آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الفقه

37/08/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : التيمم _ فيما يشترط في صحة التيمم _

قال السيد اليزدي رض اذا كان الشخص محبوسا في مكان مغصوب واحتاج الى ماء للوضوء وكان الماء قليلا لا مالية له فيقول فيه اشكال والاشكال فيه اشد من الاشكال الذي تقدم في التيمم .

ولعل اشدية الاشكال عنده من جهة ان في التيمم ليس اتلافا للتراب او شيء مما يعود للمغصوب منه بخلاف الماء فانه يشتمل على اتلاف الماء ولو كان قليلا كما لو غمس وجهه ويديه في الحوض فيتوضأ فحينئذ الماء قد انفصل عن الجسم ولكن بقي شيء ولو الرطوبة المتبقية التي تعود الى المغصوب منه وهو لم يصرح بوجه الاشدية وكذلك علمائنا الابرار لم يوضحوا ذلك .

ثم امر بالجمع بين ثلاثة امور الوضوء والتيمم والقضاء بعد الوقت .

السيد حكيم الفقهاء استشكل من حيث دلالة الروايتين الذي قرأناهما على حرمة ما ليست له مالية والسيد الاعظم رض يقول ان الرواية الثانية الحاكية لقول النبي قال انها تشمل فهو محرم يعني اتلاف ما ليس له قيمة ويعود للغير من كان ماله محترم يقول تدل الرواية على ذلك ثم يتعدى ويقول لا نحتاج الى الرواية بل ان السيرة العقلائية كافية لإثبات الحرمة .

السيد الحكيم ايضا يلتزم ويقول هناك التزام من العلماء على حرمة اتلاف شيء يعود الى الغير بدون اذنه .

اما ما افاده السيد اليزدي من اشكال اشد قلنا باعتبار انه اتلاف ولكن توقفه بالحكم بالحرمة فهو غير واضح لما سنبين من اقامة الدليل من حرمة اتلاف ما يعود الى الغير المحترم في الاسلام , اما السيد الاعظم يقول ان الرواية تدل على الحرمة لأنها قالت مال الغير ( فانه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه ، ولا تظلموا أنفسكم ولا ترجعوا بعدي كفارا)[[1] ] ما يعود الى الغير ما يعود اليه يعني المال الذي يعود اليه والرواية تدل على حرمة اتلاف المال واما الذي لا قيمة له فليس مالا فحبة الخردل او جزء من الف جزء من حبة الخردل ليس مالا , فالمال قلنا هو ما يبذل العقلاء بإزائه المال وفي تحصيله اما هذا الجزء من الحبة ليس هناك عاقل يبذل درهم او غيره لأجل الوصول اليه فليس مالا ومادام ليس مال فالحديث يقول لا يحل دم أمرء مسلم ولا ماله وفرضنا ان هذا المقدار من الماء الذي يتلفه المتوضئ ولو كان قليلا وهو يعود الى الغير مع انه ليس مالا فهذه تقول حرمة المال فعلى هذا الاساس استدلال السيد الاعظم بهذه الرواية بعد اعتبار سندها عنده غير واضح وكذلك لايمكن الاستدلال بالتوقيع الشريف فيقول سلام الله عليه ( ولا يحل لاحد ان يتصرف في مال غيره ) فهذان الخبران دلا على حرمة التصرف او اتلاف المال ونحن فرضنا ان هذا الماء ليس مالا لقلته لا يبذل عليه ولايشترى بشيء .

والذي أتأمل فيه هو قول السيد الاعظم ان السيرة العقلائية كافية لإثبات الحرمة ! نقول هل ان السيرة العقلائية دليل على اثبات الحكم ؟ مثلا في اوربا العقلاء يحكمون بجواز التعري للنساء في الشوارع فهل نلتزم بذلك ! نقول ان السيرة العقلائية تكون دليلا للكشف عن الموضوع لا لأثبات الحكم , سيرة المتشرعة بما انهم متشرعة فيكشفون بسيرتهم عما امر الله ورسوله والائمة الاطهار عن ثبوت الحكم اما السيرة العقلائية فنحتاج اليها لإثبات الموضوع وليس الحكم ولعل مراد السيد الاعظم هو هذا اي السيرة العقلائية لا ثبات الموضوع , والمفروض ان هذا تجاوز فأخذ حبة الحنطة تجاوز على مال الغير فلا نحتاج الى السيرة العقلائية , ولعل السيد الاعظم كان يقصد سيرة المتشرعة ولكن صاحب المطبعة كتب العقلائية .

ولكن عندنا طريقان لإثبات الحرمة للوضوء ولو كان الماء قليلا ولا يعد مالا :

الوجه الاول : لاشك انه وان كان الذي يتلف قليلا جدا ولكن هذا تصرف في مال الغير والتصرف في مال الغير لا يجوز وهذا ما فهمناه من التوقيع الشريف فهو يقول لايجوز التصرف وهذا ليس اتلافا فلما يتوضأ فهو يتصرف به لأنه اخذ ماء واقل تقدير هو ثلاثة اكف من الماء .

وبعبارة اخرى انه يمكن ان نقول ان هذا تجاوز وظلم والظلم قبيح وحرام والظالم ملعون ( يوم ينادي المنادي الا لعنة ) والظلم يتحقق بالتجاوز على حق احد ومال احد وما ليس بمال وهو مملوك لأنه تجاوز على ما يحتاج الى الاذن هذا الوجه الاول لالتزامنا بحرمة التصرف والوضوء عبادة فيكون باطل .

الوجه الثاني : ان نفس الادلة التي استدل على اباحة الماء الذي يتوضأ فيه تشمله الا ان يقال انه لا يشترط الاباحة في الماء الذي يتوضأ به وهذا نفس تلك الادلة التي دلت على ذلك تدل عليه فنقول ان هذا الماء اما تصرف في المال فهو محرم واما انه ظلم والظلم حرام وتجاوز والتجاوز والظلم حرام فيكون هذا العمل حراما فلا يصح الوضوء .

ثم انه السيد اليزدي جمع بالاحتياط ثلاثة امور الوضوء والتيمم والقضاء .

السيد الاعظم يستشكل في هذا الاحتياط فيقول ان الوضوء لا يجوز لان هذا اتلاف فهو خلاف الاحتياط .

الوجه في الاحتياط الذي التزم به السيد اليزدي رض هنا ان الشك عنده في صحة التيمم ومشروعية التيمم متوقفة على العجز عن الوضوء كما تقدم بعد فرض جواز اتلاف الماء بالمقدار الذي لا يعد مالا فشك في مشروعية التيمم فالاكتفاء بهذا الوضوء يحتاج الى دليل بعدما لا تثبت لديه حرمة التصرف بالماء فالاحتياط بالجمع على رايه صحيح اما على رأينا فلا لأننا قلنا وان لم يكن اتلاف لمال ولكنه تصرف فهو عاجز عن الوضوء والعجز الشرعي كالعجز العقلي فيسقط عنه الوضوء والتيمم ان قلنا ان التيمم هو تصرف فأيضا يحكم بحرمة وضع اليد على الارض لأجل التيمم واما بطلان التيمم فهذا مبني على ما سياتي من ان وضع او ضرب اليدين على الارض هل هو داخل في ماهية التيمم او غير داخل ؟ فان قلنا غير داخل فقد فعل حراما ولكن التيمم صحيح وان قلنا انه داخل في ماهية التيمم والتيمم يبدأ من ضرب اليدين لا من المسح على الجبين فيكون التيمم باطلا , فعلى هذا قطعا التيمم مشتمل على الحرام فعليه ان يرفع اليد عنه واما الاحتياط بالجمع فقد تقد الكلام فيه وقلنا ان العلم الاجمالي بجوب الصلاة الآن والقضاء غير منجز لان ذلك متوقف على امور وهي غير حاصلة فعلا , وانتم قلتم اذا كان احد الكأسين امامك والآخر امام السلطان الظالم ولاتقدر ان تصل اليه فهذا غير منجز فهو متوقف على تمكنك من الوصول الى داره وهذا غير متحقق , فكذلك وجوب القضاء متوقف على امور وهي دوران الشمس والارض وانت تبقى حيا ويطلق صراحك من السجن , فليس عندك علم بذلك فتصل النوبة الى فاقد الطهورين فعليه ان يصلي بدون الوضوء وبدون التيمم لان كل منهما حرام فالصحيح انه يصلي فقط ان كان التيمم والوضوء منحصرا في التصرف في الماء المغصوبة والماء المغصوب .


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج29، ص10، ب1، ابواب القصاص، ح3، ط ال البيت.