آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الفقه

45/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصلاة في المشكوك بكونه من مأكول اللحم

لا يزال الكلام في الدليل الذي طرحناه في الجلسة السابقة وهو استصحاب عدم الحرمة.

وملخصه أن كل لباس يشك في كونه مأخوذاً من حيوان محلل الأكل أو محرم الأكل، فالشك يكون في جعل الحرمة، والأصل عدم تلك الحرمة، سواء كان شبهة موضوعية أو حكمية.

[إشكال آخر للنائيني على أصالة عدم الحرمة]

وللمحقق النائيني (رض) إشكالات عليه، ذكرنا واحداً منها، وله إشكالات أخرى منها:

أن الحرمة مشكوكة الوجود مسبوقة بالعدم، وكذلك الحلية مسبوقة بالعدم.

فما وجه ترجيح عدم الحرمة؟

والحال أن كلا الاستصحابين يثبتان فيتعارضان فيتساقطان.

هذا ملخص إشكال النائيني (رض).

[إشكال للسيد الأعظم على النائيني]

واعترض عليه السيد الأعظم بأن الثابت في الشرع المقدس لكل شيء الإباحة والحلية، وإنما يحتاج لإثبات الحرمة دليلاً وإلا فأصل كل شيء حلال.

واستدل على هذا المعنى بقوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم

﴿قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيم﴾[1]

صدق الله العلي العظيم.

وسيدنا الأعظم استفاد من هذه الآية الكريمة أن كل شيء في الأصل هو مباح، وعلى من ادعى الحرمة إبراز الدليل.

وعليه لا يكون في المقام مشكوك إلا الحرمة، وأما الحلية فهي ثابتة أصلاً.

[ملاحظات على كلام السيد الخوئي]

ولنا على ما ذكره سيدنا الأعظم ملاحظات:

الأولى أن كلا الحرمة والحلية حكمان شرعيان، والحكم الشرعي لا بد أن يسبق بعدم، فكما يجري استصحاب العدم في الحرمة يجري أيضاً في الحلية.

الثانية أن هذه الآية التي استدل بها ليست في مقام بيان جميع المحرمات، بل هي لبيان أن النبي صلى الله عليه وآله لا يحرم إلا بوحي من الله تعالى، وأنه في لحظة نزول الآية لم تثبت الحرمة إلا لما ذكر لأن الأحكام تدريجية.

فالآية لا تدل على أن الأصل في الأشياء الحلية، إنما تبين أن الحرمة قد جعلت لبعض الأشياء، لا أن الحلية ليست مجعولة.

[إشكال آخر للسيد الأعظم]

وللسيد الأعظم (رض) إشكال آخر، وهو أن الأثر في المقام إنما يترتب على جعل الحرمة، وأما الحلية فلا أثر لها.

وإذا كان كذلك فيجري استصحاب عدم الحرمة ولا يجري عدم الحلية.

وهذا أيضاً غير واضح، والوجه في ذلك أن الأثر كل شيء خاضع لوجوده التكويني، والشرع إنما يبين إباحته أو عدم إباحته، لا أن الأثر يثبت بواسطة جعل الشرع، حتى يقول السيد أن الأثر يترتب في الحرمة دون الحلية.

كما حاول (رض) الاستدلال بذيل رواية ابن بكير على ترتب الأثر بالحرمة، من قوله عليه السلام أن الصلاة لا تقبل إذا كان محرم الأكل، واعتبر أن الحلية إنما كانت فيه كشيء ثابت بخلاف الحرمة.

ولكن تقدم في هذه الجلسة أن أثر كل شيء من مقتضى تكوينه ولا يثبت بالشرع.

فما أفاده السيد الأعظم غير واضح.

وأما كلام المحقق النائيني فهو مجمل جداً.

وبناء على ما أفاده إذا كان كل منهما مسبوقاً بالعدم، فكلاهما مشكوك، فلا يقين ثمة، وعليه فلا يصح جريان الاستصحاب.


[1] السورة انعام، الأية 145.