آیة‌الله الشيخ بشير النجفي

بحث الأصول

37/03/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : فصل إذا نسخ الوجوب فلا دلالة لدليل الناسخ ولا المنسوخ، على بقاء الجواز[1]
كيف يتعقل دلالة الدليل المنسوخ على بقاء الجواز مثلا وكيف يتصور دلالة الدليل الناسخ على بقاء الجواز بعد فرض ان الوجوب معلق او بسيط ؟ وبعد تمييز هذه المسالة , نقول انما يتعقل ان يكون للدليل المنسوخ دلالة على بقاء الجواز اذا قلنا بان الوجوب وكذلك الجواز كان بنحو انه احد الدليلين دل على جواز الفعل او رجحانه ثم يأتي دليل اخر ويدل على وجوب ذلك الفعل فالوجوب او الرجحان اولا ثم بعد ذلك جاء الالزام ودليل الوجوب فدل على وجوبه , فحينئذ قد يتخيل ان الدليل المنسوخ عبارة عن الالزام والمفروض ان الرجحان او الجواز قد ثبت مع قطع النظر عن دليل الالزام والوجوب فدليل المنسوخ هو نفس الوجوب فقط واما نفس الجواز او الرجحان فقد ثبت حسب الفرض بدليل اخر متقدم على دليل الوجوب فحينئذ قد يتخيل فيقال ان دليل المنسوخ يقتضي بقاء الجواز لان المنسوخ هو الوجوب والمفروض ان الوجوب ثبت بعد الجواز وبعد الرجحان , فصاحب الكفاية ومن مشى مشيته في نفي الدلالة من جهة الدليل المنسوخ ايضا لعل نضره الشريف كان الى هذا الفرض وهو ان يثبت الجواز او الرجحان بدليل مستقل ثم يأتي الوجوب بدليل مستقل فحينئذ يكون عندنا دليلان , والمفروض انه احد الامرين وهو الجواز او الرجحان ثبت بدليل مستقل والوجوب ثبت بدليل مسقل فحينئذ يكون دليل المنسوخ مقتضيا فقط ارتفاع الالزام اما ارتفاع الجواز الو الرجحان فهو باق على حاله , هكذا يمكن ان نقرب دلالة الدليل المنسوخ على بقاء الجواز او الرجحان بعد نسخ الوجوب
 ولكن ان هذا الكلام مجرد تخيل بعد التأمل يرتفع وذلك لان الرجحان والجواز والوجوب هذه احكام ومعلوم انه اذا كان هناك دليل دل على جواز او رجحان الفعل ثم جاء دليل ودل على الوجوب فلابد ان نلتزم ان ذلك الرجحان او الجواز قد ارتفع فلا يعقل ان يبقى الجواز ومع ذلك يحل معه الوجوب لأنه هنا حكمان والمفروض ان احدهما ضد للآخر وضد للحكم للسابق فاذا كان الوجوب ضد للرجحان وضدا للجواز الذي هو عبارة عن جواز الفعل او تساوي الفعل والترك مثلا فلا يعقل ان يقال ان ذلك الجواز باق ثم جاء الوجوب مع بقاء الوجوب والدليل الناسخ رفع الوجوب ولم يرفع الجواز فهذا المعنى غير واضح وغير معقول اساس , وهذا الكلام يمكن تصويره حتى على القول ببساطة الوجوب فعلى كلا التقديرين ان دليل الناسخ انما يتعقل اذا قلنا ان الجواز الذي هو جزء الوجوب بناء على ان الوجوب مركب فجزء الوجوب ان قلنا هناك جعلان احدهما جعل لللازم والآخر جعل للرجحان او الجواز فيكون الدال على الوجوب دالا على جعلين وعلى مجعولين  فالجعل والمجعول يكون متعددا احد الجعلين عبارة عن جعل الجواز او جعل الرجحان والآخر عبارة عن جعل الالزام او جعل اللزوم , فحينئذ يتعقل بان يكون النسخ متعلقا بأحد الجزئين فيبحث عن بقاء ذلك الجزء الثاني وعدم بقائه وان قلنا حتى على القول بتركيب الوجوب وليس هناك جعلان وانما هو جعل واحد وهو الوجوب ولكنه العقل بتأمله وتعمله يحلل هذا الجعل الواحد والمجعول الواحد الى جزئين احدهما الرجحان والآخر المنع من الترك او احدهما الجواز والاخر المنع من الترك ,
 وبعبارة واضحة بناء على ان الوجوب مركب فيكون التركيب فيه اما على نحو تركيب النوع من جنس وفصل او ان التركيب بمعنى ان المنشأ شيء واحد والعقل ينتزع منه امرين ,
فالفرق بين المطلبين :
بناء على ان يكون تركيب الوجوب بمعنى تركيب النوع فحينئذ يكون احد الجزئين وهو كالجنس والآخر الفصل يكون هناك علة ومعلول فالفصل علة لتحقق جزء من الجنس الذي يكون جزءا من النوع وهذه العلية علية الفصل ان آمنا بها علية في الحدوث والبقاء ولايتعقل ان يكون الفصل علة لتحقق حصة من الجنس ويكون بعد ذلك الجنس مستغنيا عن المؤثر في البقاء فهذا غير معقول فاذا كان علة للحدوث والبقاء فلايعقل ان يرتفع الفصل ويبقى الفصل بل يستحيل اصلا , هذا المعنى الاول للتركيب .
وان قلنا ان التركيب بالمعنى الثاني وهو ان هناك الزام والالزام والوجوب عقلي والعقل بتأمله وتعمله يحلل هذا الواحد الى امرين الرجحان او الجواز والآخر المنع من الترك ففي مثل ذلك في الواقع مجعول واحد بسيط وانما يتصور التعدد في المنتزع وليس في منشأ الانتزاع فاذا لم يكن هناك تعدد في منشأ الانتزاع  فلا يكون لنفس هذا الدليل الدال على رفع الوجوب دلالة لا بنحو المطابقة ولا بالتضمن ولا بالالتزام دلالة على بقاء الرجحان او الجواز , فان التعدد انما جاء في المنتزع فاذا لم يأتي التعدد في منشأ الانتزاع فلا معنى ان يبحث على ان هل الدليل الناسخ يدل على بقاء الجواز او لا يدل .
انا فرضنا ان التضاد بين الاحكام ثابت , فاذا دل دليل على بياض جسم ثم دل دليل على سواده فلا معنى ان يقال هل ان السواد باق او غير باق فما دام انه دل الدليل على بياضه في فترة من الزمن ثم يأتي دليل على ضده بعد ذلك فهذا غير معقول , وهذا كلام منا لفهم كلام صاحب الكفاية وغيره من الاعلام
 واما بناء على انه دليل الناسخ فيأتي الكلام هل ان الوجوب مركب او بسيط فقلنا ان التركيب في الوجوب انما يتعقل بتفسيرين بان يكون هناك مجعولان احدهما عبارة عن الجواز او الرجحان والآخر وهو عبارة عن الالزام او المنع من الترك فاذا كان هناك جعلان ومجعولان فدليل الناسخ اذا دل على ارتفاع المجعول الثاني فلا يكون له دلالة بل يكون له عدم التعارض ببقاء وارتفاع ذلك الجزء الاخر وهذا معنى التركيب والمعنى الثاني للتركيب قلنا ان هناك مجعول واحد ولكن العقل بالتعمل يحلل الواحد الى اثنين فيقال احدهما ارتفع والآخر باق وكلا التفسيرين لا يقتضيان صحة ذلك اذ الاول ليس في المقام مجعولان اصلا بل هو مجعول واحد وهو الوجوب اذن لامعنى للتفسير الاول وكذلك التفسير الثاني بناء على ان التعدد هو من التحليل والتأمل العقلي فحينئذ منشأ الانتزاع واحد وانما المتعدد هو الامران الانتزاعيان فقط والامور الانتزاعية ترتفع بعد غفلة القوة المنتزعة ولايبقى للمنتزع وجود مع ذلك ,
وهذا حتى على القول بان الوجوب مركب كترب النوع من الجنس والفصل غير معقول لان الفصل كما هو علة لتحقق جزء من الجنس في ضمن النوع كذلك علة للبقاء ايضا فاذا ارتفع الفصل وارتفع السبب والعلة فلا يمكن ان يقال او يحتمل بقاء المعلول , هذا تمام الكلام بناء على تركيب الوجوب بأحد النحوين تركيب النوع من الجنس والفصل او بنحو التعمل العقلي , وان قلنا ان الجواز لازم فنتكلم به .


[1] كفاية الاصول, الاخوند الخراساني, ج1, ص139, ال البيت . .