درس خارج اصول استاد اشرفی

92/01/27

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: فی دراسة معنی «لا» فی حدیث نفی الضرر

قال الأستاذ الخوئی قد شهد الإستقصاء بإستعمال «لا» النافیة للجنس فی أربعة معانی

المعنی الأول: إنشاء الزجر و النهی بلسان الإخبار و کثیر ما ورد مثله فی لسان الشرع کقوله تعالی«لا رفث و لا فسوق و لا جدال فی الحج» أی یحرم فی الحج الرفث و الفسوق و الجدال، فالقول بعدم معهودیته کما عن المحقق الخراسانی غیر مقبول و هذا القول ما ذهب إلیه شیخ الشریعة و ذکر لها أمثلة کثیرة من الآیات و الروایات .

و لکنه یبعد حمله علی المعنی المذکور لجهات :

الجهة الأولی: أنه خلاف الظاهر بل الظاهر نفی الجنس إلا أن تکون علیها قرینة نظیر ما ورد فی الآیة المذکورة آنفا إذ الموارد الثلاثة الواردة فی الآیة موجودة خارجا فلایکون المراد بها معناها الحقیقی لکونه کذبا حینئذ بل المراد منها التحریم و النهی و هو کنایة عن مبغوضیة العمل فی الشریعة .

أما الوجه المذکور فی حدیث «لاضرر» فغیر ثابت إذ لیس المعنی نفی الحکم الثابت للضرر و الضرار بل المقصود أن الحکم الذی ینشأ منه الضرر و ضرار هو منفی .

الجهة الثانیة: عدم مناسبة المحتمل مع قید «فی الإسلام» فی بعض نسخ الحدیث إذ القید هو فی نفسه مبین لحال التشریع فیبعد حمله علی النهی و التحریم .

المعنی الثانی:‌ أن یکون معنی الحدیث مثل معنی قوله «لاربا بین الوالد و الولد» و «لاشک لکثیر الشک» من کون المراد نفی الحکم بلسان نفی الموضوع و علیه المحقق الخراسانی فیکون المقصود نفی حکم الفعل الضرری فالغسل و الوضوء الضررین منفیان فی الشرع أی لایأمر بهما الشارع و کذا الوفاء بالعقد إذا کان ضرریا فالأفعال الضرریة کلها فاقدة للحکم عند الضرر .

و فیما ذهب إلیه الآخوند نظر من جهات:

الجهة الأولی: أن معنی «لا ربا بین الوالد و الولد» هو نفی الحکم الثابت لکلی الربا و لکن فی حدیث «لاضرر» لم یکن الضرر موضوعا لحکم حتی یکون منفیا بالحدیث .

و بعبارة أخری: أن موضوع الحکم بمنزلة العلة و مقتضی للحکم لا أن یکون الموضوع رافعا للحکم .

و هذا الإشکال قد أجاب عنه الآخوند بأن الحدیث هنا بمنزلة‌ حدیث الرفع فی رفع الخطأ و النسیان فإنّ رفع الخطأ و النسيان في حديث الرفع إنّما يكون رفعاً للحكم المتعلق بالفعل الصادر حال الخطأ و النسيان، بلسان رفع الموضوع، مع أنّ المرفوع في ظاهر الحديث هو نفس الخطأ و النسيان، فليكن المقام كذلك، وعليه فالمنفي هو حكم الفعل الضرري بلسان نفي الموضوع.

و أورد علیه إشکالات

الإشکال الأول: بما أن الخطأ و النسیان یقع کثیرا ما فی أفعال العباد إذن نفی جنس الخطأ و النسیان مستلزم للکذب فلایکون هو المراد من حدیث الرفع . و الحکم المتعلق بموضوع عند وجود الموضوع لایکون قابلا للرفع؛ مثلا أن الحکم المتعلق بالإتلاف لایرتفع عند الإتلاف و هکذا الحکم المترتب علی الغیبة عند وجود الغیبة لایرتفع. فالحکم المترتب علی عنوان الخطأ و النسیان لأیضا لایعقل أن یرتفع عند الخطأ و النسیان؛ مثلا حکم القتل الخطأئی وجوب أداء الکفارة فلایعقل أن یرتفع عند حصوله لکونه علة و مقتض لهذا الحکم .

و علیه یکون معنی رفع الخطأ و النسیان هو رفع المؤاخذة حال الخطأ و النسیان .

و فیما نحن فیه أن الضرر هو علة الحکم لا معلوله و النفی الوارد علی الضرر و الضرار نفی المعلول و هو غیر معهود عادة.

نعم نفی العلة بمعنی نفی المعلول معهود فی لسان العرب .

الإشکال الثانی: أنّ الرفع المتعلق بالخطإ و النسيان في حديث الرفع يمكن أن يكون من قبيل القسم الثالث من أقسام استعمالات لا النافية للجنس، فيكون المنفي حينئذ الحكم الثابت لهما في الشرائع السابقة، كما يشهد به قوله صلّى اللَّه عليه و آله «رفع عن امّتي» فانّه ظاهر في اختصاص الرفع بهذه الشريعة، و لازمه ثبوت الحكم في الشرائع السابقة، و لا تكون المؤاخذة على الخطأ و النسيان منافيةً للعدل، حتّى تستنكر في الشرائع السابقة أيضاً، فانّ المؤاخذة على عدم التحفظ عن الخطأ و النسيان بأن يكتب شيئاً أو يضع مقابل وجهه شيئاً مثلًا كي لا يخطئ و لا ينسى، لا ينافي العدل. نعم، إذا صدر الخطأ أو النسيان بغير اختياره بحيث لا يمكنه التحفظ عنهما لا تصحّ المؤاخذة عليهما حينئذ لا محالة.

و عليه فلا وجه لقياس المقام برفع الخطأ و النسيان في حديث الرفع، لعدم كون الرفع رفعاً للحكم بلسان نفي الموضوع، بل يكون رفعاً للآثار التي كانت للخطإ و النسيان في الشرائع السابقة[1] .

الإشکال الثالث: مقتضی رفع الخطأ و النسیان عن الأمة فی حدیث الرفع هو تعارفه بین الناس و ذلک یعنی أنهما کانا ذا حکم فی الشرائع السابقة كقوله صلّى اللَّه عليه و آله «لامناجشة فی الإسلام» فانّ إزدياد الثمن فی المزایدة من غير إرادة شرائها كان متعارفاً عند العرف فنفاه الشارع و المقصود نفي تشريعها، و منه قوله عليه السلام «لا قياس في الدين» فانّ حجّية القياس كانت مرتكزة عند العامّة فنفاها الشارع فتأمل .

و لکن المنفی فی حدیث «لاضرر» هو عنوان الضرر و الضرر ليس عنواناً للفعل الموجب للضرر، بل مسبب عنه و مترتب عليه، فلو كان النفي نفياً للحكم بلسان نفي موضوعه کما زعمه الآخوند، لزم أن يكون المنفي في المقام، الحكم الثابت لنفس الضرر، لا الحكم المترتب على الفعل الضرري، فيلزم نفي حرمة الاضرار بالغير بلسان نفي الاضرار، و هو خلاف المقصود، فانّ المقصود حرمة الاضرار بالغير .

و الحمد لله


[1] مصباح الأصول، واعظ بهسودی، ج1، ص614.