درس خارج اصول استاد اشرفی

92/02/22

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: التنبیه السادس

هل یمکن التمسک بقاعدة لا ضرر فی مقام إثبات حکم أم القاعدة ناظرة فقط إلی نفی الحکم الضرری ؟

قد إستدل بعض من الفقهاء بقاعدة لا ضرر و أرادوا بها إثبات حکم شرعی کالضمان و لزوم الطلاق؛ مثلا قال شارح الوافیة الفاضل التونی: أنه لو حبس أحد غيره عدوانا، فشرد حيوانه أو أبق عبده، فان عدم حكم الشارع فيه بالضمان ضرر على المحبوس، فينفى بحديث لا ضرر و يحكم بالضمان.

و قال السید صاحب العروة فی ملحقات العروة: أنه لو امتنع الزوج عن نفقة زوجته، فعدم الحكم بجواز طلاقها للحاكم ضرر عليها، فينفى بحديث لا ضرر و يحكم بجواز طلاقها للحاكم.

و لکن الأکثر ذهب إلی أن موضوع القاعدة هو نفی الحکم الضرری و لایمکن بها إثبات حکم و لکن المحقق النائيني (ره) أورد على ذلك بوجهين علی ما نقل عنه الأستاذ .

الأول: الإشکال الکبروی و أن دليل لا ضرر لیس حاكما على الأحكام العدمية.

الثاني: الإشکال الصغروی و تطبيق القاعدة المذكورة على المثالين.

أما الأول فهو أن حديث لا ضرر ناظر إلى الأحكام المجعولة في الشريعة المقدسة، و يقيدها بصورة عدم الضرر، و عدم الحكم ليس حكما مجعولا، فلا يشمله حديث لا ضرر.

و أورد علیه الأستاذ بأن عدم الحکم فیما قابل للجعل جعل لعدم ذلک الحکم و بهذه الحیثیة یعد العدم مجعولا و لا سیما بملاحظة ما ورد فی الروایات من أن الله تعالی لم یترک شیئا من دون حکم و معنی عدم الحکم هو ترخیص الحکم و إباحته .

و أما الثاني: فهو أن قاعدة لا ضرر ناظر إلى نفي الضرر في عالم التشريع و لا دلالة فيها على وجوب تدارك الضرر الخارجي المتحقق من غير جهة الحكم الشرعي و الضرر في المثالين لم ینشأ من قبل الشارع حتى ینفی بالقاعدة. إذن لایمکن التمسك بحديث لا ضرر لإثبات الضمان في المسألة الأولى، و لا لإثبات جواز الطلاق في المسألة الثانية.

و أما إيراد المحقق الصغروی فقبله الأستاذ .

توضيح ذلک

إن الحكم بالضمان في المسألة الأولى إنما هو لتدارك الضرر الواقع على المحبوس من ناحية الحابس و قد عرفت أن حديث لا ضرر لا يشمل مثل ذلك، و لا يدل على وجوب تدارك الضرر الواقع في الخارج بأي سبب، بل يدل على نفي الضرر من قبل الشارع في عالم التشريع و كذا الحال في المسألة الثانية، فان فيها أمورا ثلاثة: امتناع الزوج عن النفقة و نفس الزوجية، و كون الطلاق بيد الزوج.

أما الأول فهو الموجب لوقوع الضرر على الزوجة و لم يرخص فيه الشارع.

و أما الثاني فليس ضرريا و قد أقدمت الزوجة بنفسها عليه في مقابل المهر و كذا الثالث فليس من قبل الشارع ضرر في عالم التشريع حتى يرفع بحديث لا ضرر، غاية الأمر أن الحكم بجواز الطلاق يوجب تدارك الضرر الناشئ من عدم الإنفاق، و قد عرفت أن مثل ذلك لا يكون مشمولا لحديث لا ضرر.

هذا مضافا إلى أن التمسك بحديث لا ضرر لإثبات الضمان في المسألة الأولى و لإثبات جواز الطلاق للحاكم في المسألة الثانية، معارض بالضرر المترتب على الحكم بالضمان على الحابس، و الضرر المترتب على جواز الطلاق على الزوج من زوال سلطنته على الطلاق. و لا ترجيح لأحد الضررين على الآخر.

إن قلت: إن الحابس بحبسه و الزوج بامتناعه عن النفقة قد أقدما على الضرر، فلا يعارض به الضرر الواقع على المحبوس و الزوجة.

قلت: إن الحابس لم يقدم على الضرر على نفسه، بل أقدم على الضرر على المحبوس، و كذا الزوج بامتناعه عن النفقة لم يقدم على الضرر على نفسه، بل أقدم على الضرر على الزوجة. و صدق الإقدام على الضرر على نفسيهما متوقف على ثبوت الحكم بضمان الحابس، و بزوال سلطنة الزوج فلا يمكن إثباتهما بالإقدام على الضرر، فانه دور واضح.

هذا ما تقتضيه القاعدة و لكنه وردت روايات خاصة في المسألة الثانية تدل على زوال سلطنة الزوج عند امتناعه عن النفقة على الزوجة، و أنه للحاكم أن يفرق بينهما. و لا مانع من العمل بها في موردها.

و أما ما ذكره المحقق النائيني (ره) من معارضتها للروايات الدالة على أنها ابتليت فلتصبر .

ففيه ان هذه الروايات الآمرة بالصبر واردة فيما إذا امتنع الزوج عن المواقعة، فلا معارضة بينها، فيعمل بكل منها في موردها.

نعم الروايات الدالة على أن الطلاق بيد من أخذ بالساق معارضة لها، لكنها أخص منها، فتقدم عليها، و نتيجة التقديم أن يجبر الزوج على الإنفاق، و إن إمتنع فيجبر على الطلاق، و إن إمتنع عنه أيضا يفرق الحاكم بينهما.

و الظاهر ان الروايات الدالة على جواز الطلاق للحاكم مختصة بما إذا امتنع الزوج عن الإنفاق بلا عذر، فلا تنافي بينها و بين الروايات الدالة على أنها إن غاب زوجها، فليس للحاكم طلاقها، إلا بعد التفحص عنه أربع سنوات، فلعل عدم الإنفاق من الزوج الغائب يكون لعذر.(مصباح الأصول، ص 560)

و الحمد لله