درس خارج اصول استاد اشرفی

92/02/16

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: حکم الطهارة المائیة حال العلم بکونها ضرریة

قد مضی الکلام فی وجه الحکم بصحة الطهارة المائیة فی حال الجهل بضرر إستعمال الماء علی المکلف عند المشهور أو جل الفقهاء الماضین کما إدعی صاحب مفتاح الکرامة الإجماع علیه و نظرا إلی دقة المباحث المطروحة فیه، نتذکر نکاتا علی سبیل الإجمال لکی یتضح البحث للباحثین .

النکتة الأولی: ینبغی الإلتفات إلی الفرق بین باب إجتماع الأمر و النهی و باب النهی عن العبادة

أما باب الإجتماع فإنما یتصور فیما إذا جمع عنوانان مختلفان فی محل واحد کعنوانی الغصب و الصلاة و مثاله المعروف هو الصلاة فی الدار الغصبی فهنا ذهب جمع إلی عدم سریان الحرمة من عنوان المحرم إلی العنوان الواجب فیبقی العنوانین علی حالهما لتعدد الماهیتین بالدقة العقلیة .

و ذهب جمع آخر إلی إمتناع إجتماع العنوانین المتصف أحدهما بالوجوب و الآخر بالحرمة فی فرد واحد فیکون التعدد إعتباریا و الفرد الواحد محکوم بحکم واحد إما الحرمة و إما الوجوب .

أما باب النهی عن العبادة فمتعلق النهی هو نفس العبادة فصار العمل الواحد منهیا عنه کالصلاة فی الحمام التی نهی عنه الشارع أو البیع الغرری فهنا یکون العمل العبادی فاقدا للأمر .

النکته الثانیة: ثمرة القول بالإمتناع هو القول إما بوجود الأمر و لیس إلا و إما بوجود النهی و لیس إلا ولکن الأکثر قدموا جانب النهی فعلیه تبطل الصلاة فی الدار الغصبی و الوضوء فی المکان الغصبی لکونهما منهیا عنهما؛ فیصیر المقام نظیر مقام النهی عن العبادة فی کونه فاقدا للملاک و الأمر و لو إنضممنا إلی الغصب حرمة الضرر، یکون الوضوء بالماء حال الجهل بکونه ضرریا أیضا فاقدا للملاک و الأمر و باطلا. هذا ما تقتضیه القواعد .

ثم إنه إستشکل بعض کسیدنا الأستاذ الخوئی علی القائلین بالإمتناع بأن مقتضی رأیکم هو الحکم ببطلان هذا الوضوء مع أنکم تفتون بصحته حتی قیل بالإجماع فی المسألة کما نقل عن مفتاح الکرامة .

النکتة الثالثة: إن القائل بالإمتناع لابد أن یقول بأن المقام من باب التعارض و لیس هنا إلا تکلیفا واحدا حیث أن الشیء واحد لایحمل علیه إلا حکم واحد و إن تعدد عنوانه فإن تعدد العنوان لا یوجب تعدد المعنون ولکن القائل بالإجتماع یقول بأن المقام من باب التزاحم بین التکلیفین فی بقاء العنوانین و سقوط المهم عن الفعلیة و بقاء الأهم علی فعلیته .

النکتة الرابعة: قد أصر الأستاذ الخوئی علی أن عنوان الضرر منحاز وجودا عن الوضوء لکون الضرر منقصة حاصلة من العمل فی الحقیقة فلایسری حکم الضرر - لو قلنا بحرمته- إلی الوضوء فیکون المقام من باب التزاحم بین الدلیلین، فلو سقطت فعلیة حرمة الضرر لأجل جهل المکلف یبقی الأمر بالوضوء علی فعلیته، فیحکم حینئذ بصحته و ذلک نظیر عدم سریان حرمة إحراق دار الجار إلی إلقاء النار علی السطح؛ إذ یمکن التفکیک بین الإلقاء و الإحتراق فی الحکم بأن یکون الأول مباحا و الثانی حراما .

أما الآخرون فیقولون بأن الوضوء و الضرر متحدان وجودا و لایری العرف بینهما إختلافا فی الوجود الخارجی و لا تزاحم بینهما بل یتعارضان، فعندما کان الوضوء ضرریا یکون مبغوضا و باطلا لامحالة و إن کان المکلف جاهلا بضرره علیه فتظهر المشکلة هنا حیث أنهم حکموا بصحة هذا الوضوء .

و قد مضی إن سیدنا الأستاذ أنکر حرمة الضرر علی النفس ما لم یبلغ حد القتل أو فشل العضو الرئیسی بتقریب ذکرناه سابقا خلافا للشیخ حیث حکم بحرمته من وجهة نظر العقل و الشرع .

و من خلال ما ذکرنا یتضح لک أن التطبیق بین القواعد و الأقوال فی هذه المسألة محتاج إلی التکلف و لحاظ تدقیقات بعدت عن فهم العرف جدا .

فرع

هل یمکن الحکم بصحة الطهارة المائیة فیما إذا علم المکلف بکونها مضرة علیه کما إذا کان مجدورا أو مجروحا یضره الماء أو کونهما حرجیا له ؟

فی المسألة ثلاثة أقوال

القول الأول: بطلان العمل کما عن السید صاحب العروة و کثیر من المحشین خلافا لما إذا کان الوضوء حرجیا فحکموا بصحتها .

القول الثانی: بطلانها فی حالی الضرر و الحرج .

القول الثالث: القول بصحتها فی کلا الحالین خلافا لسائر العبادات إذ الوضوء و الغسل بنفسهما أمران مندوبان و لا یکونان دائما مأمورین مقدمتین بل یحبهما الشارع علی کل حال «إن الله یحب التوابین و یحب المتطهرین»؛ «الوضوء نور و الوضوء علی الوضوء نور علی نور» و هذا یستنتج بإنضمام ما ذکرناه فی التنبیه الثانی من أن قاعدتی نفی الضرر و الحرج لا ترفعان الأحکام الترخیصیة بل تنظران إلی الأحکام الإلزامیة فلاترفع قاعدة لا ضرر إستحبابهما فلا مانع من إتیانهما لقصد إطاعة أمرین نفسیین لا بعنوان کونهما أمرین مقدمیین لکون ذی المقدمة کالصلاة مع الطهارة المائیة فاقدا للأمر و الملاک .

أما فی سائر العبادات فحیث لا یکون القیام مثلا فی الصلاة ذا أمر نفسی مستقل تبطل الصلاة معه إذا کان القیام ضرریا لکونه فاقدا للأمر و الملاک و لا طریق لتصحیح الصلاة معه .

و الحمد لله