آیةالله الشيخ بشير النجفي

بحث الفقه

37/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : التيمم _ ما يصح التيمم به .

فصل : في بيان ما يصح التيمم به يجوز التيمم على مطلق وجه الأرض على الأقوى سواء كان ترابا أو رملا أو حجرا أو مدرا أو غير ذلك، وإن كان حجر الجص والنورة قبل الإحراق ، وأما بعده فلا يجوز على الأقوى كما أن الأقوى عدم الجواز بالطين المطبوخ كالخزف والآجر...[1]

والذي ينبغي ان يقال في فهم الصحيحة ان كلمة (من ) تبعيضيه في المقام والتبعيض هو ان يكون معنى من ان مدخولها بعض ما أريدَ بالفعل الذي تعلق به الفعل كما في اكلتُ من الخبز يعني هذا الاكل الذي يدل عليه فعل اكلتُ فمن يدل على انه لم يكن متعلقا بجميع الخبز الحاضر المتوفر لدى الآكل بل شمل الاكل لقسم منه فهذا هو معنى التبعيض ولاينبغي التريث في تفسيرنا لكلمة من التبعيضية .

ونعود الى الرواية الشريفة فان الامام الصادق ع قال قال الله سبحان ( وايديكم منه ) يعني من هذا التيمم يعني بعض مسح اليدين هو جزء من التيمم اي جزء من هذا الفعل الذي جعل بديلا عن الوضوء او الغسل , هكذا ينبغي فهم هذا الحديث الشريف , ثم قال ( فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم ) فلما وضع الوضوء عن مَن لم يجد الماء فاثبت بعض الغسل مسحا اي اثبت قسما من موضع الغسل مسحا لأنه قال بوجوهكم ثم فسر الامام ع بالتبعيض يعني ببعض وجوهكم , ففي الوضوء يغسل الوجه كله وهاهنا يمسح بعضه وايديكم منه اي من ذلك التيمم فان ايدي معطوف على وجوهكم , فالباء تبعيضية يعني يدل على بعض الوجوه فكما ان الوجوه مقصود به بعض الوجوه كذلك الايدي المقصود به بعض الوضوء اي من ذلك التيمم ويكون مسح بعض الايدي جزأ من التيمم , هذا الضاهر من كلام الامام ع ولعله هو الضاهر من الآية الشريفة ايضا واما جعل التيمم هنا بمعنى مايتيمم به فهذا جدا غير واضح وان فعل غير واحد من الاعلام وذلك لأنه

اولا : هو ان في المصدر بمعنى اسم الفاعل او اسم المفعول او بمعنى الحدث المصدر يستعمل بمعنى الحدث حقيقتا او بنحو الاستعمال في المصداق ويستعمل بمعنى اسم الفاعل وبمعنى اسم المفعول اما استعماله باسم الآلة لم اجد لذلك موردا ثم ان الامام ع يفسر الباء بالتبعيضية فاذا كان كذلك فما معنى ان يكون الضمير يعود الى الصعيد كما يقول العلماء انما يقول بعض الصعيد وطبعا هو بعض الصعيد لا كل الصعيد وتفسير بعض الصعيد ببعض الصعيد اللاصق بالأرض هذا يحتاج الى تأمل ولا يوافقه التأمل في الآية الشريفة .

ثانيا : مع قطع النظر عن هذا وذاك ان لفظ التيمم له معنيان الاول هو الشرعي وهو هذا الذي بديل الوضوء او الغسل والمعنى الثاني هو القصد , وتفسير كلمة تيمموا بالمعنى الشرعي يحتاج الى اثبات الحقيقة الشرعية او الحقيقة المتشرعية ايام نزول الآية الشريفة مع انه لم يثبت ذلك ,ولذلك عمار ابن ياسر وغيره لم يفهموا التيمم في القصة المعروفة حيث انه مرغ كل جسمه بالتراب فقال له النبي ص ما مضمونه فعلت كما يفعل الحمار ! , فهذا الذي نفهمه اليوم لم يكن شائعا في عرف الشرع ايام نزول الآية الشريفة اذن لا حقيقة متشرعية ولا حقيقة شرعية تدل عليه فلابد ان نفسره بالمعنى اللغوي فيكون المعنى هو من ذلك المقصود وهذا المقصود هو بديل الوضوء وبديل الغسل وهذا البديل الذي تقصده بديل لبعض ذلك المقصود الذي هو بديل الوضوء , فمسح الوجه واليدين هو البديل وبعض هذا البديل هو مسح اليدين واتخيل والعلم عند لله ان الآية والحديث كان واضحا .

فالنتيجة : ان اقصى ما يقال ان الرواية تدل على صحة التيمم بالتراب ولكن ليس لها دلالة على حصرالتيمم فهذا هو محل الكلام وهو اثبات الحصر والحصر لا يثبت . وفي قبال هذا توجد روايات معتبرة اخرى تدل على ان مطلق وجه الارض هو مايتيمم به :

الرواية الاولى : الشيخ الصدوق بإسناده عن عبد الله ابن علي الحلبي وهذا السند صحيح (محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن عبيد الله بن علي الحلبي ، أنه سأل أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل يمر بالركية وليس معه دلو؟ قال : ليس عليه أن يدخل الركية ، لأن رب الماء هو رب الأرض فليتيمم . )[2] فالإمام ع في مقام بيان وضيفة هذا المكلف ووظيفته الآن وهو التيمم ومايتيمم به هو الارض فلو كان المقصود ما يتيمم به خصوص التراب فالإمام كان في مقام البيان وحسب الميزان البلاغي يكون الكلام ثابت لمقتضى الحال فكان عليه ان يفسر للسائل باي شيء يتيمم به لن يعطيه مطلق الارض هذا اذا كان التيمم مختصا بالتراب .

الرواية الثانية : (محمد بن يعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل يمر بالركية وليس معه دلو ؟ قال : ليس عليه أن ينزل الركية ، إن رب الماء هورب الأرض ، فليتيمم ) لماذا يذكر رب الارض فبهذه الاضافة الامام يريد ان يتيمم ما يتيمم به وهو مطلق الارض )[3] .

الرواية الثالثة : معتبرة محمد ابن مسلم (محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، ( عن أبي عبد الله عليه السلام ) قال : سمعته يقول : إذا لم تجد ماءاً وأردت التيمم فأخر التيمم إلى اخر الوقت ، فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض )[4] فالتراب يمكن ان يفوت ولكن الارض فيها وسعة , فنفس البيان الذي قلناه اي لو لم يكن الامام في مقام مايتيمم به فذكر الارض وذكر التراب وكذلك فعله يكون لغوا وخارجا عن المقتضى . وتوجد روايات اخرى ايضا تدل على ذلك .

اذن لا تعارض بين ما دل على ان التيمم بالتراب وبين هذه الروايات لان كل منهما مثبت والمثبت مع المثبت لا تعارض بينهما لان كل منهما لا يدل على نفي الاخر كما ان الارض لا يدل على نفي ما يدل على التيمم بالتراب وما دل على انه يصح التيمم بالتراب لا يدل على نفي التيمم بمطلق الارض الا بناء على مفهوم اللقب وهنا مفهوم اللقب فقط والسيد الاعظم بعد ذلك تعرض الى انه هل يحمل المطلق على المقيد في المقام او لا ؟ ونحن نتعرض لما افاده السيد الاعظم لنقطة بسيطة وهي انه قال لا يقال ان الاطلاق فيه توسعة وان التقييد فيه تضييق فحينئذ يقال مثلا انه اذا كان التيمم يصح بمطلق وجه الارض فيكون بمقتضى البراءة يرتفع التيمم بغير التراب , وهذا البيان المنسوب الى السيد الاعظم غير واضح !

اولا : بقطع النظر عما نقول فانه ليس الآية في مقام زيادة التكليف في المطلق حتى يقال ان الاطلاق يتمسك بالبراءة فيأتي كلام السيد ان الاطلاق في مقام المنة والبراة انما هي للمنة ورفع الاطلاق رفع للمنة فلا تجري البراءة

وبعبارة واضحة يقول انه البعض حاول التمسك بالبراة عما افاده الاطلاق فقال ان البراة لا تجري وذلك لان البراءة في مقام الامتنان والاطلاق فيه امتنان فلامعنى لجريان البراءة لرفع الاطلاق .وهذا الكلام لا نرضى به والوجه فيه :

اولا : انه ليس الاطلاق في زيادة التكليف حتى يبحث في هذه النقطة عدم الاطلاق او لا فلو كان الاطلاق يقتضي زيادة التكليف مثلا يقول ( اكرم عالما ) وشككنا ان العالم خصوص الهاشمي او هو يعم غير الهاشمي فاذا التزمنا بالإطلاق فيكون فيه زيادة في التكليف فيتهيأ مورد التمسك بالبراءة اذا امكن ذلك واما اذا كان يقول انت حرٌ ان التزمت يمين الطريق او يسار الطريق فهنا ليس توسعة وزيادة في التكليف حتى تقول هذه الزيادة مجرى للبراءة ففي المقام بناء على ان التيم يصح من مطلق الارض ليس فيه زيادة في التكليف بل فيه توسعة لمتعلق التكليف , فقلنا ليس شك في التكليف اصلا

وثانيا : الذي اشتهر على الالسنة ان البراءة تجري اذا كان هناك امتنان واذا لم يكن هناك امتنان فلا تجري فحاولوا استفادة هذا المعنى من الحديث المنسوب الى الرسول الاعظم ( رفع عن امتي ) فقالوا فيه دلالة على ان هذا منة من الله سبحانه على امة الرسول الاعظم ص , واننا قلنا ان الاسلام كله منة وليس للبراءة منية خاصة فما جاء في كلام النبي ص هو بيان لما جاء به من الشريعة السهلة السمحاء لذلك قال سبحانه ( لقد منَ الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا ) فكل الاسلام منة ومنية البراءة تستقي من منية الاسلام وما جاء على الالسنة لا اساس له ولا وجه له , اذن ما افاده السيد الاعظم غير واضح علينا والصحيح ما قلنا لا تزاحم ولا تعارض في المقام اذا كانا مثبتين ففي المقام كذلك فكل ما دل على التيمم بالتراب صحيح وما دل ان التيمم بمطلق وجه الارض نلتزم به ايضا , اذن لا نحتاج الى التفكير في هل يقيد المطلق او لا يقيد واذا بقي التعارض هل تجري البراءة او لا تجري فهذا لا مورد له اصلا . هذا تمام الكلام في الادلة على طرفي الموضوع وهو هل ان التيمم مختص بالتراب او هو يعم كل وجه الارض .


[1] العروة الوثقى، السيد اليزدي، ج2، ص193، ط جماعة المدرسين.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج3، ص343، ابواب التيمم، ب3، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج3، ص344، ابواب التيمم، ب3، ح4، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، العاملي، ج3، ص384، ابواب التيمم، ب22، ح1، ط آل البيت.