آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الأصول

37/06/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الامر بالشيء بعد الامر به

فصل : إذا ورد أمر بشيء بعد الأمر به قبل امتثاله ، فهل يوجب تكرار ذاك الشيء ، أو تأكيد الأمر الأوّل ...[1] .

كان الكلام في ماذكره المحقق العراقي رض , وحاول ان يبرز تحقيقا بيانه وملخصه : ان للهيئة اطلاق وللمادة اطلاق ومقتضى اطلاق المادة ( معروض الهيئة ) هو الاكتفاء مرة واحدة لان طبيعة مدلول المادة مشتركة بين الاول والثاني والشارع امرني بذلك الطبيعي المشترك وعليه لابد ان يكون المطلوب واحد وهو صرف الطبيعة , وفي مقابل ذلك يقول رض اطلاق الهيئة والهيئة تدل على الطلب واذا تكررت فيكون طلبان طلب للهيئة الاولى قال صلي وطلب للهيئة الثانية لما مرة اخرى قال صلي , وهذا يعني ان المطلوب متعدد ومعنى ذلك ان مقتضى اطلاق الهيئة هو التكرار ومقتضى اطلاق المادة هو التأكيد فحينئذ اي اطلاقين هو المقدم يقول قال البعض بتقديم اطلاق المادة باعتبار انها مقدمة على الهيئة لأنها معروضها وهو قال ان الترجيح لإطلاق الهيئة لان الهيئة علة بالقياس الى المادة .

وقلنا ان هذا الكلام اجنبي عن باب تقديم احد الاطلاقين على الاخر لان تقديم احد الاطلاقين يكون في مقام الكشف والدلالة وليس في الاهمية الذاتية للمدلول لان الكلام في ايهما اوضح واقوى دلالة من الاخر , وقلنا ان هذه الملاحظة انما كانت مع السقوط عما جاء في كلامه الشريف من المطالب والآن نريد ان نبحث عن المطالب التي افادها علينا رض .

الملاحظة الاخرى : افاد رض بان الهيئة علة فماذا يعني بذلك ؟ فالهيئة علة اي شيء؟ ان كان يقصد انها علة لحدوث مدلولها في ذهن المكلف فنقول انها توجب وصول وتُحدث المعنى في ذهن المخاطب ثم انها ليس علة للمادة وانما هي علة _ بهذا التفسير _ علة لوجود معناها في ذهن المستمع , فكل لفظ علة لحدوث مدلوله ومعناه في ذهن المستمع ان كنت تقصد بالعلية هذا المعنى , وان كنت تقصد ان الهيئة تدل على الطلب والطلب يكون مقدمة لتحقق المطلوب فالهيئة تدل على مقدمة وتلك المقدمة علة لتحقق المطلوب وهو الصلاة يعني الطلب يصدر من المولى ويصل الى العبد وبواسطة تحقق الطلب الواصل الى العبد يتحقق الفعل المطلوب وهو الصلاة مثلا فنقول ان كان يقصد هذا فلا علية هنا انما يحدث معنى الهيئة في ذهن السامع وهو نفس الطلب يمكن ان يكون معلول لفعل المولى ومعروض الهيئة فعل العبد وهذان فعلان لفاعلين وانت تجعل احدهما علة للآخر فهذا غير واضح[[2] ] .

ونقول اذا جاء الكلام ومعه لفظ اخر ولكل من اللفظين معنى حقيقي ومعنى مجازي وكل منهما يصلح ان يكون قرينة لإرادة المراد من ذلك فهنا القرينية تسقط ويصير الكلام مجملا ولا تصل النوبة لترجيح احدهما على الاخر ومثال ذلك لو قال ( رأيت اسدا في مكان الاغتسال ) في كلمة مكان الاغتسال ولو هو في صحراء وكان يغتسل على شط الفرات رأى الاسد الحيوان الحقيقي فيكون المراد من الاسد المعنى الحقيقي واذا اريد بمكان الغسل هو الحمام فيكون المقصود به صورة الاسد في الحمام , اذن ان اريد به المعنى الحقيقي يعني يعم الصحراء والحمام فلعله اراد به المعنى الحقيقي من لفظ الاسد وان اريد به حمام الاسواق فيراد به المعنى المجازي , فكلمة الاسد يمكن اذا حمل بالمعنى الحقيقي فيكون قرينة على ارادة مكان المغتسل في الصحراء واذا فسر المغتسل بالحمام فهناك قرينة على ارادة المعنى المجازي من لفظ الاسد وكل منهما يحتمل وبهذا لا هذا يحمل على الشيء ولا ذاك لان كل منهما يصلح ان يكون قرينة مجازية بالقياس الى الاخر فلابد ان يسكت المخاطب لأنه لا يعلم ان المراد هو المعنى الحقيقي او هو المعنى المجازي فيبقى حل المشكلة على سؤال المتكلم بماذا تقصد من المكان او ماذا تقصد من الاسد او انه يأتي كلام من الخارج .

ونعود الى كلام المحقق العراقي رض وهو ان لكل من الهيئة والمادة له معنى حقيقي وهو مقتضى اطلاق المادة انه يكون المراد التأكيد فيلتزم بالتجوز في الهيئة التي هي ظاهرة في التأسيس واما اذا حافظنا على المعنى الحقيقي للهيئة فحينئذ نرفع اليد عن ارادة المعنى الحقيقي من المادة فيكون التصرف على هذا على المعنى المجازي فيكون المقصود هو التأسيس فهذا الاطلاق يسقط وليس تر جيح احدهما على الآخر .

ملخص ما ذكرناه هو اذا كان هناك لفظان كل من اللفظين يصلح ان يكون مستعملا في المعنى الحقيقي وفي كونه مستعملا في المعنى الحقيقي قرينة على ارادة المعنى المجازي من الآخر فاذا لم يكن من خارج هذا الاطار فليس له تقديم احدهما على الاخر , سواء كان الاسد افضل او الحمام افضل ليس له علاقة بذلك , فيكون كل منهما يصلح ان يكون قرينة فتسقط في هذه الحالة القرينة لا هذا يكون قرينة ولا ذاك يبقى قرينة الا اذا جاء شيء اخر خارج اللفظين فيتحكم بالموقف والا فيبقى الكلام جملا وما اكثر المجملات عندنا , هذا كله ان قلنا الاطلاق في المادة والهيئة بالوضع واما اذا قلنا ان كلا الاطلاقين بمقدمات الحكمة فمع وجود القرينة في الطلب فلا تتم مقدمات الحكمة لا اطلاق الهيئة ولا اطلاق المادة , فانت تقول اطلاق بمقدمات الحكمة فهذا غير واضح ,

هذا كله على مباني القوم واما على مبنانا اما على مبنانا فالهيئة لا اطلاق فيها اصلا والاطلاق فقط في المادة .


[1] نهاية الأفكار، تقرير ابحاث الشيخ آغا ضياءالدین العراقي-الشيخ محمد تقي البروجردي، ج1، ص400.
[2] اوضحنا ان الطلب اوجده المولى وفعل الصلاة الذي هو مفاد المادة اوجده العبد فهنا فعلان لفاعلين فإيهما علة للآخر فان قلت الطلب علة فمعنى هذا الله يصلي وليس انت تصلي، والنسبة بين هذه الهيئة وهذه المادة من حيث التحقق عموم وخصوص من وجه فكيف يقول ان احدهما علة للآخر .