درس خارج اصول استاد اشرفی

92/02/15

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: فی بیان وجه الحکم بصحة الطهارة المائیة عند الجهل بکونها ضرریة

قلنا أنه إذا تحقق عنوان عبادی و إتحد مع ما هو مبغوض بحسب الواقع عند الشارع بأن کان ضرریا أو غصبیا کالوضوء و الغسل الضرری أو الطهارة المائیة بالماء الغصبی، فهنا لا دخل للجهل بهما فی رفع المبغوضیة عنهما و لایمکن التقرب بمثلها إلی الله تعالی فلامحالة یتصف العمل بالحرمة. هذا مقتضی القواعد .

ولکن المشهور أفتی بصحة هذه العبادات عند الجهل بالغصبیة و الضرر فارتبک الفقهاء فی وجه صحتها و من بینهم حاول سیدنا الأستاذ الخوئی(قده) أن تحل المشکلة من طریق لحاظ إستقلال السبب و المسبب وجودا و قد مر علیک بیانه و لکن لابأس بإعادتها علی سبیل الإجمال لوقوع الفترة بین الدروس لأجل العطلة .

فقال: إذا لم یکن بین السبب و المسبب واسطة إختیاریة هل توجب سریان الحرمة من المسبب إلی سببه فعلیه یکون صب الماء علی الأعضاء علی تقدیر کونه ضرریا و محرما بحسب الواقع و مبغوضا عند الشارع أو لاتسری مبغوضیة الضرر إلی الوضوء .

فإنا لانسلم سریان الحرمة و المبغوضية من المسبب إلی السبب فی مفروضنا لتعدد المسبب مع السبب وجودا ولکن الأمر العبادی یحتاج إلی الأمر و یمکن إحراز ذاک الأمر أو ملاکه عن طریق شموله لعموم أدلة وجوب الوضوء أو الغسل .

و قال أیضا أنه لا مانع من شمول إطلاقات الأدلة الآمرة بالطهارة المائیة لمفروضنا؛ غایة الأمر یکون المقام من باب التزاحم بین الدلیلین أحدهما متعلقا للأمر و الآخر متعلقا للنهی فلو سقط أحدهما عن الفعلیة لأجل الجهل به یبقی الآخر علی حاله .

و لکن مقالة الأستاذ مشکل جدا لأن العرف لایری واسطة بین السبب و المسبب و مثل هذه التوجیهات بعید عن الذهن العرفی جدا و هی أشبه بالتدقیقات الفلسفیة .

و مضافا إلی ذلک یقول الأستاذ أنه لا دلیل علی حرمة الضرر علی النفس ما لم‌یصل إلی قتل النفس أو فشل العضو بدعوی أن الذی تدل الأدلة علی حرمته هو الإضرار بالغیر و هو ثابت بنفس حدیث لاضرر بناء علی کون ضرار بمعنی الإضرار کما تثبته بعض الآیات و الروایات الأخری کقوله تعالی «لاتضار والدة‌ بولدها» .

و قد مر أن معنی حدیث لاضرر بناء علی دلالة «لا» علی النفی لا النهی هو إرتفاع حکم شرعی ینشأ من إمتثاله الضرر و لا یستفاد منه حرمة الضرر علی النفس .

نعم کما قلنا آنفا إذا بلغ الضرر علی النفس حد القتل أو فشل العضو یحرم قطعا ولکن إثباته بنحو المطلق دونه خرط القتاة‌ و لو کان الضرر حراما مطلقا، یلزم أن یکون العمل فی الظروف الصعبة المتداول فی کثیر من المشاغل حراما حیث توجد فی بعض المهن سیما فی ظروف خاصة کالعمل فی البرودة و الحراراة و الفصول المختلفه کالصیف و الشتاء مع الآلات الخطیرة و الوسائل الثقیلة و نحوها ضررا علی العامل فی بدنه أو ماله و لو فی الأزمنة المتأخرة .

ثم إنه قد أستدل ببعض الروایات علی إثبات حرمة الضرر علی النفس ما دون الحدین المذکورین .

منها: ما رواه الكليني (ره) في الكافي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في حديث طويل من قوله عليه السلام: (ان اللَّه تعالى لم يحرم ذلك على عباده و أحل لهم ما سواه رغبة منه فيما حرم عليهم و لا زهدا فيما أحل لهم، ولكن خلق الخلق فعلم ما تقوم به أبدانهم و ما يصلحهم، فأحله لهم و أباحه تفضلا عليهم به لمصلحتهم، و علم ما يضرهم فنهاهم عنه و حرمه عليهم- إلى أن قال عليه السلام: أما الميتة فانه لا يدمنها أحد إلا ضعف بدنه و نحف جسمه و ذهبت قوته) .

و وجه الإستدلال بالروایة هو أن کل شیء أضر بالبدن فهو حرام فالحرمة تدور مدار الضرر بحسب ظاهر التعلیل.

و فیه أن المستفاد من التعلیل هو حرمة الإدمان علی أکل المیتة لا مجرد أکلها فالمستفاد منها أن الضرر مختص بفرض الإدمان مع العلم بعدم الفرق فی الحرمة بین الإدمان و غیره و هکذا الحال فی شرب المسکرات و أکل لحم الخنزیر و غیرها من المحرمات فلامحالة لایکون الفساد علة تامة للحرمة أو یکون الضرر حکمة فی تشریع الحرمة فی جملة من الأحکام .

و بالجملة لو کان الضرر هو ملاک الحرمة فی المحرمات لزم القول بجواز شرب الخمر أو غیره من المحرمات بمقدار قلیل حیث أن قطرة منه مثلا لایضر الشارب بینما أنک تری تأکید الشرع علی لزوم الإجتناب عنه ولو بمقدار قلیل .

و هکذا الأمر فی کثیر من التعلیلات الواردة فی ذیل الروایات إذ لما یدرس المتتبع فی الروایات المعللة یری بوضوح بقاء الحکم فیما إذا لم‌تکن العلة فیها موجودة کالتعلیل علی لزوم العدة فی المطلقات بالإحتراز عن إختلاط المیاه فیما نعلم بعدم إمکان الإختلاط من أصله فی بعض الموارد مع أن مقتضی العلیة بقاء الحکم مادام الموضوع باقیا و إرتفاعه عند إرتفاع الموضوع .

هذا مضافا إلی أنک تری أن الضرر فی بعض الموضوعات و إن کان من المسلمات الطبیة ولکن لم یحرمه الشرع بل إنما إکتفی بالحکم بالکراهة فیه کتناول الجبن فی النهار و أکل التفاح الحامض إلی غیر ذلک مما ورد فی الأطعمة و الأشربة فی أبوابها .

و أخیرا إستنتج الأستاذ من جملة هذه المقدمات عدم حرمة الإضرار بالنفس بمثل هذه المضرات القلیلة فعلیه لا شاهد علی حرمة الغسل و الوضوء الضررین من أصله فلاموجب للحکم بالبطلان حتی مع العلم به فضلا عن الجهل .

نعم مع الضرر یرتفع الحکم بوجوبهما و یکون العبد مرخصا فی التیمم و علی تقدیر القول بحرمة الضرر علی النفس مطلقا فحیث أن الحرمة لاتسری من المسبب إلی السبب تدخل مسألتنا فی باب التزاحم بین الأمر بالغسل و الوضوء و حرمة الإضرار بالنفس فإذا کان المکلف جاهلا بالضرر لاتکون الحرمة فعلیة فلا محذور حینئذ فی صحة ما ذهب إليه المشهور من الحكم بصحة الطهارة المائية، فیماإذا جهل المكلف بكونها موجبة للضرر .

و الحمد لله