درس خارج اصول استاد اشرفی

91/12/21

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: فی ثبوت منصب القضاء للفقهاء

بعد الکلام فی ثبوت منصب الإفتاء للفقیه و المجتهد یقع الکلام فی ثبوت منصب القضاء له و هذا أیضا مما إتفقت علیه العلماء .

قد أشتق القضاء من «قضی» و هو بمعنی فصل الخصومة و قد أعطی الأئمة علیهم السلام هذا المنصب للفقهاء الناظرین فی حلال الله و حرامه بحسب روایاتهم فلا کلام فیه.

إنما الکلام فی المقام فی ثبوت القضاء من باب الولایة للفقیه .

قد إستند بعض الفقهاء إلی توقیع إسحاق بن یعقوب «و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلی رواه حدیثنا» (وسائل الشیعة باب 11 صفات القاضی ح 9؛ کمال الدین و تمام النعمة للشیخ الصدوق و الغیبة للشیخ الطوسی و الإحتجاج للطبرسی) علی ثبوت الولایة للفقیه و إن کانت دائرة الولایة فیها أضیق من ولایة الأئمة المعصومین (علیهم السلام) إلا أن الفقیه یتصرف فی ما یتوقف إدارة المجتمع علیه و منه القضاء بین الناس کما أن منه الأمور الحسبیة و الحوادث الواقعة من الحدود و القصاص و السیاسات .

و لا ریب فی أن المراد من الرواة فی التوقیع هم الفقهاء الذین یعرفون الأحکام من مصادرها و یقدرون علی إستنباطها من مصادر التشریع من الکتاب و السنة لا خصوص ناقل الألفاظ من دون درایة بمفاهیمها کما هو واضح .

و ثانی المستند لثبوت الولایة للفقیه هو ما ذکره مستدرک الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضی ح16 «مجاری الأمور بید العلماء الأمناء علی حلاله و حرامه» و الأمور جمع محلی ب«ال» مفید للعموم و هذا أظهر مصادیق الولاية .

و ثالثه قوله صلی الله علیه و آله «رحم الله خلفائی ثلاثا، قیل یا رسول الله و من خلفائک قال الذین یأتون بعدی و یروون حدیثی و سنتی» (الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضی ح 7). و المراد من الرواة هم الراوون عن درایة و إستناد إلی منابعها لا مطلق الرواة کما مر فی الحدیث المتقدم .

و لما کان إعتبار الولایة للفقیه عند الأستاذ الخمینی (ره) مما یکون قیاساتها معها لکفایة تصورها لتصدیقها، بدأ کلامه فی بحثه عن «ولایة الفقیه» ببیان مصادیق من أحکام الله من القرآن التی لا یرضی الشارع قطعا بترکها و إمهالها کقوله تعالی «و لکم فی القصاص حیاة یا أولی الألباب»؛ «الزانیة و الزانی فاجلدوا کل واحد منهما مأة جلدة» و ... و ذلک لأن الأسلام شریعة خالدة یستلزم بقائهاع الإلتزام بإجراء أحکامها و الحذر عن إمهالها و ترکها من دون عذر و لا شک أیضا فی أنه لا یمکن القول بإجرائها من دون ضابطة متقنة إذ لو کان الأمر بید سلاطین الجور الذین لایعتنون بأمر الدین و لا یبالون بأمر المسلمین أو کان بید العوام، سینجر ذلک إلی مشاکل عدیدة من الحرج و الفوضی و إختلال النظام و ... فلابد من القول بأن المتصدی لهذه الأمور الهامة لابد أن یکون من المشفقین بحال الإسلام و المسلمین العارفین بأحکام الله عن إجتهاد و القدر المتیقن منه هو الفقیه .

أما الأستاذ الخوئی (ره) فقد أنکر إثبات الولایة للفقیه بمثل هذه الروایات للمناقشات السندیة فی بعضها و الدلالیة فی الأخری حیث أن إسحاق بن یعقوب لم‌يوثق و حدیث تحف العقول «مجاری الأمور بید الفقهاء» مرسل و بعض آخر من الرواة مجهولون أو ضعاف .

أما دلالة الروایات علی الولایة للفقیه أیضا مشکل حیث یمکن أن یکون المراد من «الرجوع إلی رواة الأحادیث فی الحوادث الواقعة» بیان منصب الإفتاء و السؤال عن أحکام الله فیها و هذا لایثبت أزید من منصب الإفتاء لهم .

و أما المراد من مجاری الأمور، أمناء الرسل و خلفاء رسول الله بقرینة مناسبة الحکم و الموضوع هو منصب الإفتاء أو منصب التبلیغ و إبلاغ أحکام الله و الخلافة فی تلک الجهات لا فی مطلق مناصب الرسول و هذه هو القدر المتیقن من دلالة تلک الأحادیث .

و الإنصاف عدم الإعتماد علی هذه المناقشات الدلالیة و السندیة مضافا إلی أن تشکیل الحکومة و إدارة أمور المجتمع من أظهر مصادیق الأمور الحسبیة التی لا یرضی الشارع قطعا بترکها و إمهالها و لا شک فی أن الفقهاء هم أولی بتکفل أمور المجتمع و تصدی تلک الأمور و لو لم‌یکن فقیه فی عصر، فعلی عدول المؤمنین القیام بتلک الأمور و مع فقدهم علی عامة المؤمنین القیام بها بنحو الواجب الکفائی و هذا ما صرح به الشیخ المفید فی کتابه «المقنعة» من أن الفقیه لو قام بإدارة أمور المسلمین فی عصر فعلی عامة المسلمین معاونته و مساعدته علی هذا المهم .

و الحمد لله