]
فکأنّه یعدّ عدم البیع عمداً أثناء السنة تفریطاً عرفاً فیوجب الضمان.
إنّ هنا أمرین مقتضیین لعدم صدق الضمان:
الأول: إطلاق ترخیص الشارع في عدم البیع في أثناء السنة و إن کان عمداً، فإنّه یوجب عدم صدق التفریط، فلا ضمان.
الثاني: عدم استقرار الوجوب قبل اتمام السنة.
قال المحقق الحكيم في المنهاج: اما إذا لم يبعها [في أثناء السنة و تراجعت قبل تمام السنة] عمداً فالأحوط ضمانه للخمس[8] بل الأقوى إذا بقيت الزيادة إلى آخر السنة و بعدها نقصت قيمتها.[9]
یظهر عدم لزوم الاحتیاط ممّا ذکرناه في الملاحظة علی النظریة الثانیة.