آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الفقه

45/08/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: لباس المصلي: الصلاة بالحرير

الكلام في حرمة لبس الحرير مطلقاً مع قطع النظر عن كونه في الصلاة أو في غير الصلاة.

وقد وقع في كلمات الأعلام الإجماع على الحرمة في المقام، وكما قلنا فيما سبق ـ في غير هذا المورد ـ إن دعوى الإجماع التعبدي هاهنا غير واضحة مع وجود النصوص والروايات الشريفة، فلا بد من حمل الإجماع هنا على الإجماع اللغوي وهو الاتفاق.

كما أنه فعلاً لم يُنقل عن أي فقيهٍ الجواز مطلقاً.

والعمدة في الاستدلال على هذا الحكم هو الاستدلال بالروايات الواردة في المقام، كما فعل سيدنا الأعظم.

فمنها الرواية الثالثة من الباب الثاني عشر من أبواب لباس المصلي رواها الشيخ الطوسي بإسناده عن سعد، عن محمد بن عيسى، عن سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن لباس الحرير والديباج، فقال: أما في الحرب فلا بأس به، وإن كان فيه تماثيل.

بتقريب أن هذه الرواية دلالتها واضحة على المنع في غير الحرب.

 

وكذلك الرواية الأولى والثانية من هذا الباب، أما الأولى:

عن إسماعيل بن الفضل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يصلح للرجل أن يلبس الحرير إلا في الحرب.

وقوله هنا لا يصلح لا تعني أنه لا يصح معنوياً، بل المقصود ـ مع الالتفات أن الإمام عليه السلام في مقام بيان الحكم الشرعي ـ أنه لا يسمح له شرعاً فعل ذلك.

فبهذا التقريب تصبح كالصريحة في الحرمة.

وأما الثانية: رواها أيضاً الشيخ الكليني عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يلبس الرجل الحرير والديباج إلا في الحرب.

وهذه الرواية في سندها إشكال من جهة من أرسل عنهم ابن بكير رغم أنها صريحة في المطلوب، ولذا جعلناها مؤيدةً.

ثم إن بعض الأعلام ـ منهم السيد الأعظم (رض) ـ قد تصدى لبيان حكمة هذا الاستثناء موجهاً ذلك بأن إحدى حِكَم جواز لبسه في الحرب إشعار بأن حربهم ليست لأجل المال، أو أن لبس الحرير ضرب من ضروب الشهامة.

ولكن كل ما ذكروه في هذا المقام غير واضح، بل الأمر بأصله تعبدي بحت؛ فالله تعالى حرم لبسه في غير الحرب لعلل هو يعرفها ولم يطلعنا عليه.

وما ذكروه من علل وأحكام لم نجد له أثراً في كلمات المعصومين عليهم السلام.

وهناك ضرورات أخرى ذكرها الفقهاء يجوز فيها لبس الحرير كالخوف من المرض أو البرد أو نحوهما، وكل ذلك واضح.

لكن في الروايات المصرحة بجواز لبسه في الحرب مشكلة، وهي التعارض الحاصل بين رواية سماعة التي ذكرناها في بداية جلستنا الدالة على جواز لبسه في الحرب وإن كان فيه تماثيل، وبين الرواية الخامسة من نفس الباب:

عن قرب الإسناد عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) أن علياً كان لا يرى بلباس الحرير والديباج في الحرب إذا لم يكن فيه التماثيل بأساً.

وقد حاول بعض الأعلام ـ منهم سيدنا الأعظم ـ حمل هذه الرواية على الكراهة، وهو غير واضح؛ لأن معنى (فيه بأس) يعني غضب الله تعالى، فحمله على الكراهة غير واضح أبداً.

والصحيح والعلم عند الله أن الروايتين متعارضتان فيسقطان من هذا القسم فقط، ونرجع إلى القسم العام وهو جواز لبس الحرير في الحرب مطلقاً.

وحاول السيد الأعظم التخلص من هذه الرواية بضعف السند بدعوى أن عبد الله بن جعفر لم يوثق، وهذا الكلام غير واضح بعد ثبوت توثيقه من الشيخ الطوسي (رض).

فالنتيجة أن هذا الحكم تعبدي، ويحرم لبس الحرير للرجل إلا في الحرب مطلقاً.