درس خارج اصول استاد اشرفی

91/12/20

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: الإحتیاط فی العبادات

هل الإحتیاط فی العبادات مشروع للمتمکن من الإجتهاد أو التقلید أم لا ؟

یقع الکلام فی الإحتیاط فی مقامین

الأول: ما إذا لم‌يستلزم الإحتیاط التکرار فی العمل

الثانی: ما إذا إستلزم الإحتیاط التکرار

أما المقام الأول فقد مر کلام النائینی و ملخصه أن الشک فی مقام إمتثال شك في أمر عبادی لا مقام أصل التشریع و قاعدة الإشتغال جارية فيه؛ إذ العمل العبادي لابد أن يأتي به المكلف بقصد الأمر و الطاعة و هو لايتحقق إلا مع الجزم في النية و التحرك عن تحريك الله مع أن تكرار العمل منبعث من إحتمال أمر المولي .

هذا مضافا إلي أن المقام مقام التردد بين التعيين و التخيير و مقتضي القاعدة العقلية التعين و رفع اليد عن التخيير إذ لانعلم بأن المكلف مخير بين القصد الجزمي و قصد إحتمال الأمر أم يتعين له قصد الجزم .

هذا ما أفاده المحقق النائيني علي سبيل الإجمالأما الأستاذ الخوئي فقد ناقش فيه من وجوه

الأول: إن العبادة هي إستناد العمل إلي الله تعالي و‌ إضافته إليه و هو كاف في تحقق العبادة. أما الجزم في النية فهو غير معتبر في عبادية العمل بل يكفي نية التقرب إلي الله و الرجاء بحيث عمل المكلف بالعمل لأجل الشارع فما قاله المحقق من كون الإمتثال الإجمالي في طول الإمتثال التفصيلي فهو ممنوع لعدم الدليل عليه و الأصل عند الشك في إعتبار قصد الجزم البرائة .

أما الدوران بين التخيير و التعيين كما في المقام فإن مرجع الشك في العبادية و أن الشارع هل اعتبر في مقام الإمتثال، الإستناد إلي أمر جزما أم لا، فقد ذكر في محله أن مرجع الشك في التعيين و التخيير إلي الشك في التوسعة و التضييق و هو مجري البرائة مع ما عرفت من إمكان الجزم بالنية إذا كان الشك في بعض أجزاء العمل أو شرائطه .

و الإنصاف أن الجزم بالعبادة بهذا المعني ليس دخيلا في تحقق العبادة .

أما المقام الثاني: و هو ما إذا إستلزم الإحتياط التكرار في العمل فقد عد الشيخ الأنصاري في رسائله إشكال إعتبار قصد الوجه و التمييز فيه أقوي من المقام الأول إذ قصد الأمر و القربة في فرض عدم الإستلزام في أصل العمل محقق كما إذا شك في وجوب غسل الجمعة فأتي به رجاءا بقصد القربة أو شك في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال خلافا لما إذا إستلزم الإحتياط التكرار في العمل مع التمكن من إتيان العمل بقصد الوجه و التمييز و لذا الإحتياط هنا خلاف الإحتياط .

و فيه ما مر من كفاية إنتساب العمل إلي المولي أولا و تحقق قصد الجزم بالعمل بقصد الطاعة ثانيا إذ الإتيان بالمحتملات من حيث المجموع منبعث من أمر المولي و إن لم‌يكن كل منها منفردا منبعثا من أمره ولكنه لو لم‌يكن أمره لما أتي بها المكلف أصلا؛ فكان الداعي علي إتيان العمل هو أمر الشارع .

نعم لايمكن الإتيان بقصد التمييز و لادليل علي إعتباره و إن قال به بعض المتكلمين فلا مانع للإحتياط إذا إستلزم التكرار في العمل كما قال به السيد في مسألة 4 من العروة

أما الإشكال الثاني و هو أن إعتبار الجزم في الإمتثال مع إمكانه مانع عن الإمتثال الإجمالي فالجواب هو الجواب في الفرض الأول .

أما الإشكال الثالث: و هو أن الإكتفاء بالإمتثال الإجمالي لعب و لهو بأمر المولي فيما إذا إستلزم الإحتياط التكرار إلي عشرات مرات كما إذا تردد لباسه الطاهر في ثلاثة ألبسة و القبلة إلي الجهات الأربع و ما يصح السجود عليه في ثلاثة أشياء حيث إنه مستلزم لإتيان ستة و ثلاثين صلاة مع تمكنه إجتهادا أو تقليدا من صلاة واحدة جامعة للشرائط؛ حيث أن التكرار المزبور يعد عند العرف تمسخرا و لعبا بأمر المولي و قد ذكره المحقق الخراساني .

ففيه أولا أن اللعب بأمر المولي متوقف علي قصد المكلف و هو ممنوع إذ المكلف في مقام الإمتثال و الطاعة فلايمكن نسبة اللعب إليه .

مضافا إلي أن اللعب لو تحقق خارجا فإنه في المقدمات العلمية للعمل لا في نفس ما هو المأمور به و هو غير مخل بقصد الأمر .

و الذي تحصل هو جواز الإحتياط في العبادات و إن إستلزم التكرار كما قال السيد فلابأس به و إن تمكن من تحصيل الحكم الشرعي عن إجتهاد أو تقليد .

تم البحث إلي هنا في مقام الفتوي للمجتهد و وصل الآن إلي بيان مقام القضاء له .

و الكلام فيه تارة يقع بالنظر إلي نفس مقام القضاء و أخري بالنظر إلي الأمور الحسبية و ثالثة بالنسبة إلي ولاية الفقيه

أما بالنسبة إلي الأخير فذهب الإمام الخميني(ره) إلي أن مقتضي بعض الروايات هو أن الفقيه الجامع للشرائط له من الولاية التشريعية ما كان لرسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) و للأئمة (عليهم السلام) من بعده فله التصرف في كل ما كان له التصرف لأهل البيت (عليهم السلام) في أمور المجتمع .

منها: ما ورد عن رسول الله رحم الله خلفائي رحم الله خلفائي رحم الله خلفائي فقيل و من خلفائك يا رسول الله قال الذين يأتون من بعدي و يروون حديثي و سنتي .

و إستدل الإمام الخميني (ره) بعدم الفرق بين الخلافة الثابتة بقوله (صلي الله عليه و آله و سلم) «عليٌّ خليفتي» و الخلافة الثابتة بقوله (صلي الله عليه و آله و سلم) «رحم الله خلفائي » فكما كان علي خليفة رسول الله في زعامة أمور المسلمين فكذلك الفقيه الجامع للشرائط .

و لا يخفي أن محل البحث عن ولايه الفقيه هو كتاب البيع في المكاسب فلانتعرضه تفصيلا و إنما نبحث هنا عن ولاية الفقيه في الأمور الحسبية و هي الأمور التي لا يرضي الشارع بتركه و يترتب علي الترك مفاسد كثيرة كتصدي صغار اليتامي اللذين لا ولي لهم و تصدي أموالهم و الأموال الموقوفة علي الضعفاء التي لامتولي لها و كانت في معرض التلف و الإبادة إلي غير ذلك .

و الحمد لله