آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الفقه

37/06/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : التيمم _ ما يصح التيمم به .

الكلام في دلالة الرواية بعد فرض صحتها :

الرواية الاولى: ذكرها صاحب الوسائل من تهذيب الشيخ الطوسي (. محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن علي بن إسماعيل ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل يجنب في السفر لا يجد إلا الثلج ؟ قال : يغتسل بالثلج أو ماء النهر )[1] ,

السيد الاعظم وغيره اشكلوا في الاستدلال بذلك فقالوا ان الثلج هو ماء النهر وهذا معناه انه واجد لأمرين معا والامام ع يخيره بين الغسل بالثلج وبين الغسل بماء النهر وعلى هذا التفسير الرواية اجنبية عن محل البحث فمحل البحث انه لا يجد الماء وتصل النوبة الى التيمم او استعمال الثلج والمفروض في كلام المعصوم انه واجد للماء والا ما معنى قوله ع بالثلج او بالماء و هكذا اشكل رض .

وهذا الاشكال عندنا غير واضح والوجه فيه : ان الامام ع قال اغتسل بالثلج او اغتسل بماء النهر وفرض في كلام الامام ع ان المكلف متمكن من الغسل بالثلج والغسل بالثلج كما اعترف السيد الاعظم ان مفهوم الغسل يتحقق بحركة الماء على المحل المقصود غسله ومجرد وصول الرطوبة لا يسمى غسلا انما يسمى مسحا وبهذا البيان فرقنا بين الغسل والمسح فالغسل هو حركة الماء على الماء المقصود غسله سواء تحرك الماء بنفسه او بالة او باليد او بغير اليد فنفس هذا التحريك يحقق الغسل بخلاف المسح فان يد الانسان مثلا رطبة بعد غسل الوجه واليدين فيمسح بها الراس والقدمين من دون ان يتحرك على القدم او على الراس فان تحرك صار غسلا فلا يحقق الامتثال بالأمر بالمسح .

فالإمام ع ان صحت النسبة يقول يغتسل يعني ما يتحرك على جسده بالثلج او بالنهر , اذن يكون هذا الجانب فرض في الثلج مقتضى كلام الامام ان الغسل يتحقق مع التمكن من الغسل او الغسل عن الجنابة فلا يلجأ الانسان الى التيمم فتكون الرواية اجنبيتا عن اللجوء الى الثلج مع عدم التمكن من التيمم فان التيمم يكون بعد العجز عن الغسل , اذن الرواية اجنبية من هذه الجهة وليس كما افاده السيد الاعظم .

مضافا الى ان هذا التخيير في الرواية هو في كلام الامام ع وليس في كلام السائل ما يدل انه متمكن من الامرين من الثلج او بماء النهر انما الامام ع في مقام البيان جعل الثلج مثل ماء النهر ولكن في مورد سؤال الراوي لا يوجد ما يدل على انه متمكن منهما بل بالعكس يوجد فيه ما يدل على انه فاقد للماء فيقول الراوي سئلت عن الرجل يجنب في السفر لا يجد الا الثلج فكيف تفسر ان مورد كلام الامام حيث يكون المكلف متمكن من الامرين معا ليس كلام الامام ع في مقام ان يكون المكلف متمكنا بل ان كلامه يعطي في ان تحريك الماء على الجسم بالثلج مثل تحريك الماء بالهر , اما مورد الكلام من انه كلاهما متمكن كما يفهمه بعض الفقهاء جدا غير واضح , فالرواية تكون اجنبيتا عن محل البحث بعد العجز عن التيمم بالتراب هل يلجأ الى الثلج او لا او الثلج والماء في حكم واحد فالإمام ع يقول الثلج والماء في حكم واحد فمعنى ذلك الثلج يقدم على التيمم اذا كان الثلج بهذا النحو , فالرواية تدل بالدلالة الالتزامية على عدم تقديم التيمم مع امكان استعمال الثلج للغسل او الوضوء .

الرواية الثانية : وهي ضعيفة السند بمعاوية ابن شريح فهو لم يوثق ( وعنه ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن معاوية بن شريح قال : سأل رجل أبا عبدالله ( عليه السلام ) وأنا عنده فقال : يصيبنا الدمق والثلج ونريد أن نتوضأ ولا نجد إلا ماءاً جامدا ، فكيف أتوضأ ؟ أدلك به جلدي ؟ قال : نعم )[2] قال مفسيري غريب الحديث ان دمق كلمة معربة وليس عربية وهي من دمه ومعناه البرد القارص , واختار هذا التفسير صاحب مجمع البحرين ايضا .

ولكن نقول هذه الكلمة عربية ومعناها بالمعنى الاشتقاقي الهجوم المفاجئ , والكلمة العجمية مثلا تبقى على حالها وتستعملها بنفس المعنى او بمعنى اخر في اللغة العربية كما في مشكاة ونحو ذلك ولكن دمق هذه كلمة عربية , فالمقصود من يصيبنا دمق يعني يفاجئنا الدمق والثلج .

والمهم فعلا ان السيد الاعظم في اول البحث قال ان المقصود بالبحث عن الثلج هو البخار الذي يتجمد في الجوا وليس الماء المجمد ولكن هذه الرواية تقول نريد ان نتوضا ولا نجد الا ماءً جامدا فكيف ادلك به جسدي ! , فالوفر المتجمد في الجوا الذي كالقطن المنفوش لا يدلك به الجسد , وعلى كل حال فإذن نستفيد مما قلنا من كلمة الثلج معناها اللغوي يعم القسمين سواء كان ماء مجمدا على الارض او كان على الفضاء او تم تجميد الماء بواسطة الالة او العلاج ونحوه فهذه كلها مصاديق الثلج والسؤال في الرواية يعم هذه المصاديق كلها الا ان نجد قرينة على خلاف ذلك ولم نجد قرينة بل القرينة على عكس ذلك فالسيد الاعظم يقول القرينة ان المقصود به هذا المتكون في الجو وليس الذي تم تجميده والرواية صريحة بانه الماء المجمد على الارض ففي الجو لا يوجد ماء انما الموجود هو البخار , فهذا غير واضح . فتقول الرواية ( ونريد ان نتوضأ ولا نجد الا ماء جامدا ) فهذا الذي في الجوا يصير من البخار وليس من الماء ( فكيف اتوضأ ادلك به جلدي ) الدلك لابد ان يبقى الذي يدلك به على حاله اما اذا كان دهن او مثل الدهن فلا يسمى دلكا لان الدلك يصير باليد وليس بالدهن , فالذي يذوب يسمى غسل وليس دلك , اذن مقصود السائل هو هذا وجواب الامام ع فالمقصود بالثلج هو الثلج المتكون على الارض وجواب الامام ع على تقدير صحة النسبة نفسر به حكم الثلج وهو الماء المتجمد بسبب شدة البرد او شيء آخر.


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج3، ص356، ابواب التيمم، ب10، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج3، ص357، ابواب التيمم، ب10، ح2، ط آل البيت.