درس خارج اصول استاد اشرفی

92/02/10

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: فی تطبیق قواعد باب إجتماع الأمر و النهی علی مسألة صحة الطهارة المائیة بالماء الغصبی حال جهل المکلف بالغصب

إن البحث فی مسألة إجتماع الأمر و النهی فی کلمات الأصویین قرب من البحوث الفلسفیة و لذا إعترض الفیض الکاشانی الحکیم علی لحاظ أمثال هذه الدقات الفلسفیة فی المسائل الأصولیة و إستنکر إبتناء الأحکام الشرعیة علی هذه المبانی الدقیقة المخترعة فی مسألة ‌إجتماع الأمر و النهی .

و من جملة المسائل الفقهیة التی حاول الأصولیون تطبیقها علی المبانی الأصولیة مسألة صحة الطهارة المائیة فی حال الجهل بکونها ضرریة علی المکلف مع أن مقتضی القواعد فی المقام بطلانها علی القول بحرمة الإضرار بالنفس و منه التوضی بالماء الغصبی عند الجهل بالغصبیة .

و من جملة تلک الدقات الفلسفیة ما ذکره الأستاذ فی هذه المسألة‌ و فهمه یتوقف علی بیان نکات نشیر إلیها .

النکتة الأولی: إنه لایمکن إتصاف الشیء الواحد بالحرمة و الوجوب معا فی آن واحد فإذا إتصف موضوع بالوجوب لایتصف بالحرمة‌ و کذلک العکس و ذلک لأجل التضاد بین الأحکام الإلهیة الخمسة و إستحالة‌ الجمع بین الضدین فی محل واحد.

إذن لو فرضنا وحدة العمل حقیقتا لا یتصف بالحکمین بل بحکم واحد لا محالة و لو فرضنا القدرة فی الحقیقة بحسب تعدد العنوان فلا محذور فی إتصاف کل عنوان بحکم مخالف للآخر فمرجع النزاع فی بحث الإجتماع إلی وحدة العمل حقیقة و إن کان متصفا بعنوانین إذ تعدد العنوان لا یوجب تعدد المعنون کما زعمه القائلون بالإمتناع أو إلی تعدد العمل و الماهیة فلامحذور فی إجتماع الحکمین کما زعمه القائلون بجواز الإجتماع .

إذن الصلاة مثلا فی الدار الغصبی عند الأصولیون لیس إلا عملا واحدا و إن یحمل علیها عنوانی الغصب و الصلاة کما علیه صاحب الکفایة مستدلا بأن تعدد العنوانین لایوجب تعدد المعنون فی المقام فیکون مثله مثل تعدد الإعتبارات فی عدم التأثیر لتعدد العمل و لذا قال بإمتناع الإجتماع بین الأمر و النهی؛ فلاینطبق علی الصلاة إلا تکلیفا واحدا؛ فإن کان هو عنوان الحرام لایکون واجبا و إن کان واجبا لایکون حراما؛ إلا أن القائلین بالإمتناع یقدمون جانب النهی و الحرمة غالبا فیحکمون بحرمة‌ الصلاة فیها فیستحیل إتصاف تلک الصلاة بالعبادیة .

أما القائلون بجواز الإجتماع بین الأمر و النهی فهم یعتبرون المقام من قبیل الحیثیات التقییدیة فیکون تعدده موجبا لتعدد المعنون فتکون الصلاة فی الدار الغصبی مصداقا للحرام و الواجب من دون أن تسری حرمة الغصب إلی وجوب الصلاة أو الوجوب إلی الحرمة .

ففی الحقیقة أن النزاع بین القائلین بالإمتناع و مجوزی الإجتماع یرجع إلی أن الترکیب بین العنوانین هنا هل یکون من قبیل الترکیب الإنضمامی کالترکیب بین الجزئین فی الکل أو من قبیل الترکیب الإتحادی .

النکتة الثانیة: لادخل للعلم و الجهل بحرمة العمل فی مبغوضیة العمل فی عالم الواقع فیستحیل أن یتصف الحرام الواقعی بالعبادیة إذا جهل بالحرمة فإن فیه المفسدة الملزمة مبغوض و إن جهل المکلف بحکمه .

مثال: الوضوء أمر عبادی فیعتبر فیه شیئان،

الأول: المحبوبیة و ملاک الحسن

الثانی: الأمر به المصحح لقصد القربة و الإمتثال.

أما الغصب فهو أمر مبغوض عند الشارع فلایمکن التقرب به و علیه لو تحقق الغصب خارجا بالوضوء و إتحد معه فصار عملا وحدانیا، فحرمته و إن لم‌تصل إلی درجة الفعلیة ولکن یبقی فیه ملاک المبغوضیة و معه لایتقرب به العبد إلی مولاه إذ الجهل لادخل له فی الملاک الواقعی، فیبطل وضوئه و یجب علیه إعادة الصلاة التی صلی مع هذا الوضوء .

و من هنا إعترض سیدنا الأستاذ علی القول بصحة الوضوء بالماء الغصبی عند الجهل بالغصبیة حیث أن الترکیب هنا إتحادی- و إن قلنا بأنه فی الصلاة فی الدار الغصبی إنضمامی – و معه یکون الحال فیه من قبیل النهی عن العبادة المقتضی للبطلان حتی مع الجهل .

نعم إذا کان العمل توصلیا فبما أنه لیست المحبوبیة شرطا فیها، یمنع الجهل به من فعلیة حرمته فقط، فیصح عمله لأنه لا یعتبر فی التوصلی التقرب أو عدم المبغوضیة و لذا إذا أغتسل الثیاب بالماء الغصبی جهلا بالغصب یطهر الثیاب .

النکتة الثالثة: أن التنافی بین المتعارضین ذاتی فلایجتمع التکلیفان فی موضوع واحد فإذا رأینا أنه ورد حکمان لموضوع واحد یکون هو من باب التعارض و لایبقی إلا واحد منهما .

أما التزاحم بین الدلیلین و إجتماعهما فی محل واحد فممکن فیما إذا ورد عنوانان علی معنونین و موضوعین مختلفین کالمقدمة و ذی المقدمة مثلا إذا کان إنقاذ الغریق متوقفا علی الدخول فی الدار الغصبی، فهنا لایمکن إمتثال التکلیفین معا لعجز المکلف عنه و هو مانع عن فعلیتهما. إذن یسقط أحد التکلیفین عن الفعلیة و هو المهم ولکن ملاکه موجود و یبقی الآخر علی حاله و هو الأهم .

ثم إنه بناءا علی الترتب فی المتزاحمین إذا عصی المکلف و ترک الأهم یرجع فعلیة المهم إلی حاله و علی کل تقدیر حرمة أحدهما لایوجب بطلان الآخر، خلافا للمتعارضین حیث یستحیل الجمع بین حرمة أحدهما و صحة عبادیته .

النکتة الرابعة: إن السبب و المسبب قد یتحدان وجودا و یختلفان إعتبارا و أخری یختلفان وجودا .

و الأول (المتحدان وجودا، المختلفان إعتبارا) کالکسر و الإنکسار حیث أن الکسر یعد سبب الإنکسار إلا أن الکسر هو العمل بملاحظة نسبته إلی فاعله و الإنکسار هو العمل بملاحظة نسبته إلی مفعوله و مکسوره . و لعل منه القطع و الإنقطاع فهنا یسری حکم المسبب إلی سببه فعلیه إذا کان قتل المومن حراما و مبغوضا عند الشارع یکون سببه و ضربه بالسیف أیضا حراما و مبغوضا .

و الثانی (المختلفان وجودا) علی قسمین

تارة تتوسط إرادة المکلف و إختیاره بینهما فلاتسری الحرمة من المسبب إلی سببه و لایکون مبغوضیة العمل موجبا لمبغوضیة سببه؛ مثلا یصنع الحداد سیفا و یقتل به مشتریه نفسا محترمة، فهنا عمل الحداد فی نفسه مباح و مرخص فیه و عمل القاتل حرام و لکن لاتسری مبغوضیة القتل إلی صنع الحداد السیف .

و أخری لایکون بین السبب و المسبب واسطة إختیاریة - و هو العمدة فی المقام- کإلقاء النار و إحتراق بیت الجار فالمشهور قائل بسریان الحرمة و خالفهم الأستاذ و قال بأنها من باب التزاحم فلاتسری الحرمة من المسبب إلی سببه .

إذا عرفت هذه النکت فنقول: إن الوضوء و الغسل إذا ترتب علیهما الضرر و قلنا أن الإضرار بالنفس حرام فإن قلنا بأن حرمة المسبب تسری إلی حرمة السبب و هو الغسل و الوضوء أو قلنا أن الحرمة فی المسبب التولیدی ترجع فی الحقیقة إلی حرمة السبب فإنه العمل الإختیاری الصادر من المکلف القابل لورود الأمر أو النهی علیه فلا محالة یکون المقام داخلا فی باب التعارض فلا یتصف الوضوء أو الغسل إلا بحکم واحد و هو الحرمة فیدخل الباب فی التعارض .

و إن قلنا بعدم سرایة الحرمة من الضرر إلی الغسل و الوضوء لأنهما وجودان مستقلان و إن کان أحدهما سببا و مقدمة للآخر فلامحالة یدخل المقام تحت عنوان التزاحم .

و الحمد لله