46/06/21
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الفقه الاقتصادی/العقود المستحدثه / صحة عقود المستحدثة؛ نظریة الأولی؛ الأمر الثاني؛ النظریة الثالثة
النظریة الثالثة: المراد من العقود هو عهود النبي لأمير المؤمنين
احتمله بعض الأعلام مثل المحقق النراقي[1] و منشأه هو ما روي عن ابن أبي عمیر في تفسیر القمّي:
قال عليُّ بن إبراهیم: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَامِرٍ عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي فِي قَوْلِهِ: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَقَدَ عَلَيْهِمْ لِعَلِيٍّ بِالْخِلَافَةِ فِي عَشَرَةِ مَوَاطِنَ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» الَّتِي عُقِدَتْ عَلَيْكُمْ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ.[2]
الإيراد الأول: ضعف السند بمعلّی بن محمّد
قال النجاشي: مُعلّى بن محمد البصري أبو الحسن مضطرب الحديث و المذهب و كتبه قريبة.[3]
و قال ابن الغضائري: يعرف حديثه و ينكر و يروي عن الضعفاء و يجوز أن يخرج شاهدا.[4]
قال السید المجاهد: أجيب عنه بضعف السّند باشتماله على المعلى بن محمّد البصري الذي حُكي عن النجاشي التّصريح بانه مضطرب الحديث و المذهب.[5]
الجواب الأول: عدم مانعیة الاضطراب في الحدیث و المذهب في الوثاقة
قال المحقق الخوئي: الظاهر أن الرجل ثقة يعتمد على رواياته، و أما قول النجاشي من إضطرابه في الحديث و المذهب فلا يكون مانعاً عن وثاقته.
أما اضطرابه في المذهب فلم يثبت كما ذكره بعضهم، و على تقدير الثبوت فهو لا ينافي الوثاقة، و أما اضطرابه في الحديث فمعناه أنه قد يروي ما يعرف، و قد يروي ما ينكر و هذا أيضا لا ينافي الوثاقة و يؤكّد ذلك قول النجاشي «و كتبه قريبة».
و أما روايته عن الضعفاء على ما ذكره ابن الغضائري، فهي على تقدير ثبوتها لا تضرّ بالعمل بما يرويه عن الثقات، فالظاهر أن الرجل معتمد عليه، و الله العالم.[6]
الجواب الثاني: ثبوت وثاقته من طریق التوثیقات العامّة
قد تقدّم البحث منّا في مباحث الرجال أنّ طرق إثبات الوثاقة و الضعف لیس منحصراً في التوثیق الخاصّ و تضعیفه، بل لابدّ من التفحّص في طرقٍ أخری و لهذا نقول إنّ تضعیف النجاشي بنفسه لا یوجب الحكم بعدم وثاقة الراوي و ضعفه.
ففي المقام إنّ المعلّی بن محمّد البصري و إن ضُعِّف في كلام النجاشي لكنّه یمكن توثیقه بطرق:
1. إنّ هذا الراوي من رجال تفسیر القمي في القسم الأول و الثاني منه.
2. إنّ المعلّی بن محمد البصري من رجال كامل الزیارات.[7]
3. روی عنه بعض الأجلاء مثل أحمد بن محمد بن خالد البرقي[8] و سعد بن عبدالله الأشعري[9] [10] .
و قد أكثر الروایة عنه، أبو عبدالله الحسین بن محمد بن عامر الأشعري أستاذ الشیخ الكلیني.
الإیراد الثاني:
قال السید المجاهد: [هذا الدلیل] لا يصلح لتخصيص عموم الكتاب خصوصاً إذا كان معتضداً بفهم أكثر الأصحاب.[11]
و قال صاحب العناوين الفقهیة: أما اختصاصها بعهود أميرالمؤمنين فهو خلاف الظاهر و الخبر الواحد لا يكفي في الاختصاص على فرض تسليم الدلالة، مع أنه لا دلالة فيه غايته أنه مورد نزول الآية، و المورد لا يخصّص العام من هذه الجهة و إن بقي فيه شبهة إرادة العهد، و سيجيء الكلام فيه.[12]
و قال المحقق المامقاني: إنّ اللّفظ عام فيكون ما نزل فيه الآية من جملة مصاديقه و أفراده و ذلك لا يوجب سقوطه عن مرتبة الاستدلال به بالنّسبة إلى سائر مصاديقه و افراده.[13]
و قال السید المحقق اللاري: إنّ شأن النزول لا يخصّص عموم النازل، و المورد لا يخصّص عموم الوارد فيه بمجرّد صلوحه للتخصيص. ألا ترى أنّ السؤال لا يقيّد الجواب؟ حتّى اشتهر بأنّ ترك الاستفصال في جواب السؤال ينزّل منزلة العموم في المقال، مع أنّ السؤال أصلح لتقييد الجواب في المورد بكثير.[14]
الإیراد الثالث:
قال صاحب العناوین الفقهیة: إنّ العهد لأمير المؤمنين إنما هو داخل في باطن الآية، كما يعلم ذلك من ملاحظة تفسير أكثر الآيات المذكور فيها مثل العهد و الأمانة و نظائر ذلك، بل بعد التتبع يعلم أن غالب آيات القرآن مؤوّل إلى علي و أولاد الطاهرين، و هو لا ينافي الاستدلال بالظواهر.[15]
قال المحقق المامقاني: لو سلّمنا دلالة الرّواية على اختصاص الآية بالعقود الّتي عقدت له قلنا إنّ ذلك من البطون و التأويلات فلا ينافي التمسّك بظاهر لفظ الآية.[16]
توجیه للنظریة الثالثة:
قال صاحب العناوین الفقهیة: يمكن أن يقال: إن الميثاق لأمير المؤمنين عبارة عن وجوب إطاعته و ثبوت ولايته، و قبوله مستلزم للإتيان بالتكاليف كملا، لكون التخلّف عنه تخلّفاً عن إطاعته في ذلك الجزء المتخلّف عنه. و بالجملة: لا قدح في الآية من هذه الجهة.[17]
الإیراد الأول علی التوجیه:
إنّ هذا الدلیل یشمل علی الملازمة بین الوفاء بخلافة أمیر المؤمنین و الالتزام بالتكالیف الشرعیة من جهة صدورها عن أمیر المؤمنین، فحینئذٍ لو سلّمنا ما أفاده في ارتباط الآیة بالتكالیف الشرعیة فلم یثبت تكلیف شرعي صادرٌ عن أمیرالمؤمنین بالوفاء بالعقود حتّی یتمسّك بالملازمة علی وجوب العمل به.
الإیراد الثاني علی التوجیه:
إنّ الكلام في صحة العقود المستحدثة شرعاً و الملازمة المذكورة تدلّ علی وجوب العمل بالتكالیف فلا یشمل صحّة المعاملات العرفیة.
الإیراد الثالث علی التوجیه:
قال الشیخ عبد الله المامقاني: ... فيه عدم إمكان التمسّك بالآية لتصحيح العقود المشكوك فيها، لأنّ طاعته تحصل بالامتثال فيما ثبت صحّته من العقود.[18]