بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/05/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الفقه الاقتصادی/العقود المستحدثة /صحة العقود المستحدثة؛ النظریة الأولی؛ الدلیل الأول؛ الأمر الأول: الألف و اللام في العقود

 

الجواب الثالث عن هذا الإیراد:

قال الشیخ عباس بن حسن بن جعفر كاشف الغطاء: إنّا ننكر أكثرية الخارج بعد كون العموم أفرادياً، فإن أفراد العقود الصحيحة أكثر وجوداً من الفاسدة، كما أن أفراد الواجب في التكاليف أكثر وقوعاً، فالعهود اللازمة الوفاء أكثر افراداً من غيرها. [1]

و هكذا قال المحقق الإمامي الخوانساري صاحب حاشیة المكاسب: إنّ عمومها لو كان بحسب الافراد فكون الخارج أكثر ممنوع أيضاً، لانّ المراد من الأفراد إنّما هو الأفراد المتحقّقة الواقعة في الخارج، لا الأفراد الممكنة، و الأفراد المتحقّقة في الخارج من العقود أكثرها صحيحة لا فاسدة.

و كذا لا يتّجه الإيراد بالعقود الّتي لم يمضها الشّارع فإنّ الأفراد المتحقّقة منها في الخارج و إن كانت كثيرة إلّا أنّها ليست بأكثر من الباقى تحت العموم، و المدار في الاستهجان العرفى انّما هو بالاكثريّة لا بالكثير.[2]

الجواب الرابع عن هذا الإیراد:

قال الشیخ عباس كاشف الغطاء: إن استهجان تخصيص الأكثر إنّما هو مع عدم بقاء كثرة يعتد بها، و هنا ليس كذلك حتى لو أريد الأنواع فإن ما يلزم الوفاء بها أيضا كثيرة.[3]

یلاحظ علیه

إنّ الحكمة تتقضي أن لا یكون الخارج عن تحت العام أكثر مما بقي فیه و إن كان الباقي كثیراً.

الرابع: العهد الذهني

و قد مثّلوا لذلك بقوله تعالی: ﴿إذ هما في الغار﴾ فإنّ المراد من الضمیر معهود في أذهان المخاطبین و معلوم بین الله تعالی و بین كلّ من یسمع الآیة، ففي هذه الآیة الشریفة أیضاً «أل» عهد ذهني، لعلم المخاطب بالعقود المعهودة في ذهنه، مثل البیع و الإجارة و النكاح و هكذا العقود و العهود التي بين اللّه تعالی و بين عباده، من الإتيان بالصلاة و الصيام و الزكاة و الحج و الجهاد و غيرها في القرآن.

قال المحقق النراقي: قد ذكرنا في كتبنا الأصولية[4] : أنّ‌ الثابت من أصالة الحقيقة إنما هو إذا لم يقترن بالكلام - حين التكلم به - ما يوجب الظن بعدم إرادة الحقيقة، أي لم يقترن به ما يُظنّ كونه قرينة للصرف عن الحقيقة، بل لم يقترن ما يصلح لكونه قرينة.

و مما لا شك فيه: أنّ‌ تقدّم طلب «بعض أفراد الماهية أو الجمع المحلّى» على الطلب باللفظ الدال على الماهية، أو بالجمع، مما يظن معه إرادة الأفراد المتقدّمة، و لا أقل من صلاحية كونه قرينة لإرادتها، ألا ترى أنّه إذا قال مولى - في داره عشرون بيتاً، و له عشرون ثوباً - لعبده: اكنس كل يوم البيت الفلاني، و الفلاني، و الفلاني، إلى خمسة بيوت مثلاً، و اغسل كل يوم الثوب الفلاني، و الفلاني، إلى خمسة أثواب، ثم قال له في يوم: اكنس البيوت و اغسل الثياب، ثم اذهب إلى السوق؛ يظن، بل يفهم إرادة البيوت و الثياب المعهودة، دون العموم.

و على هذا فنقول: إنّ‌ تلك الآية في سورة المائدة، و هي على ما ذكره المفسّرون آخر السور المنزلة في أواخر عهد النبي[5] ، و لا شك أنّ‌ قبل نزولها قد علم من الشارع وجوب الوفاء بطائفة جمّة من العقود، كالعقود التي بين اللّه سبحانه و بين عباده، من الإيمان به و برسله و كتبه، و الإتيان بالصلاة و الصيام و الزكاة و الحج و الجهاد و غيرها، بل بعض العقود التي بين الناس بعضهم مع بعض، كالبيع و النكاح و الإجارة و الرهن و أمثالها.

و تقدّم طلب الوفاء بتلك العقود يورث الظن بإرادتها من قوله: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» خاصة، أو يصلح قرينة لإرادتها، فلا يمكن التمسك بأصالة الحقيقة في إرادة جميع الأفراد من الجمع المحلّى.[6]

و احتمل هذا الوجه المحقق الخراساني: ربما استدلّ ... بعموم أ﴿َوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ ... مع احتمال ارادة خصوص العقود المتعارفة بأن يكون اللام للعهد فلا يكون حينئذ العموم دليلا الّا على إمضائها في الجملة.[7]

الإیراد الأول: عدم مناسبة الحكم علی الطبیعة مع كون «أل» العهد الذهني

قال المحقق الإمامي الخوانساري: انّ الحمل على خصوص الصّادرة مع أنّ الحكم محمول على الطّبيعة لا وجه له و هذا من الوضوح بمكان و هل يصحّ حمل قول الشّارع: «الكلب نجس» مثلاً على خصوص الكلاب الموجودة في زمان صدور الخطاب.[8]

الإیراد الثاني: عدم دلالة لام العهد علی الخاص ما لم یٌتیًقّن التخصیص

قال الشیخ عباس كاشف الغطاء: ضعفه لا يخفى، إذ بعد الاعتراف بالسبق لا يصلح بمجرده أن يكون قرينة للتخصيص فيه بعد وجود غيره من الأفراد المندرجة تحت العموم، و لا دلالة للام العهد على ذلك ما لم يتيقن التخصيص و لم يلتزمه أحد في لفظ الفواحش و الزور و غيرهما مما له أفراد متعارفة و الكتاب نسق واحد فلو كان التعارف أو المعهودية تصرف العام لجرى ذلك في جميع العمومات الواقعة في القرآن.[9]


[1] الفوائد الجدیدة، ص191.
[2] الحاشیة علی المكاسب، الحاشیة الثانیة، ص109.
[3] الفوائد الجدیدة، ص191.
[4] مناهج الأحكام: ١٤، الفصل الرابع في الحقيقة و المجاز.
[5] قال أبو ميسرة: المائدة من آخر ما نزل ليس فيها منسوخ (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٣٠:٦)، و نقله عنه و عن ابن عمر و ضمرة بن جبيب و عطية بن قيس في الدر المنثور ٢٥٢:٢.
[6] عوائد الايام، النراقي، المولى احمد، ج1، ص7.
[7] كتاب فی الوقف (للآخوند)، ص5.
[8] الحاشیة علی المكاسب، الحاشیة الثانیة، ص109.
[9] الفوائد الجدیدة، ص192.