آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الأصول

37/08/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : اجتماع الامر والنهي _ هل ان المسالة عقلية او عقلائية _

كان الكلام في ما اصر عليه الاعلام من جواز الاجتماع او عدم جواز الاجتماع هي عقلية , ونضيف الى ذلك بعض المطالب :

نقول ربما يقال انه كما يستحيل اجتماع الضدين او النقيضين كذلك يستحيل صدور فعلين متضادين من الله تعالى فالله يحب ويكره في نفس الوقت يأمر به وينهى عنه في نفس الوقت فذلك لايعقل والله تعالى خالق العقلاء فيستحيل صدور ذلك منه فانت تهرب من الاستحالة ولكن الاستحالة موجودة ثابتة بالعقل فيستحيل صدور فعلين متناقضين من الله سبحانه بحكم العقل فانت كيف تهرب من حكم العقل وتجعل هذا من الاحكام العقلائية وليس من حكم العقل .

ورد الاشكال اولا : ان الاستحالة قسمان ذاتية ووقوعية اما الاستحالة الذاتية هي ان هذا الامر وهذا الشيء في نفسه مع قطع النظر عما يترتب عليه وعما هو يترتب عليه هو في نفسه لايمكن كما في مثل الوجود والعدم , يكون الشيء موجود ومعدوم العدم والوجود لايجتمعان وعدم امكان الاجتماع راجع الى نفس العدم والوجود , الوجود يعني ثبوت والعدم يعني نفي فلا يجتمعان فهذا نعبر عنه بالاستحالة الذاتية , وكل المستحيلات العقلية تكون مستحيلات اذا رجعت الى اجتماع النقيضين وارتفاع النقيضين حتى يكون مستحيلا ذاتا .

وفي مقابل ذلك الاستحالة الوقوعية وهو اذا كان الشيء ممكن الوجود ولكن ان فرض وجوده يترتب على وجوده تالي فاسد وهو اجنبي عن هذا الفعل الممكن فهذا الشيء في نفسه ممكن الحدوث ولكن ان فرض وجوده يترتب على ذلك محذور آخر وعبروا عنه تالي فاسد _ ليس التالي الفاسد الذي في مصطلح المنطق وانما شيء يتلوه هو فاسد اي امر آخر فاسد _ وتوجد لوازم كثيرة فاسدة مثلا صدور المعصية من المعصوم نبي او ملك او امام ففي نفس المعصية ممكن وليس مستحيلا اذ لو كان مستحيلا فلما كان للمعصوم عين كمال او فضل على غيره فهو مستحيل يصدر منه فهو غير قادر فكما انه غير قادر على الجمع بين النقيضين او الضدين لعدم صلاحية الضدين والنقيضين لان يتصفى بالوجود فاذا كان هكذا مستحيلا فلا شرف والعياذ بالله للمعصوم ولا فضل على غيره من هذه الجهة , والتالي الفاسد هو ان الله تعالى اخبرني بعصمته فاذا صدرت معصية منه فيلزم ان يكون الله سبحانه والعياذ بالله كذب عليَ او انه جاهل بصدور المعصية منه في المستقبل فيكون محذور آخر وذلك المحذور لايكون مستحيلا ذاتا كما في القسم الاول , اما الثاني فوجوده في الخارج يترتب عليه تالي فاسد آخر وذلك الفاسد هو ممنوع لسبب من الاسباب وليس ممنوع ذاتا كما قلنا في صدور المعصية من الملك فالله تعالى قال ( عباد مكرمون ) فشهد الله تعالى لعصمتهم فإذا فرض ان ملكا صدر منه معصية فيلزم من ذلك احد الامرين على الله اما الكذب او الجهل واستحالة الكذب من الله واستحالة الجهل على الله ليس ذاتية وانما هو من جهة انه لا يليق بشأنه العظيم .

وفي المقام ان قلنا بعدم اجتماع الامر والنهي واجتماعهما اي صدورهما معا من الله تعالى في فعل واحد هذا استحالة وقوعيه وليس ذاتية وليس حكما عقليا وانما حكم عقلائي فاذا كان حكم عقلائي فما صدر من الاعلام جدا غير واضح , الاستحالة الذاتية هي التي تكون عقليةً اما الاستحالة الوقوعية فهي عقلائيةً وليس عقلية .

الجواب الاخر : نقول ان البحث في الاصول ليس مختصا بالأوامر الصادرة من المولى بل البحث عقلائي او عقلي مطلقا سواء كان الامر والنهي صدر من المولى الحقيقي او من العرفي اذن لابد من اختيار معنى لهذا البحث يلتئم ويجتمع مع جميع موارد هذا البحث , نعم الاوامر الصادرة من المولى اهمها في نظر الاصولي والفقيه ولكنها ليس مباحث الاصول والفقه مختصةً بالأوامر الصادرة من المولى الحقيقي , فهم يبحثون مثلا في لو احد امر أخر بقتل فلان فهناك تجري احكام , اذن احكام الفقهاء والاصوليين ليست منحصرة بالصادر من المولى جلة عظمته انما تشمل المولى العرفي ايضا فاذا كان الامر كذلك لو تمت تلك المناقشة فهي غير تامة فهي تأتي في بعض مصاديق هذا البحث ولابد ان يكون عنوان البحث شامل لجميع المصاديق , فالشبهة الاولى مبنية على الخلط بين الاستحالتين , فالنتيجة دعوى ان المسالة عقلية جدا غير واضح وانما هي ان العقلاء هل يسوغون صدور الامر والنهي بالقياس الى شيء واحد او انه لايليق بالعاقل فهي مسالة عقلائية .