آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الفقه

37/07/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : التيمم _ ما يصح التيمم به _

(مسألة 11): يجوز التيمم اختيارا على الأرض الندية والتراب الندي [3] وإن كان الأحوط مع وجود اليابسة تقديمها.[1] .

افتى السيد اليزدي انه لافرق في التيمم بالارض ان تكون نديتا او يابستا ثم احتاط بتقديم اليابسة والاحتياط استحبابي والكلام في دليل هذا الاطلاق الذي افتى به رض , والظاهر من كلمات الفقهاء السيد الاعظم وحكيم الفقهاء رض يقول اطلاق لفظ الارض وهذا الاطلاق الذي ادعوه انه في روايات الباب السابع من التيمم .

الرواية الاولى : وذكرها صاحب الوسائل بسندين وكلاهما معتبر ولكن الثاني مضمر ويكتفى بالسند الاول ( محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، وعن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن محمد بن مروان جميعاً ، عن أبان بن عثمان ، عمن ذكره ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إن الله تبارك وتعالى أعطى محمداً ( صلى الله عليه وآله ) شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ـ إلى أن قال ـ وجعل له الأرض مسجدا وطهورا )[2] حاولنا التأمل الى استناد الاعلام لهذه الرواية ولم يتضح لنا وجه الاستناد فان الرواية في مقام اصل التشريع وليس في مقام بيان خصوصيات الارض التي يتيمم بها فالرسول ص وسع الله تعالى عليه فجوز له ولأمته التيمم مع فقد الماء والصلاة على مطلق الارض فهذا مقام اصل التشريع والرواية كأنها صريحة في ذلك فيقول الامام ع آتى شرائع .... وجعل له الارض مسدا وطهورا فقطعا ليس الارض في بيان خصوصيات الارض لأجل تمييز ما يصح التيمم به وما لا يصح التيمم به والا فهل لفقيه ان يستدل بهذه الرواية على كل ما يوجد على الارض من النجاسات والقذارات ! فالتمسك بها مثل التمسك بالآية ( تيمموا صعيدا طيبا ) وصعيدا طيبا فسرنا طيبا بالنظيف ولكنهم قالوا الارض مطلقا فهل احد من الفقهاء ان يتمسك بإطلاق الآية لإثبات الحكم بجواز التيمم مطلقا بالأرض سواء كانت نديتا او طاهرتا او نجستا فقطعا لا فالاية في مقام التشريع وقد ثبت في الاصول ان التمسك بالإطلاق بعد كون المولى في مقام بيان خصوصيات الحكم او متعلقه او الموضوع فهذه ليس في مقام بيان الخصوية فلا يوجد اطلاق ابدا , السيد الاعظم يقول روايات باب السابع الروايات الآمرة بالتيمم

الرواية الثانية : وهي مرسلة ( محمد بن علي بن الحسين قال : قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي : جعلت لي الأرض مسجداً وطهور)[3] وهي ايضا في مقام بيان اصل التشريع وفي بيان المنة على الرسول ص حيث اعطاه شريعتا سمحاء فليس هي في بيان خصوية الموضوع ولا المتعلق , واذا قلت يوجد اطلاق فتحتاج الى دليل لأثبات الطهارة في موضع السجود لان هذه تجوز مطلقا .

الرواية الثالثة : الرواية معتبرة ( عن محمد بن جعفر البندار ، عن مجاهد بن أعين ، عن أبي بكر بن أبي العوام ، عن يزيد ، عن سليمان التميمي ، عن سيار ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه واله ) : فضلت بأربع : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأيما رجل من أمتي أراد الصلاة فلم يجد ماءً ووجد الأرض فقد جعلت له مسجدا وطهورا ، ونصرت بالرعب مسيرة شهر يسير بين يدي ، وأُحلّت لأمتي الغنائم ، وأرسلت إلى الناس كافة )[4] وفي نسخة جعلت لامتي مسجدا وطهورا ( لقد منم الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا ) وهذا الرسول منة على الرسول من الله والرسول نفسه منة علينا , وفي النسخة الاخرى هو مباشرتا يقول هذا الحكم منة على الامة وفي المقام لا يؤثر هذا في مانحن فيه , فهذه الرواية ايضا في مقام التشريع والمنة على النبي ص وعلى الامة وليس في مقام بيان خصوصيات التيمم ولا متعلق التيمم ولا الموضوع , فمسجدا وطهورا فقد يقول احد يأخذ قطعتا من الارض وامررها على جسمي بدلا عن غسل الجنابة فهل هذا مراد به التيمم ! غير ممكن , وعلى كل حال انهم اعلم بما قالوا ولم يتضح لدينا تمسكهم بالإطلاق .

الرواية الرابعة : (... عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، ونصرت بالرعب ، وأحل لي المغنم ، وأعطيت جوامع الكلم ، وأعطيت الشفاعة )[5] . والكلام هو الكلام فيها .

الرواية الخامسة : (علي بن إبراهيم في ( تفسيره ) ، رفعه ، في قوله تعالى : ( ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ) قال : إن الله كان فرض على بني إسرائيل الغسل والوضوء بالماء ، ولم يحل لهم التيمم ، ولم يحل لهم الصلاة إلا في البيع والكنائس والمحاريب ، وكان الرجل إذا أذنب جرح نفسه جرحا متينا فيعلم أنه أذنب ، وإذا أصاب أحدهم شيئا من بدنه البول قطعوه ، ولم يحل لهم المغنم ، فرفع ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن أمته ) [6] . وهذه ايضا في مقام اصل التشريع .

الرواية السابعة : (حديث أبي بصير عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، في الرجل يكون معه اللبن ، أيتوضّأ منه للصلاة ؟ قال : لا ، إنما هو الماء والصعيد ) . وهذا بقرينة المقابلة فقط المنع بالتيمم باللبن فكيف تتمسك بالإطلاق بجواز التيمم بالصعيد مطلقا ولو كان نجسا او نديا او طاهرا ؟ ! فجدا غير واضح علينا , فالتمسك بإطلاق هذه الروايات كالذي يتجرأ للتمسك بالآية الشريفة لإثبات جواز التيمم بالأرض الندية مع وجود اليابسة !.

الى هنا لم يتم عندنا الاطلاق ولكن عند الذين تم لديهم الاطلاق المدعى بهذه الروايات فقالوا ربما يتمسك برواية اخرى لإثبات التقييد وهو انه لا يصح التيمم الا بالمكان اليابس وهذه الرواية ر4 فالسيد الحكيم والسيد الاعظم ارادوا رد الرواية وعدم تقييدها لتلك الروايات التي ادعوا اطلاقها , وهي الرواية (وبإسناده عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد ، عن أبيه ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن رفاعة ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه ، فإن ذلك توسيع من الله عز وجل ، قال : فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شيء مغبر ، وإن كان في حال لا يجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم منه )[7] والظاهر نظر الفقهاء من المدعين الاستدلال به الشيخ العاملي في كتاب حبل المتين فيستفيد من عبارته الاستدلال بالرواية على التقييد أي ان تكون الارض جافة فللسيد الحكيم اشكال وللسيد الاعظم اشكال .

اما اشكال السيد الاعظم فقال ان الرواية هي في مقام التفكيك بين الطين وغير الطين أي ان الطين انما يتيمم به مع فقدان الطين فليس الرواية ناضرتا الى ماقلته ايها الشيخ البهائي .

اما اشكال السيد الحكيم فيقول ان كلمة الجفاف غير اليابس _ هذا ذوقه العربي رض _ يقول حتى اذا كانت الرطوبة اقل فيقال له جاف لحم جاف او ثوب جاف ولكن ليس يابسا تماما ، التشكيك شدة وضعف وفي اليبوسة لا يوجد شدة وضعف فيقول المقصود بالجفاف قلة الرطوبة وليس اليبوسة والا في اليبوسة لا يتصور التشكيك حتى يشتق اسم التفضيل هناك اذن هي لا تدل على اعتبار اليبوسة في مايتيمم به فعلى هذا العلمان يقول الاعلام الثلاثة الاطلاق تام .

قلنا ان الاطلاق تام ولكن مع قطع النظر عن هذا لكن نقول توجد رواية اخرى دلالتها على اعتبار اليبوسة اقوى من هذه الدلالة (وعنه ، عن أبيه ، عن عبدالله بن المغيرة ، قال : إن كانت الأرض مبتلة وليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده ، فتيمم من غباره أو شيء مغبر ، وإن كان في حال لا يجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم به )[8] . فإشكال السيد الحكيم يتم على رواية رفاعة فقط لأنه هناك استعمل اجف موضع افعل التفضيل يعني مقابل الطين كما قال السيد الاعظم ولكن هنا ماذا يفعل العلمان فتقول فتيمم من غبار ذلك الجاف فالغبار لا يكون الا في الارض اليابسة اذن لا يرد كلامهم الشريف على الاستدلال بهذه الرواية على اليبوسة .

مضافا الى مقلناه من ان الروايات دلت على النفض فان قلنا ان النفض ليس له الموضوعية _ كما سياتي _ تعبدا وان لم يحصل اللسوق , وان قلنا ان ليس له الموضوعية كما هو الظاهر من ادلة النفض فحينئذ يكون معناه ان التيمم يكون حيث يلسق باليد شيء والارض المبتلة لا يلسق منها باليد شيء فاللسوق يكون في الارض اليابسة , فاذا قلنا ان اللسوق شرط في صحة التيمم ايضا يكون في الارض اليابسة فاذا لم تكن يبوسة فمن اين يأتي اللسوق , اذن لم يتم الاطلاق الى حد الآن.


[1] العروة الوثقى، اليزدي، ج2، ص168، ط جماعة المدرسين.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج3، ص350، ابواب التيمم، ب7، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج3، ص350، ابواب التيمم، ب7، ح2، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، العاملي، ج3، ص350، ابواب التيمم، ب7، ح3، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، العاملي، ج3، ص351، ابواب التيمم، ب7، ح4، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، العاملي، ج3، ص351، ابواب التيمم، ب7، ح5، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، العاملي، ج3، ص354، ابواب التيمم، ب9، ح4، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، العاملي، ج3، ص356، ابواب التيمم، ب9، ح10، ط آل البيت.