آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الأصول

37/06/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الامر بالشيء بعد الامر به

فصل : إذا ورد أمر بشيء بعد الأمر به قبل امتثاله ، فهل يوجب تكرار ذاك الشيء ، أو تأكيد الأمر الأوّل[1]

قال في الكفاية اذا جاء امر بعد امر بحيث تكون المادة فيه عين المادة التي ذكرت في الامر الاول فهل يكون الامر الثاني تأسيسا او انه يكون تأكيدا للأمر الاول ؟ والمقصود بالتأكيد هو ابداء الاهتمام بذلك الفعل الذي أمر بالمرة السابقة _ هذا التفسير منا لإبعاد معنى التأكيد الوارد في النحو او في البيان _ فيعاد الامر به بنفس ذلك الفعل في المرة الثانية .

او ان الامر الثاني يكون تأسيسا اي انه يكون هناك طلبان طلب متعلق بالفعل وطلب ثان متعلقا لا بنفس الفعل مما يعني طلب التكرار كما لو قال ( اجلس ثم قال بعد فترة اجلس ) فيكون الامر الثاني تأسيسا بمعنى طلبا جديدا والمتعلق مختلف عن الطلب السابق وان كان المطلوبان من حيث الماهية واحدا مثلا قال اجلس ثم قال مرة اخرى اجلس فهل يكون الامر الثاني تأكيدا او يكون تأسيسا بحيث يكون يجب في المثال الجلوس مرتين الاول امتثالا للأمر الاول والثانية امتثالا للأمر الثاني فيكون المكلف مستحقا لأجرين اذا جلس مرتين ومستحقا الى عقابين اذا تركهما معا بخلاف الحالة الاولى وهي الاحتمال الاول وهو التأكيد فان اتى المكلف بفعل واحد يكون امتثالا واحدا فيستحق ثوابا واحد ويستحق عقوبة واحدة في المخالفة رغم ان الامر متعدد لآن الثاني تأكيد للأول بالمعنى الذي ذكرناه .

صاحب الكفاية رض طرح هذا البحث وقال ان قامت القرينة على احد الامرين فهذا خارج عن محل البحث والكلام في ما اذا لم يوجد قرينة خاصة بالمورد تدل على التأكيد او على التأسيس فما هو مقتضى القاعدة الاولية ؟ افاد تحقيقا في المقام اعجب فيه السيد الاعظم رض :

يقول في الكفاية قد يكون كل من الهيئتين مطلقا كما في مثال اجلس ثم قال اجلس _ طبعا لم يقل اجلس ثم قال واجلس كلا لأن العطف يدل على التعدد وهذا خارج عن محل البحث فالعطف يدل على المغايرة_ بحيث يحتمل ان يكون طلبا جديدا ويحتمل ان يكون تأكيدا للأمر الاول , فيقول ان كل من الهيئتين مطلقا قال (اجلس ) ثم بعد يوم مثلا قال ( اجلس) بحيث لم يكن الزمان الاول ولا زمان الثاني قيدا لا للطلب ولا لمتعلق الطلب لأنه اذا كان قيدا صار متعددا فنخرج عن محل الكلام , فيقول اذا كان كل منهما مطلقا _ لا يقصد على الضاهر من الاطلاق المعنى الاصطلاحي لان الهيئة تدل على النسبة والنسب لا يتصور فيها الاطلاق والتقييد ابدا فكيف يأتي الكلام بانه ان كان مطلقا , وان كان ضاهر كلامه نحمله على المعنى الاصطلاحي ولكن حمله هنا لا يستقيم _ فهو قال ان كان مطلقا فيستفاد عرفا التأكيد , فمرة يقول اجلس اجلس فهذا تأكيد لأنه هنا توجد قرينة على التأكيد او على التأسيس , يقول اذا كان كل منهما ( الهيئتين ) مطلقا فهذا ضاهر في التأكيد , وان علق احد الامرين على شيء والثاني علق على شيء اخر فحينئذ المقصود التأسيس كما لو قال ( ان غربت الشمس فصلي ) وقال ( ان زالت الشمس فصلي ) فهنا الصلاة قيدت بدلوك الشمس والاخر علق على غروب الشمس فهنا يكون ضاهرا في التأسيس , اما اذا علق نفس السبب مثلا ( ان زالت الشمس صلي او قال صلي لدلوك الشمس ) فالدلوك هو الزوال بعينه وان اختلف التعبير , او لم يختلف التعبير بحيث يكون ما علق عليه في الاول هو عين ما علق عليه في الثاني فحينئذ يكون تأكيدا, اما اذا كان المعلق عليه مختلفا فيكون المقصود هناك التأسيس , فهذا ملخص مع توضيح منا ما جاء في الكفاية واعجب به السيد الاعظم ولذلك ذكره من دون اي مساس به .

ولنا فيه ملاحظات مفيدة للوصول الى لب المطلب ومعرفة ما ينبغي ان يقال هذا من جهة ومن جهة اخرى يتبين الخلل في الكلمات المنسوبة الى الاعلام .

منها : ما ذكرناه من انه اذا كانت الهيئة مطلقةً فنقول كيف تكون الهيئة مطلقةً ؟ الاطلاق هوان يكون المعنى صالحا للانطباق على اكثر من فرد فهذه اول مقدمة من مقدمات الاطلاق والهيئة عندك موضوعة للنيب فاذا كانت فكيف يتصور فيها الاطلاق وقلنا انه الاطلاق قد يكون بلحاظ الحالات وقد يكون بلحاظ المصاديق والاطلاق في النسبة لا يتصور لا في المعنى الاول ولا في المعنى الثاني فالإطلاق في المصاديق ليس له معنى لان النسبة جزئية حقيقية بمعنى الكلمة فغير معقول , وايضا بلحاظ الحالات فلا يتصور في معنى النسبة لان النسبة معناها عدم الاستقلال ولا يمكن ان يقال لهذا المعنى غير مستقل يعني الاوصاف تثبت فاذا قلت له اوصاف فصار مستقلا وخرج عن كونه مستقلا وتلك الحالات ايضا ان وردت بحيث يتخيل منه حالات النسبة ننسب تلك الحالات الى طرفي النسبة الى الموضوع والى المحمول ولا ننسب تلك الحالات الى النسبة , فما قالوه من الاطلاق في الهيئة غير واضح , ومن هنا قدمنا وقلنا من انه لابد من تأويل كلام صاحب الكفاية وكلام السيد الاعظم بتفسير الطلاق مقابل التقييد الذي جاء في طي كلامهما وهو ورد مطلقا او مقيدا معلقا على شيء ويقصد بالطلاق غير معلق وليس غير مقيد ولو كان هذا المعنى خلاف المعنى الاصطلاحي للإطلاق ولكن لابد من ارتكابه بمخالفة الاصطلاح فلابد من ارتكابه صونا لكلام العلمين من هذه المشكلة التي قعت فيها كلماتهم .

المطلب الثاني : فسرنا الاطلاق بما يقابل التعليق وليس مقابل التقييد _ وان كان خلاف الاصطلاح _ وهذا يتولد منه شيئا اخر وهو ما هو المعلق ؟ هل الوجوب او مفاد الهيئة او مفاد المادة معلق فهنا يأتي نفس البحث الذي اثرناه اكثر من مرة وهو ان قلنا ان المعلق على زوال ودلوك الشمس هو مفاد الهيئة فمعنى ذلك انه لابد ان الله تعالى في كل لحظة ينشئ وجوبا بعد وجوب وحرمة والرسالة دائما مستمرة هذا ان قلت تخصيص له , وان قلت لأنه معلق عليه اذا تعدد فالمعلق يتعدد هكذا يريد ان يقول , اذن لابد ان نقول ان القيد المعلق في الواقع هو مفاد الكمادة وليس مفاد الهيئة يعني نفس الصلاة ونفس الجلوس في المثال الذي ذكرناه , فالمعلق هو الجلوس وليس مفاد الهيئة وعليه يرتفع الاشكال الثاني ولكن نقع في الاشكال الاول وهو لماذا تعبر عنه بإطلاق الهيئة فلماذا لا تقول اطلاق المادة فالمادة هناك مطلقة وهاهنا المادة معلقة وليس الهيئة وهذا غير واضح .

المطلب الثالث : ما افاده في الكفاية غير مفهوم لدينا فهو يقول اذا كان غير معلق فتأكيد وان كان معلق فتأسيس فالتعليق قرينة وكلامك في البحث هو اذا فقدت القرينة والكلام هو في تأسيس القاعدة وهو اذا جاء الكلام بدون قرينة تقتضي التأكيد او التأسيس ! , فمع قطع النظر عن ملاحظتنا الاولى والثانية هو هذا التعليق قرينة فانت تريد تأسس قانونا وتبني عليه كل كلام صادر من كل عاقل فهذه قرينة , مع اذا كان قرينة قد يكون المعلق اذا كان متعددا لكن جامع المعلق عليه شيء وقد يكون ايضا قرينة يعني ما علق عليه وان كان ممن حيث التعبير مختلف ولكن يوجد بينهما جامع ولعل المعلق عليه هو ذلك الجامع فمع اختلاف المعلق عليه ايضا يكون تأكيدا , اذن انت لجأت الى القرينة وهذا خروج عن محل البحث , وكأن الذي افاده السيد الاعظم هو نفس ما في الكفاية مع التوضيح .


[1] نهاية الأفكار، تقرير ابحاث الشيخ آغا ضياءالدین العراقي-الشيخ محمد تقي البروجردي، ج1، ص400.