46/05/02
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الفقه الاقتصادی/العقود المستحدثة /صحة العقود المستحدثة؛ النظریة الأولی؛ أدلة النظریة الأولی
أدلّة النظریة الأولی:
الدلیل الأول: إطلاق آیة ﴿أوفوا بالعقود﴾[1]
لابد من البحث حول معنی العقود و هو مركب من «أل» و «عقود» فلابد من البحث عن أمرین:
الأمر الأول: الألف و اللام في العقود
فما هو محتمل في معاني الألف و اللام أمور:
الأول: الجنس
بمعنی لزوم الوفاء بجنس العقد، فیشمل جنس العقد، أنواع ماهیة العقود المستحدثة، فالأیة تدلّ علی لزوم الوفاء بجنس العقد و أنواع العقود المستحدثة تعدّ منه.
یلاحظ علیه:
إنّ قوله تعالی هو أوفوا بالعقود و ما قال: أوفوا بالعقد، حتّی یحمل علی جنس العقد.
الثاني: استغراق الجنس
بمعنی لزوم الوفاء بكلّ فرد من أفراد أجناس العقود و ماهیتها، حیث إنّ الألف و اللام تدلان علی الاستغراق و لكن المراد من العقود هو ماهیتها.
یلاحظ علیه:
إنّ استغراق الجنس أیضاً یقتضي أن یأتي بكلمة العقد بصیغة المفرد لا الجمع، فلابدّ أن یقول في الآیة الشریفة: «أوفوا بالعقد»، حتّی یحمل علی استغراق أفراد جنس العقد.
الثالث: العموم الاستغراقي[الاستغراق الأفرادي]:
بمعنی كلّ فرد من أفراد العقود و حینئذٍ تشمل الآیة المباركة كلّ ما یصدق علیه أنّه عقد عرفاً و العقد العرفي أعمّ من العقود الشرعیة و العقود المخترعة المستحدثة، كما أنّها تشمل ما یصدق علیه العقد من العهود، كما سنبحث عنه و هذا هو الصحیح من بین الأقوال.
الرابع: العهد الذهني
و قد مثّلوا لذلك بقوله تعالی: ﴿إذ هما في الغار﴾ فإنّ المراد من الضمیر معهود في أذهان المخاطبین و معلوم بین الله تعالی و بین كلّ من یسمع الآیة، ففي هذه الآیة الشریفة أیضاً «أل» عهد ذهني، لعلم المخاطب بالعقود المعهودة في ذهنه، مثل البیع و الإجارة و النكاح و هكذا العقود و العهود التي بين اللّه تعالی و بين عباده، من الإتيان بالصلاة و الصيام و الزكاة و الحج و الجهاد و غيرها في القرآن.
قال المحقق النراقي: قد ذكرنا في كتبنا الأصولية[2] : أنّ الثابت من أصالة الحقيقة إنما هو إذا لم يقترن بالكلام - حين التكلم به - ما يوجب الظن بعدم إرادة الحقيقة، أي لم يقترن به ما يُظنّ كونه قرينة للصرف عن الحقيقة، بل لم يقترن ما يصلح لكونه قرينة.
و مما لا شك فيه: أنّ تقدّم طلب «بعض أفراد الماهية أو الجمع المحلّى» على الطلب باللفظ الدال على الماهية، أو بالجمع، مما يظن معه إرادة الأفراد المتقدّمة، و لا أقل من صلاحية كونه قرينة لإرادتها، ألا ترى أنّه إذا قال مولى - في داره عشرون بيتاً، و له عشرون ثوباً - لعبده: اكنس كل يوم البيت الفلاني، و الفلاني، و الفلاني، إلى خمسة بيوت مثلاً، و اغسل كل يوم الثوب الفلاني، و الفلاني، إلى خمسة أثواب، ثم قال له في يوم: اكنس البيوت و اغسل الثياب، ثم اذهب إلى السوق؛ يظن، بل يفهم إرادة البيوت و الثياب المعهودة، دون العموم.
و على هذا فنقول: إنّ تلك الآية في سورة المائدة، و هي على ما ذكره المفسّرون آخر السور المنزلة في أواخر عهد النبي[3] ، و لا شك أنّ قبل نزولها قد علم من الشارع وجوب الوفاء بطائفة جمّة من العقود، كالعقود التي بين اللّه سبحانه و بين عباده، من الإيمان به و برسله و كتبه، و الإتيان بالصلاة و الصيام و الزكاة و الحج و الجهاد و غيرها، بل بعض العقود التي بين الناس بعضهم مع بعض، كالبيع و النكاح و الإجارة و الرهن و أمثالها.
و تقدّم طلب الوفاء بتلك العقود يورث الظن بإرادتها من قوله: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» خاصة، أو يصلح قرينة لإرادتها، فلا يمكن التمسك بأصالة الحقيقة في إرادة جميع الأفراد من الجمع المحلّى.[4]